• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وقفات بين يدي الإمام الحسن العسكري ( ع ) .... الحلقة الرابعة .
                          • الكاتب : ابو فاطمة العذاري .

وقفات بين يدي الإمام الحسن العسكري ( ع ) .... الحلقة الرابعة

 واصل العسكري ( ع ) عطاء المعصومين عليهم السلام للبشرية فكان له دور بارز في الحركة العلمية على مختلف الأصعدة فضلا انه ربى مجموعة من العلماء الثقات وتصدى بنفسه عليه السلام لبعض الحركات المنحرفة .
عن يعقوب بن اسحاق ، قال : « كتبت الى أبي محمد عليه السلام اساله : كيف يعبد العبد ربه وهو لايراه ؟ فوقع عليه السلام: يا ابا يوسف ، جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلي ابائي ان يري ». 
وعن سهل بن زياد ، قال : « كتب الى ابي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين وومائتين : قد اختلف يا سيدي اصحابنا في التوحيد فمنهم من يقول هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فان رايت يا سيدي ان تعلمني من ذلك ما اقف عليه ولا اجوزه ، فعلت متطولا علي عبدك ؟ » 
« فوقع بخطه عليه السلام: سالت عن التوحيد ، وهكذا منكم معزول ، الله واحد احد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا احد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالي ما يشاء من الاجسام وغير ذلك وليس بجسم ، ويصور ما يشاء وليس بصورة جل ثناؤه وتقدست اسماؤه ان يكون له شبه ، هو لاغيره ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » .
و جاء في كتاب له عليه السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري : « ...ان الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه اليكم ، بل برحمة منه ـ لااله الا هو ـ عليكم ، ليميز الخبيث من الطبيب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ، لتسابقوا الي رحمة الله ، ولتتفاضل منازلكم في جنته. ففرض عليكم الحج والعمرة واقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية ، وجعل لكم بابا تستفتحون به ابواب الفرائض ، ومفتاحا الي سبيله ، لولا محمد صلى الله عليه و اله والاوصياء من ولده لكنتم حياري كالبهائم ، لاتعرفون فرضا من الفرائض ، وهل تدخل مدينة الا من بابها ، فلما من عليكم باقامة الاولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ((اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)) وفرض عليكم لاوليائه حقوقا امركم بادائها ليحلَّ لكم ماوراء ظهوركم من ازواجكم واموالكم وماكلكم مشاربكم ، قال الله تعالي : (( قل لا اسالكم عليه أجرا الا المودة في القربى ))... » .
تصدى العسكري (عليه السلام) للفرق الضالة من خلال مواقف وقوية تجاه كل فرقة يخشى على المجتمع من انحرافاتها.
في حين كانت الحضارة الإسلامية في زمن العسكري قد تسارعت فيها عوامل الانهيار والانسلاخ ولولا دفاع الإمام ومن معه عن قيم الإسلام وجهادهم العظيم ضد الانحرافات الخطيرة يمكن لنا القول لكانت الحضارة تكون مشوهه ومحرفة بل تتلاشى بصورة كلية.
فمثلا في عصر الإمام العسكري ( عليه السلام ) برزت الثنوية وهم من أثبت مع القديم قديماً غيره فكانوا شبه المجوس يثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة .
روى الشيخ الكليني :
عن إسحاق قال : أخبرني محمّد بن الربيع الشائي ، قال : ناظرت رجلاً من الثنوية بالأهواز ثمّ قدمت (سرّ من رأى) وقد علق بقلبي شيء ممّا قاله ، فإنّي لجالس على باب أحمد بن الخصيب ، إذ أقبل أبو محمد (عليه السلام) من دار العامّة يوم المركب ، فنظر إليّ وأشار بسبّابته : أحد ، أحد ، فرد . فسقطت مغشيّاً عليَّ .
كان الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) بارعا في رعاية الأمة وإرشادها إلى فهم الإسلام الصحيح ونشر الوعي والعقيدة والأحكام الشرعية ومن ابرز نشاطات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) في عصره هي الردّ الرادع لأكبر محاولة تخريبية كان إسحاق الكندي ـ وهو من الفلاسفة المشهورين ـ فإنّ هذا الفيلسوف قد جمع جملة من الآيات القرآنية التي يبدو للناظر فيها أنها تحمل التناقض، وكان ينوي نشرها، وهي محاولة تستهدف القرآن الكريم الذي يعتبر رمز للكيان الإسلامي . 
وهي من الحوادث المهمة المشهورة في تاريخ العرب والمسلمين وعرفت محاولة الفيلسوف الكندي في تأليف كتاب ( تناقض القرآن) للاستدلال ان كتاب الله تعالى فيه تناقضات .
لم ينتبه أحد إلى مدى خطورة هذه المحاولة وتأثيرها الخطير على المسلمين بالإضافة وما تقدمه من دليل يستغله أعداء الإسلام للطعن بصحة اكبر دليل لإثبات أحقية الدين.
لكن الإمام (عليه السلام) قد رصد هذه المحاولة وأجهضها وهي في مهدها، حيث يروى في .( المناقب: 4 / 457، 458) :
(( انه قد دخل أحد تلامذة الكندي على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقال له الإمام (عليه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟
فقال التلميذ: نحن تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟
فقال أبو محمد (عليه السلام): أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك ؟
قال: نعم.
قال الإمام (عليه السلام): فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ، فإذا وقعت الأُنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها ; فإنّه يستدعي ذلك منك ، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها ؟
فإنه سيقول لك: إنّه من الجائز ; لأنه رجل يفهم إذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فيكون واضعاً لغير معانيه.
ثمّ إن الرجل صار الى الكندي، ولمّا حصلت الأُنسة ألقى عليه تلك المسألة فقال الكندي: أعد عليّ ، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر.
فقال ـ الكندي ـ: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك ؟
فقال تلميذه: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا ؟
فقال: أمرني به أبو محمّد العسكري (عليه السلام).
فقال: الآن جئت به ما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت ثم دعا بالنار وأحرق ما كان أ لّفه )
قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره الشريف ) في كتاب الغيبة الصغرى :
(( جهاده العلمي: من حيث قيامه بمسؤوليته الإسلامية في رد الشبهات وإقامت الحق، بطريق المناقشة العلمية والجدل الموضوعي. أو إصدار البيانات العلمية أو تأليف الكتب ونحو ذلك.
فمن ذلك موقف الإمام من الكندي [أبي يوسف يعقوب بن اسحق] فيلسوف العراق في زمانه، حين أخذ في التأليف في تناقض القرآن، وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله، فسلط الإمام عليه أحد طلابه بكلام قاله له، جعله يتوب ويحرق أوراقه. وملخص الفكرة التي بذرها الإمام في ذهن هذا الفيلسوف، بعد أن وصفه لتلميذه أنه رجل يفهم إذا سمع... هو احتمال أن يكون المراد بالآيات القرآنية غير المعاني التي فهمها وذهب إليها.
وحين ذكر له تلميذه هذا الاحتمال فكر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر. فقال: أقسمت عليك ألا أخبرتني من أين لك. فقال: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك. فقال: كلا، ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فأخبرني من أين لك هذا. فقال: أخبرني به ابو محمد ص فقال: الآن جئت به. وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت، ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألفه ))
ومن الفرق الضالة أيضا الواقفة و هم الذين وقفوا علي الإمام الكاظم عليه السلام والسبب المهم في انحرافهم عن باقي المعصومين ( ع ) تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق في وقت كان فيه الكاظم عليه السلام في سجن الرشيد فطمعوا فيها وادعوا بعد شهادة الكاظم عليه السلام انه حي لم يمت وقد صرح الإمام العسكري عليه السلام بالبراءة منهم ورد أباطيلهم .
ما رواه الاربلي عن احمد بن محمد بن مطهر قال : « كتب بعض اصحابنا الي ابي محمد عليه السلام من اهل الجبل ، يساله عمن وقف على ابي الحسن موسى عليه السلام اتولاهم ام اتبرا منهم؟ فكتب عليه السلام : اتترحم على عمك؟ لارحم الله عمك. وتبرا منه ، انا الي الله منهم برئ ، فلا تتولاهم ، ولاتعد مرضاهم ، ولاتشهد جنائزهم ، ولاتصل علي احد منهم مات ابدا من جحد اماما من الله ، او زاد اماما ليست امامته من الله ، كان كمن قال ان الله ثالث ثلاثة ، ان الجاحد امر اخرنا جاحد امر اولنا ، والزائد فينا كالناقص الجاحد امرنا... » .
ووقف الإمام العسكري عليه السلام بوجه بعض الوضاعين والصوفية المتصنعين ومنهم عروة بن يحيي الدهقان الذي كان يكذب على الإمام عليه السلام وعلي أبيه من قبله ، ويختلس الأموال التي ترد على الإمام عليه السلام. 
روي الكشي عن محمد بن موسي الهمداني ، قال : « ان عروة بن يحيي البغدادي المعروف بالدهقان (لعنة الله) كان يكذب علي ابي الحسن علي بن محمد ابن الرضا عليه السلام وعلي ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام بعده ، وكان يقتطع امواله لنفسه دونه ، ويكذب عليه حتي لعنه ابومحمد عليه السلام وامر شيعته بلعنه ، ودعا عليه بقطع الاموال لعنه الله » .
ومنهم احمد بن هلال العبر تائي ، الذي كان يتظاهر بالورع والزهد ، ويخفي الانحراف في فأطلق عليه الإمام عليه السلام لفظ ( الصوفي المتصنع ) وكتب الى اصحابه يحذرهم منه .
قال الشيخ الطوسي : « روي محمد بن يعقوب ، قال : خرج الي العمري في توقيع طويل اختصرناه : ونحن نبرا الي الله تعالي من ابن هلال لا رحمه الله ، وممن لا يبرا منه ، فاعلم الاسحاقي وأهل بلده مما اعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سالك ويسألك عنه » .
وكان له دور كبير في هداية المنحرفين عن الإسلام والتشيع فقد جاء في الأخبار أن أبا العلاء صاعد ابن مخلد النصراني وزير المعتمد اسلم علي يد الأمام العسكري عليه السلام كما اسلم علي يده راهب دير العاقول وفي ذلك قصة لطيفة فقد ورد :
ان الإمام العسكري عليه السلام أراد مرة ان يفتصد ، فبعث الي بختيشوع الطبيب طالبا ان يرسل اليه اخص اصحابه عنده ليفصده ، فبعث اليه اعلم تلامذته ، وقال له : « قد طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر اليه وهو اعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر ان لا تعترض عليه فيما يامرك به » فعلمه له الامام عليه السلام طريقة في الفصد لم يالفها في الطب ، ففصده وقدم له تخت ثياب وخمسين دينارا ، وقال عليه السلام : « خذ هذا واعذرنا وانصرف » فتحير الطالب واستاذه بختيشوع في معرفة ما وصفه الامام عليه السلام في الفصد ، فبعث بخيتشوع تلميذه ومعه كتاب الي راهب دير العاقول ، وكان اعلم النصاري في الطب ، في ذلك الوقت ، فلما قرا الكتاب طلب منه ان يوافي معه الي سامراء ، فوصلوا الي دار الامام عليه السلام وقد بقي من الليل ثلثه ، ومكث عنده عليه السلام الي الصباح ، ثم خرج الراهب وقد رمي بثياب الرهبانية ، ولبس ثيابا بيضا وقد اسلم ، فقال : « خذ بي الان الي دار استاذك ، قال : فصرنا الي دار بختيشوع ، فلما راه بادر يعدو اليه ، ثم قال : ما الذي ازالك عن دينك ؟ قال : وجدت المسيح فاسلمت علي يده. قال : وجدت المسيح ؟!قال : او نظيره ، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح ، وهذا نظيره في اياته وبراهينه ، ثم انصرف اليه ولزم خدمته الي ان مات » .
ومن مظاهر الهداية التي باشرها العسكري ( ع ) هو تأثيره في السجن بحيث انقلب السجانون من أعدائه الى حبه وطاعته مؤثرا فيهم بشخصيته الروحانية .
روي الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي ، قال : « حبس ابو محمد عليه السلام عند علي بن نارمش ، وهو انصب الناس ، واشدهم علي آل ابي طالب ، وقيل له : افعل به وفعل ، فما اقام عنده الا يوما حتي وضع خديه له ، وكان لايرفع بصره اليه اجلالا واعظاما ، فخرج من عنده وهو احسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولا » .
بل امتدت تأثيرات الإمام الروحية الى عوائل المتولين للسجن فقد روي الشيخ الكليني : « سلم ابو محمد عليه السلام الي نحرير ، فكان يضيق عليه ويؤذيه ، قال : فقالت له امراته ، ويلك اتق الله ، لاتدري من في منزلك؟وعرفته صلاحه وقالت : اني اخاف عليك منه... » . 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3245
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19