• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رائحة المطر .
                          • الكاتب : انس الساعدي .

رائحة المطر

صديقتي الطيبة ، اقلقني الغياب وجال الخوف بين أزقتي .. ارجو ان تكوني بخير
- أمضيتُ نصف عمري وانا اعتقد أن الصداقة رابط مقدس يستحق التضحية ، كنت حينها ولغاية قبل أيام معدودة أظن أن صداقتي ببعض الناس هي رأسمالي وذخري .
- يقسمون الصداقة الى عدة اقسام فمنها صداقة المصالح وهي التي تضمحل بعد اتمام الغايات والمصالح ، يتغير الحال بعد ساعة من انتهاء المصلحة وتصبح الكلمات اشد ثقلا واكثر صعوبة ، القسم الاخر هو صداقة الغريزة تلك التي تموت حال انتهاء اللذة ، فهي صداقة اشبه ما تكون الى بعض الادوية التي تستخدم عند الحاجة ، فهي صداقة عند الحاجة ، هذا النوع (يحفظ في مكان بارد بعيدا عن متناول الاطفال )، إما النوع ألاخير وهو الاسمى من بين جميع اقسام الصداقة فهو ينبعث من الصدق والفضيلة , هو رابط روحي ونفسي لا يعتمد على المصلحة ولا يزول بزوال المؤثر، هو اشبه ما يكون بالتنفس ، انستطيع العيش دون ان نتنفس ؟ هذه الصداقة التي تملأ الرئتين بالاوكسجين وتنعش الروح فتشهق وفاء وعفة واخوة وتزفر كل حقد وضغينة وكراهية.
- فيما مضى اعتقدتُ ان لي مجموعة من الاصدقاء ينتمون الى النوع ألآخير ، ذلك الذي لا يبالي بالمصالح ولا يعترف بالغرائز ، كنت احزن لحزنهم وافرح عندما يفرحون ، ظننت لغبائي او لطيبتي انهم كذلك , فما برحت أسال عنهم باستمرار, أفتقدهم , كل يوم يمر أعتقدتُ أنني ازداد بهم قوة وعزم وهم كذلك فلستُ ممن يجامل ,كنت أسال عنهم بوازع من حرص وحب واخوة , بعضهم كان يفعل كذلك واخرين كنت التمس لهم ألاعذار , كل ذلك كان قبل أيام معدودة .
- كلنا يمتلك ذوقا معينا ربما يختلف عن الاخر ، ولهذا قيل ان اختلاف الاذواق حال دون بوار السلع من الاسواق ، انا شخصيا احب اشياء كثيرة ، ولكن من الاشياء التي احبها جدا ، رائحة المطر ، تلك التي تنبعث من الارض عندما يفتح الله بواب رحمته فتنهمر زخات مطر تحمل كل قطرة منها رحمة ومغفرة وعطرا سماويا لا يشبه أي عطر ، فعندما تنزل السماء خيراتها مطرا كنت اشهق هذه الرئحة فاشعر بالنشوة والمغفرة ويمتلئ قلبي حبا وعفة واخوة .
- مررت قبل ايام بظرف ابعدني عن وسائل الاتصال ، واستمر هذا الظرف لاسبوع او اكثر ، توقعت ان يفتقدني اصدقائي، ولكن الصدمة ان احدا لم يفتقد غيابي طيلة هذه الفترة ، حتى الذين كنت اسأل عنهم كل يوم ، او نتواصل كل يوم .
- اكتشفت الان ان اصدقائي الكثيرون ، هم في الحقيقة ليسو كذلك ، اتضح ان القسم الاكبر من اصدقائي هم من القسم الاول ، واما القسم الاخير (الاوكسجيني) الذي يملأ الرئتين فهو قليل جدا ، لا يتعدى اصابع اليد الواحدة والمفأجأة ان صديقا واخا طيبا عرفته قريبا جدا كان من بين هؤلاء الاصدقاء الطيبين العبارة التي افتتحت بها مقالي ، صديقتي الطيبة ، اقلقني الغياب ....... ولا اخفيكم انني عندما قرأت رسالته استنشقت رائحة المطر رغم انها لا تمطر ، حينها اسفت لانني سألت يوما عن شخص لا يستحق ان يكون ضمن لائحة اصدقائي.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=32560
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19