• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل انصف التاريخ عليا (ع) ؟ .
                          • الكاتب : نعيم ياسين .

هل انصف التاريخ عليا (ع) ؟

        في شهر رمضان من كل عام هجري يتذكر المؤمنون عليا (ع) بمناسبة جرحه فجر التاسع عشر وشهادته في الحادي والعشرين من الشهر المبارك , والتذكر هذا ياخذ اشكالا وشعائر , منها اقامة مجالس العزاء , والقاء المحاضرات وزيارة مرقده الشريف , فتحضر هذه الايام صور بعض السيرة العظيمة للامام (ع) التي حفظها لنا التاريخ , وتقصيرنا في ذلك اننا لانقف على باب علي الا في ذكرى شهادته مع انه اعطى كل مايملك من اجلنا ولم يرجوا منا جزاءا ولا شكورا , فماذا علينا لو وقفنا جميعا , بل وقفت الانسانية جمعاء على سيرته وتراثه فاخذنا واخذت منهما علاجا لما نعانيه من تخبط في الازمات , ازمة تتبعها ازمة ؟ , لماذا هذا الجفاء لعلي (ع) اليوم كما جفته وانكرته اسلافنا في حياته حتى اشغلته في فتن وحروب بعد حصار واقصاء بدلا من ان تهتدي بهديه وتمضي طائعة لامره ؟  . 

      لقد سمع اسلافنا الماضون نبيهم الكريم (ص) وهو يشير الى يعسوب الدين وامير المؤمنين وهو ينبههم الى طهارة الامام وعدله وتقواه وشدته في الحق وفي ذات الله حين قال : " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار , لو وليهم لحملهم على المحجة البيضاء " , وبدلا من ان تستثمر الامة وجود امامها كما وصفه نبيها الكريم راحت تتربص به , فرفع اناس من قريش شعارهم المعروف : كرهت قريش ان تجتمع الامامة والنبوة لهاشم , وكأن الامر بيد قريش لابيد الله , ولابيد نبيه . 

     هل انصف التاريخ عليا (ع) ؟ سؤال كبير لكن جوابه الدمع والحسرة , جوابه في قرآن الله تعالى عندما جاء امير المؤمنين الى النبي يشكوا اليه جفوة قريش له وتاليبهم عليه فنزل قوله تعالى " ان الذين آمنوا وعملو الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " (مريم : 96) . وظلت النفوس تعتمل بكل موجدة على امير المؤمنين مع ان يده بيضاء من غير سوء , لم يظلم احدا , ولم ينازع احدا , بل كان يمطر عليهم رحمة وحنانا , فيوصي ولاته بالرحمة بالناس صغيرهم وكبيرهم , مسلمهم وكافرهم , غنيهم وفقيرهم : " واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم , ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم فانهم صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق " (عهد الاشتر) . اليك يا اميرالمؤمنين بعد الله الشكوى من ولاتنا اليوم في ديار المسلمين فقد استأثروا بالمال حتى اتخموا , وبالسلطان حتى طغوا , فلا يكلم احدهم الا من وراء حجاب . 

    لقد ظلم علي (ع) من اعدائه فاخفوا فضائله بغضا , ووضعوا عليه ما ليس عنده وساووه بمن ناوأوه , وظلم من محبيه فلم يستلهموا سيرته ووقفوا عليه شفيعا يوم القيامة من النار وهو الحق ولم يقفوا عليه في الحياة الدنيا دثارا وشعارا الا بقية كبقية آل يعقوب سارت بنهجه وسيرته فقطعت منها الرؤوس وهدمت البيوت حتى تمنوا ان يقال لهم زنادقة ولا يقال لهم شيعة فكان احدهم كمؤمن آل فرعون يكتم ايمانه بعلي (ع) . 

       وضعوا احاديث نسبوها للنبي افتراء عليه تمجد قوما غصبوا عليا خلافته المنصوص عليها , فتراهم ضاق بهم الامر ان ينفرد علي (ع) بالعز والسؤدد فرووا عن عائشة عن النبي (ص) " اللهم اعز الاسلام بعمر " ( السيوطي , الاحاديث المشتهرة ) ولغرابته انكره عكرمة - وهو مَنْ هو من علي - قائلا : معاذ الله , الاسلام اعز من ذلك , ولكنه قال : اللهم اعز عمر بالدين .

     ثم ارادوا الانحراف بالامة عن علي (ع) ان تكون له طائعة ويكون لها منار هدى , ومحجة بيضاء فوضعوا على النبي (ص) قوله : " خذوا شطر دينكم عن الحميراء " يقصدون عائشة , ومع انكار بعض علماء اهل السنة لهذا الحديث المفترى ومنهم ابن كثير والذهبي , لكن ما زال بعضهم يصر على اعتباره . وليت شعري كيف ناخذ نصف ديننا عمن انتقدها كبير رواة اهل السنة نفسه ومحدثهم الذي ملأوا مجامع الحديث بما رواه , وهو ابو هريرة الدوسي , فذكر ابن سعد في طبقاته ان عائشة انكرت على ابي هريرة كثرة حديثه عن النبي قائلة : انك لتحدث عن النبي حديثا ما سمعته منه , فقال ابو هريرة : يا امه , طلبتها وشغلك عنها المرآة والمكحلة ( مصطفى بو هندي , اكثر ابو هريرة ) . اذن كيف ناخذ شطر الدين ممن شغلتها المرآة والمكحلة , الا ترى ان الحديث وضع ليضاهوا به حديث " انا مدينة العلم وعلي بابها " الذي انكره الترمذي والبخاري , وعده الذهبي وابن الجوزي في الموضوعات , محاولين طمس معالم علي وفضله , ولم يكتفوا بانكار حديث مدينة العلم فقال ابوزرعة : كم خلْقٍ افتضحوا فيه , يالله ولهم , من هذا الذي افتضح بقوله بعلم علي ؟ اولم يكن علي الاذن الواعية للنبي ؟ او لم يحمّله (ص) قرانا الى اهل مكة ليبلغهم ؟ او لم يقل اقضاكم علي , فهل ياتي القضاء صوابا من رجل لا علم له بالكتاب والسنة ؟ او لم يشتهر عن عمر قوله : لولا علي لهلك عمر , ولا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن ؟ فاي الخلق افتضح باعلمية علي (ع) يا ابازرعه ؟ . 

    ومضوا في غيهم محاولين طمس معالم علي (ع) منكرين ومشككين بثوابت تاريخ المسلمين , فاخرج الحاكم بطرق عدة عن جابر " ان عليا لما انتهى الى الحصن – حصن خيبر - اجتذب احد ابوابه فالقاه في الارض , فاجتمع عليه بعد سبعون رجلا فكان جهدهم ان اعادوا الباب " ومع شهرة وقعة خيبر ودور علي فيها وقلعه باب الحصن , لكن هناك من يحمل الناس على الشك في قضية الباب مثل السخاوي والكرمي محاولا انتزاع هذا المجد من امير المؤمنين . 

     ولم يكتف رواة الامويين وبائعو الدين بوضع الحديث وانكار بعضه فيما يخص عليا (ع) وانما عمدوا الى وضع الاحاديث التي تمجد الظالم المستبد لا لشيء سوى ان عليا كان بالمرصاد للظالمين في عصره بسيفه وجهاده وبعد عصره بتراثه ووصاياه , فنقرأ مما وضعوه وافتروه على النبي (ص) قولهم عن النبي : " الظالم عدل الله في الارض ينتقم به من الناس ثم ينتقم منه " و " قوام امتي بشرارها " , هل سمعتم بامة قامت واستقامت بالاشرار ؟ هل هناك جرأة على الله اكبر من تلك الجرأة بان يكون الظالم وفعله صورة من عدل الله في الارض وهناك قرآن الله يتلى " الا لعنة الله على الظالمين " ؟  

     نفسي شقشقت وهدرت بكلمات في ذكرى شهادتك سيدي يا امير النحل ويظل سؤالي معلقا في الذاكرة : هل انصف التاريخ عليا ؟ . 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=34317
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29