• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المنهج التجريدي عند الحيدري (1) .
                          • الكاتب : محمد ال حسن .

المنهج التجريدي عند الحيدري (1)

قال تعالى (( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً )) 
تعتبر هذه الآية من أشد الآيات تخويفاً وترهيبا للانسان المتأمل في آيات الكتاب العزيز من حيث إنها تشتمل على محورين أساسين:
الاول : الابهام في مقام بيان ميزان العمل الموصوف بالخسران.
الثاني : وصف الانسان بين حالتين : احداهما التصورات الدفينة في نفسه والاخرى : الانطباعات الخارجية على صفحات وجهه .
فأما المحور الاول ؛ فالغرض منه ليس التعمية على الانسان مطلقا والا كان العقاب منه تعالى على ما لا يعلمه الانسان حتى بعد إقدامه عليه ؛ وانما الغرض نصب العنوان المشير لحقيقة مكر الله المذكور في آيات أخرى ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ؛ فمن مظاهر مكر الله عز وجل أن لا يظهر له الحق بعينه ليتبعه والباطل بعينه ليجتنبه وانما يعطيه ميزاناً عاما كلياً وبوصلة واضحة ؛ وبعدها يقول له افعل ما تراه مؤدياً لما فيه رضاي واجتنب ما تراه مؤدياً لما فيه سخطي وغضبي .
ومن خلال هذا العرض المختصر لهذا المحور يتضح لنا الوجه في المحور الثاني ؛ فإن التعمية والابهام ليس لأجل مجرد التعمية في حد ذاتها إذ لا موضوعية لها وإنما المراد منها رسم صورة واضحة للانسان الذي يفعل ما لا يعلم بحقيقة إيجابه لرضا الله عز وجل او إيجابه لغضبه تعالى .
ثم يعكس المولى عز وجل هذه الصورة على واقع الشخص نفسه ؛ فيكون الخسران او الاخسرية في مقام العمل تظهر للعامل نفسه على أنه الاكثر نجاحاً لا عند الله ؛ وانما عند نفسه فقط ، ولذا عبرت الاية عن ذلك بقولها ( وهم يحسبون ) فهو محض توهم من قبلهم ؛ وليس من الحساب الالهي في شي حسن صنيعهم ؛ فالاية تقول لهم انكم لم تحسنوا صنعاً إطلاقاً ؛ وان ما قمتم به كان محض توهم منكم في انه امر حسن وصنيع مقبول لله عز وجل .
هذه الآية تكشف شريحة من الناس في عملهم العلني الظاهري ؛ حيث عبرت (بالأخسرين) ضمير الجمع وليس الخاسر ؛ وقالت (يحسبون انهم) ؛ في إشارة إلى أن هناك امر واقعي وامر اعتقادي منشأه الوهم . 
كما ان في الاية إخباراً غيبياً من الله للناس ؛ الا أن هذا الاخبار الغيبي قد ارتكز على ما ذكرنا من المحورين ولم يذكر مخبراً شخصياً بعينه ؛ والغرض الاقصى من ذلك هو التعميم ؛ فليس الامر مقتصراًعلى زمان دون زمان او مكان دون اخر او شخص دون آخر ؛ وحينئذٍ فلابد لكل عامل او مقدم على عمل أن تكون عنده تلك البوصلة وذلك الميزان وإلا صار عمله في معرض مكر الله وفي مهب التعمية والابهام الالهي .
إذا اتضح هذا فلنأت لقضية معاصرة في أيامنا هذه : 
لقد قام بعض أهل العلم في إحدى القنوات الفضائية بعرض لأطروحة ومشروع يدعي أنه تجديدي وتصحيحي للموروث الامامي من الحديث .
والكلام معه في عدة أمور :
الامر الاول : في طريقة العرض ؛ فقد كانت طريقته أن يذكر أمراً ظاهره المخالفة للكتاب والسنة القطعية ويكون هذا الامر موجودا ومعترفاً به في كتب القوم من أهل الخلاف ؛ ثم يقوم بعرض نفس الفكرة على حسب فهمه من كتب الشيعة الامامية ؛ ليصل بعد ذلك لنتيجة وهي أن الداء مشترك بين الموروث الامامي والموروث السني من الحديث ؛ وبه يتخلص الى ضرورة مهمة وهي ضرورة تنقية التراث الشيعي من تلك الروايات الموضوعة المدسوسة فيه .
وساق امثلة على ذلك أنتقي منها مثالين : 
الاول : رواية عن اسامة بن زيد وفيها حدث مرتبط بتميم الداري موجودة في تاريخ الطبري ونفسها في تفسيره ويراها بعد ذلك في تفسير الشيخ الطوسي التبيان عن أبي جعفر ؛ وهي كنية الطبري ثم يراها في مجمع البيان عن ابي جعفر الباقر عليه السلام ؛ قال والحال انه أبو جعفر الطبري وليس الامام الباقر إذن فهي من الاسرائليات !!
والاشكال عليه من عدة امور :
اولا : ان تميم الداري مذكور في الرواية وليس هو الراوي لها ؛ فكيف نسبها للاسرائيليات ؟
ثانياً : ان الرواية موجودة في الكافي الشريف مرفوعة وفي تفسير القمي وفي مستدرك الوسائل مسندة للامام الصادق ايضاً ؛ فهي ليست من الاسرائيليات اصلا .
ثالثاً : هل أن وجود رواية واحدة او اثنتين او عشر روايات مدسوسة في تراث حديثي يبلغ عشرات الالاف يوجب اتهام الموروث الشيعي الامامي كله بأن فيه الكثير من الاسرائليات !؟ 
رابعاً : إن الروايات الاسرائيلية تعني التي ترد من طرق اليهود وفيها تفاصيل عن كتبهم او اخباراتهم ؛ واما الرواية التي تمسك بها واستدل بها على مدعاه فليس فيها شيئ يخالف ظاهر الشرع اصلا . كما انها لم تكن منقولة عن اليهود او عن كتبهم.
الثاني : ذكر في إحدى حلقات اطروحته أن هناك الكثير من الرواة وضاعين للحديث ومدلسين ؛ ثم قرأ من كتاب الذهبي صاحب ميزان الاعتدال الاشارة لمجموعة من الوضاعين للحديث وكيفية وضعهم وذم بعضهم لانه معروف بالوضع بل نقل بعض العبارات التي مفادها انه اشتهر الصالحون العباد من علماءهم بالوضع .
ثم يعود كعادته ويذكر ان هذا كذلك في كتب الشيعة ؛ فينقل عنواناً من الغدير الجزء الخامس منه وفيه بيان اسماء الوضاعين للحديث .
أقول : 
كعادته في تنظير الداء في كتب الشيعة بتوافره في كتب العامة ؛ وهنا قام بتطبيق نفس الفكرة ؛ وذلك بالتدليس وإخفاء الحقيقة عن أهلها او حجب البعض منها لتصل للناس مبتورة الاطراف ؛ وتعالوا معي لتروا حقيقة ما نقله عن كتاب الغدير :
لقد ذكر في الجزء الخامس منه في مقام الرد على القصيمي في كتابه الصراع هذه العبارة :
لعل الباحث يحسب لهذه الدعاوى المجردة الفارغة مسة من الصدق او لمسة من الحق ذاهلاً عن ان الغالب على الاقلام المستأجرة اليوم هو الإفك وقول الزور ؛ وان مدار رقي الامم في وجه البسيطة وتقدمها على الكذب والشطط ومحور سياسة الدنيا في جهاتها الست هو الهث والدجل والتمويه ... الى ان قال : وهناك فئات مبثوثة في الملأ لا تتأتى مآربهم من زبرج الدنيا الا بزخرف القول وكذب الحديث وتعمية الأميين من الناس ... فلنذكر أمة ممن عرفوا بالوضع والكذب فضلا عمن اتهم بهما منهم ؛ انتهي كلامه 
اقول : وي كأن الشيخ الاميني جالس معنا ويستمع لأطروحات هذا المتكلم وقد تأذى منها فنفث صدره نفثة مصدور كشف بها حقيقة ذلك المتكلم ومن يلف لفيفه .
وعلى كل حال فالذي استشهد به المتكلم في القناة على انه عند الشيعة ليس هو الا نقل لأسماء الوضاعين والكذابين عند العامة وليس عند الشيعة ؛ مسلسلا بأسماءهم على ترتيب أبجد هوز . هذا أولاً 
وثانياً : سلمنا وجود وضاعين وكذابين تصديقا لاطلاق الخبر النبوي من كثرة الكذب عليه في حياته فضلا عما بعد مماته صلوات الله عليه واله ؛ إلا المراحل التي مرت بها روابة الموروث الامامي وتنقيته من ذلك والرقابة الداخلية الشديدة من قبل أهل البيت قد أثرت فمنعت جله ان لم يكن كله من أن يختلط بما وضعه الكذابون ؛ وبعدها فبما او وجدت رواية يتيمة ليست بذات سند او أن سندها مجهول أورميت بالوضع فهذا لا يعني أن اكثر التراث الامامي من اليهود والنصارى والمجوس كما تفوه به هذا المتكلم.
إذن فقد قام هذا المتكلم بما كان يحسب به انه يحسن صنعاً وما درى انه غدا من الاخسرين اعمالا 
هذا ما أردنا بيانه في الامر الاول من متابعاتنا للمنهج التجريدي عند الحيدري والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=34707
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19