• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المزايا المستقبلية في فكر الامام الشيرازي .

المزايا المستقبلية في فكر الامام الشيرازي

علي حسين/مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام
 
يتميز فكر الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، (ونحن نعيش الذكرى السنوية الثانية عشر لرحيله) بميزة إستقراء المستقبل، وهي من أهم العلامات التي تدل على العمق المعنوي، لهذا الفكر، وقدرته على محاكاة الواقع، والتجدد معه، كونه ينتمي الى حاضنة الزمن دونما تحجيم أو تحديد مسبق، لذلك يستطيع القارئ، أن يكتشف الضوء الفكري المستقبلي بسهولة ووضوح، في معظم الرؤى والافكار التي تنطوي عليها مؤلفات وكتابات ومحاضرات الامام الشيرازي.
ويطرح الامام الشيرازي رؤيته، بشأن المستقبل، وأهمية التنبؤ به مسبقا، واستقراء حيثياته، والدخول في اعماقه، لمعرفة وتوقع ما سيحدث، حتى يأخذ الانسان، فردا أو جماعة، الاحتياطات اللازمة لمعالجة مكامن الخطر، والمصاعب المتوقعة التي قد تواجه الانسان، وهو يحث الخطى في مجاهيل الزمن القادم، ويفرق الامام الشيرازي عند قراءة المستقبل بين نوعين من الاهداف، وهما الاهداف الكبيرة والاهداف الصغيرة، ويطرح رؤيته في هذا الشأن بكتابه القيّم الذي يحمل عنوان (فقه المستقبل)، إذ يقول سماحته في هذا الجانب: (تتجلّى الأهداف الكبيرة في حاجات المستقبل الواسعة، بينما تظهر الأهداف الصغيرة في حاجات الإنسان المؤقتة؛ وصناعة المستقبل تتم عبر البرنامج الذي يضعه الإنسان لتحقيق أهدافه الكبيرة. من هنا كان لزاماً على الإنسان أن يكون على استعداد تام لاستقبال الغد والتأثير فيه، والتكيّف معهُ فيما لا يمكن تغييره، وربطه بالحاضر والماضي حتى لا ينقطع المستقبل عن الماضي والحاضر).
ولعلنا سنكتشف بسهولة، ذلك الربط الجميل والتداخل المنسجم بين الحاضر والمستقبل، في الرؤى الفكرية التي يطرحها سماحة الامام الشيرازي، حول أولويات دقيقة، تتعلق بحاضر الانسانية ومستقبلها، والاهمية القصوى في الاكتشاف المبكر والعميق لهذا التداخل، من اجل فهم أعمق للمستقبل، وبيان التوقعات التي تتطابق مع ما يمكن أن يحدث في بطون الزمن القادم.
التداخل بين الحاضر والمستقبل!
منذ بواكير رحلته الفكرية، شخّص الامام الشيرازي، ذلك الاندفاع الكبير والمتسارع نحو المستقبل، ودعا بصيغ فكرية واضحة ومباشرة، الى اهمية أن يفهم الانسان، طبيعة المخاطر والمجاهيل التي قد تواجهه، وهو يحث الخطى نحو بناء المستقبل، لذا عليك أيها الانسان أن تتصدى لأدق تفاصيل الحياة، حتى تمسك بزمام المبادرة ولا يفاجئك الزمن بما لم يكن في الحسبان، فطبيعة عالمنا المتحرك بديناميكية متسارعة تتطلب تعاطيا ذكيا واضحا واثقا مع ما ينطوي عليه المستقبل من خفايا وغوامض، لتدارك المفاجآت.
يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن: (يشهد عالمنا اليوم حركة قوية وسريعة نحو المستقبل في كافة أوجه الحياة، وهذه الحركة توجب تغيراً شديداً، فيجب أن نكيِّف أنفسنا مع هذا التغيير حتى نمتلك ناصية المستقبل، خصوصاً إذا كان مضمون المستقبل مختلف جذرياً عن حاضرنا. ومواكبة المستقبل تتمّ: عبر رصد الاحتمالات، والتخطيط السليم، والقرارات الصائبة التي يتّخذها روّاد الأمة وعلماؤها في مختلف الاختصاصات، في الهندسة والطب والزراعة والصناعة حتى يأتي البناء متكاملاً من حيث تكوينه).
لهذا السبب يرى كثير من المتابعين والمعنيين بأفكار الامام الشيرازي، أن قوة الاستشراف والتنبؤ التي تنطوي عليها أفكاره، غالبا ما تقترن بمزايا فكرية أخرى مهمة، إذ يرى هؤلاء أن كتابات الإمام السيد محمد الشيرازي تتسم بأنها كتابات هادفة، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحقيقة والواقع، فعندما يمسك القلم يضع نصب عينيه، الواقع المحدد والهدف المعيّن الذي من أجله يسطّر الحروف، مثلاً عندما يكتب الكراريس التي لا تتجاوز عدد صفحاتها الثلاثين أو عندما يكتب المجلّـدات الضخمة التي جاوزت الحدّ المعتاد، والتـي بلغت موسوعته الفقهية المائة والستين مجلّداً، لم يعدل عن الهدفيّة، فالكتابة عنده وسيلة وهدفها التربية والتعليم والتوعية والإرشاد، وهذه هي مسؤولية الأنبياء والصالحين على مدار الحياة. 
ويرى النقاد المعنيون، أن سماحة الامام الشيرازي، يربط بين الحاضر والمستقبل في كتاباته، بمعنى انه حينما يركز على عالمنا المتحرك آنيا، فهو يلقي الضوء الساطع على خفايا المستقبل. وقد كتب عن البيئـة وعن الاقتصاد والحقـوق والقانون وعلم النفس والإعلام والسياسة والمستقبل، وعن كـل ما له تأثير علـى حياة الإنسان، واستطاع بهـذه الكتابات القيّمـة أن يستوعب حضارة الإنسان. واعتمد في تأليفاته على أدب ملتزم ونزيه، ينظر إلى الأدب كوسيلة لتحقيق الغاية، وهي إيصال الفكرة بطريقة سهلة وقوية إلى المخاطب. لهـذا التزم بالأسلوب السهل المبسّط، ولم ينس فـي الوقت نفسه مستوى القارئ.. العالم وغير العالم، وهذه أهم قاعدة في البلاغة: أن يُحدّث الكاتب أو الخطيب الناس على قدر عقولهم وإدراكهم وفهمهم للأمور.
لذلك يقول أحد الكتاب: لهذا نجد أنفسنا أمام عبقريـة فذّة ونادرة تستطيع أن تتوغّل إلـى قلب البراعم الصغار لتوصل إليهم الحكمة والموعظة الحسنة في الوقت الذي تستطيع أن تصل إلى قلب مَن قضى نصف قرن من عمره في الدراسة الحوزوية. 
الامام الشيرازي واستشراف المستقبل
من المزايا الاساسية التي يتحلى بها فكر الامام الشيرازي، انطلاق الواقع الى المستقبل، بمعنى في الغالب تشكل حيثيات الواقع نقطة ارتكاز وانطلاق لمعرفة المستقبل، نظرا للأهمية التي تفرزها مثل هذه الاستقراءات، لذا نقرأ في هذا الصدد أفكارا قمة في الدقة والوضوح لسماحة الامام الشيرازي حينما يقول:
(معرفة المستقبل أمر واجب في الجملة، والتخطيط له واجب آخر؛ لأنهما مقدمة الواجب، وهي وإن لم تكن كذلك شرعاً إلا أنها لازمة عقلاًـ وبهما يتم تحقيق أغراض المولى جل وعلا الملزمة، وهذه تعد أول خطوة في هذا الاتجاه. لذا لابد من معرفة المستقبل بكل أبعاده وأجزائه وجزئياته، فبدون المعرفة لا يستطيع الإنسان أن يحسن التخطيط للمستقبل، وبدون حسن التخطيط لا يملك الإنسان حلولاً له، وربّما أوجب المستقبل سقوطه). 
لذلك يؤكد سماحته في كتابه القيّم (فقه المستقبل): أن الفرد والانسانية عموما اذا تمكنت من التعاطي مع المستقبل بالصيغ والتصورات السليمة، وشرعت بالتعامل المنطقي مع اسرار المستقبل، فإن الاضرار التي قد يلحقها ذلك المستقبل ستكون قليلة جدا قياسا بعدم فهمها، بمعنى كلما كان الانسان أكثر معرفة بمستقبله، كلما تحجَّمت الاضرار والمصاعب التي قد تواجهه مستقبلا.
لهذا يؤكد سماحته في كتابه (فقه المستقبل) على أن: (إنسان الذي يتنبأ بأوضاعه الاقتصادية في المستقبل، إذا استطاع أن يستشف المستقبل ويقرأ آفاقه بصورة جيدة، فإنه سيأخذ الحيطة والحذر في ذلك، وإلاّ فإنّ كارثة مّا ستحلّ عليه، ويخسر كلّ شيء في صفقة الزمن المملوء بالاحتمالات).
وفي حال قد يحدث العكس، أي اذا تلكّأ الانسان فردا وجماعة، في معرفة بواطن المستقبل، فإن الاضرار ربما تكون فادحة، وقد تتعلق بمصير الانسانية جمعاء، لذا لامناص من الحاجة القصوى لمعرفة الانسان بما يحمله المستقبل من غوامض قد لا تخطر على بال، وفي حال معرفته اياها، سيتخذ الاحتياطات المطلوبة التي تحجّم تلك الاخطار وتحد من اضرارها.
لهذا ايضا يركّز الامام الشيرازي على وجوب التنبؤ بالمستقبل وخفاياه، قائلا: (من لم يتنبأ بسقوط الأمطار بغزارة وقدوم البرد، ثم يقدم على السفر في الطرق الجبلية الوعرة، فإنّ السيل سيحاصره، وسيجرفه الماء، أو سيواجه أخطاراً أخرى عظيمة؛ لأنهُ لم يدرس المستقبل، فيدفع ثمن عدم معرفته وتقاعسه. أما من عرف أوقات سقوط الأمطار، فإنه سيتخذ الاحتياطات اللازمة للسفر).
* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام
http://annabaa.org



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35083
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18