• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أصالة المرجعية في القرآن والموروث الروائي القسم الثاني .
                          • الكاتب : سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي .

أصالة المرجعية في القرآن والموروث الروائي القسم الثاني

 قدمنا في القسم الأول بعض الآيات التي تدلل على ما يحقق مفهوم المرجعية في الحلال والحرام كما يقوم به نفس المفهوم بالمعنى الاعم الشامل لهما ولمختلف المعارف الدينية ونضيف هنا لتلك الآيات آية أخرى : 

قوله تعالى (( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )) 
استدل الأعلام من الفقهاء والاصوليين بهذه الاية على وجوب التفقه في الدين وعلى وجوب اتباع وتقليد الفقيه في الدين وعلى وجوب أخذ الحيطة والحذر مما ينذر به ذلك الفقيه .
 
والمهم من هذه الامور مما يرتبط بمقالنا هذا هو موضوع التفقه وما هو عليه الفقيه ؟
فهل أن الموضوع والمعبر عنه بالدين هو أصول الدين وفروعه ؟ أم خصوص أصول الدين ؟ أم خصوص فروع الدين ؟ أقوال في المسألة . والروايات الواردة في تفسير الآية أيضاً مختلفة .
 
وعلى كل حال فعلى الرأي الثاني تكون الآية غير دالة على وجوب اتباع المتفقه في غير أصول الدين كما لو كان متفقها في الفروع فقط ، وعلى الرأي الثالث تكون دالة على وجوب اتباع المتفقه في فروع الدين من أمور الحلال والحرام . 
 
وأما على الرأي الأول فهي دالة على وجوب اتباع المتفقه في كلا الامرين الأصول والفروع .
ونحن لا نريد استفادة أي من الآراء الثلاثة من خلال الروايات لئلا يقال بأن هذا رجوع للموروث الروائي وإلى إسلام الحديث وهو الذي فررنا منه .
 
ولذا فلنقتصر على ما يستفاد من الآية نفسها لو خلينا والآية .
ومع وجود هذه الاحتمالات الثلاثة ولا مرجح لأحدها على الآخر تبقى الاحتمالات متساوية ؛ إلا أن الاحتمال الاعم وهو الجامع بين ارادة التفقه في الاصول والفروع مما قد يستظهر من تفسير مفهوم الدين وتوضيح هذا :
أن البعض التزم بأن تأصيل المرجعية بالمعنى القرآني لا يتم من خلال هذه الآية إلا بإرادة المرجعية الدينية ؛ والمرجعية الدينية هي المفسرة بالتفقه في الدين في هذه الآية ؛ فإذا رجعنا للغة وللاصطلاح علمنا أن المقصود بمفهوم الدين هو مجموع المعارف الدينية الشاملة للأصول والفروع .
 
قال هذا البعض بتصرف: فقصر المرجعية على التفقه في الفروع فقط لا تمثل تلك المرجعية الدينية بالمعنى القرآني فلا يجب اتباعها ؛ وهذا في مقابل المرجعية التي يجب اتباعها وهي المرجعية في الدين وهو بالمعنى القرآني التفقه في كليهما الاصول والفروع ..
 
أقول : يمكن أن يناقش هذا البعض بأمور :
 
الاول : 
إن غاية ما يريد إثباته من هذه الصياغة هو إثبات وجوب الاتباع للمتفقه بالمعنى الاعم والمنع من ذلك الوجوب للمتفقه بالمعنى الاخص ؛ وهذا لا يثبت بالاية ؛ أما اثبات وجوب الاتباع في الاول فهو ليس مما أخذ قيد الاجتماع فيه ليكون شرط وجوب الاتباع تفقهه فيهما بل غايته أنه المتفقه فيهما يجوز او يجب الأخذ منه من أي منهما فللمنذَر أن يتبعه في الأصول فقط أو ان يتبعه في الفروع فقط كما ان له ان يتبعه في كليهما ؛ وبعبارة أخرى : حتى لو دلت الآية على ان المتفقه يجب عليه ان يتفقه في كلتا الجهتين لكن هذا لا يدل على وجوب الاتباع في كلا الجهتين ؛ وان دل فهو لا يدل على وجوب الاتباع فيهما بقيد الاجتماع . 
 
وببيان أكثر سهولة نقول : ان الاية تقول يا ايها الفقيه انت قد أمرت بالتفقه في الاصول والفروع وأنت عليك أن تنذر الناس بما تفقهت فيه وأما أنه يجب على الناس أن يأخذوا عنك كل ذلك المتفقه فيه فلا يجب . بل يصح لهم الاخذ بالبعض دون البعض الاخر 
 
ثانياً : 
إن الرجوع في تشخيص المفاهيم للعرف فهو المرجع فيها ؛ والآية حينما ذكرت مفهوم الدين لم تفسره والتعرض له دون تفسير يعني أنه يرجع فيه للعرف ؛ وإذا رجعنا للعرف وجدنا أنهم كما يطلقون الدين على الأصول من المعارف والعقائد يطلقونه أيضاً على الاحكام الفرعية ؛ فقد يعبرون عن عقيدة ما بأنها دينك الذي ستسأل عنه يوم القيامة ؛ وتراهم يعبرون عن الصلاة والصيام وغيرهما من فروع الدين بنفس التعبير تماماً ؛ وهذان التعبيران منهما يصدران منفصلين مستقلبن وليسا بقيد الاجتماع ؛ نعم قد يصدر هذا الامر من العرف الخاص كالمتخصصين في الشريعة لكنهم ليسوا هم المرجع في تشخيص المفاهيم في المرتبة الاولى .
 
إذا اتضحت هذه النقطة فمن البين الواضح حينئذٍ أن التأصيل للمرجعية الدينية بالمعنى القرآني لا يختلف شيئاً عنه في الموروث الروائي ولا أقل من مساواته له ؛ فإنه في الموروث الروائي كذلك في الكثير من الروايات ؛ فدعوى اختصاص هذا المفهوم للمرجعية في الموروث الروائي بخصوص الحلال والحرام ؛ دعوى مبتنية على تفسير مفهوم الدين بما لا براه العرف منحصرا فيه ؛ وليكن رأياً شخصياً لكنه خلاف نظر العرف العام الذي هو المرجع في تشخيص المفاهيم ، وخلاف المنهجية العلمية في تحليل مدلول الآية القرآنية . 
 
وعلى هذا فتخطئة الجل إن لم يكن الكل من الفقهاء في فهمهم لمفهوم المرجعية بأنها المرجعية في فقه الحلال والحرام بلحاظ أنه ليس هو المفهوم القرآني وبالتالي ليس هو من إسلام القرآن ليس صحيحا
ً
ثالثاً :
إن غاية ما تدل عليه الاية في قوله (ليتفقهوا في الدين) مع الالتزام بأن اللام للأمر هو ظهورها في الأمر بالتفقه في الدين ؛ والتفقه في الدين فالدين ظرف للتفقه فعلى ما قدمنا في الامر الثاني يكون من تفقه في الاصول يعد فقيهاً ومن تفقه في الفروع يعد فقيهاً ؛ وحينذٍ فقول هذا البعض بأن من كان متخصصاً في الحلال والحرام فقط فهذا ليس بمجتهد ولا يؤخذ منه كلام لا يمكن المساعدة عليه والالتزام به ؛ فهو بسبب إقصاء ذلك المفهوم العرفي للدين قد قام بإقصاء أغلب المجتهدين الذين تسالم علماء المذهب بل علماء الاسلام على اجتهادهم وتسالم الاخذ عنهم في أمور الحلال والحرام 
 
ودعوى عدم الدليل على هذا التسالم لا معنى لها ؛ لأننا قلنا إن هذا التسالم إنما نشأ من نفس التواطؤ على ارادة العرف لهذا المعنى من الدين ؛ فترجع هذه الدعوى إلى التشكيك في تشخيص العرف لمفهوم الدين وهو ممنوع مع تحقق هذا التسالم نفسه .
 
هذا كله بغض النظر عن الروابات الواردة في تفسير الاية التزاما بما يراه هذا البعض من الوقوف على معنى الاية من القرآن دون الرجوع لإسلام الحديث . 
وهناك إشكالات أخرى تتضح للمتأمل أكثر أعرضنا عنها خوف الإطالة .
 
سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35368
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 10