• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في كتاب محمد النويهي ناقداً .
                          • الكاتب : محمود كريم الموسوي .

قراءة في كتاب محمد النويهي ناقداً

قبل أكثر مِن ثلاثة عقود، وتحديدا في 13 شباط 1980 م، رحل المفكر والناقد محمد محمد النويهي من قريته ميت حبيش البحرية الواقعة في طنطا بجمهورية مصر العربية، في غير رجعة بعد أن انتقلت روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى لمرض الم به فأبعده عن الساحة الأدبية قبل أن يأتي على وجوده تماما. ولم يحظ النويهي باهتمام الأقلام الأدبية والفكرية في تنوير المواطن العربي بدراسات وبحوث في اسلوبه النقدي والفكري كما حظي معاصريه باهتمامات واسعة، وهذا لا يعني عدم الكتابة فقد ظهرت كتابات جادة ورصينة منها لعميد الأدب العربي طه حسين وأستاذ النويهي، ومحمد خلف الله احمد، والأديب ذو النون أيوب، وآخرين، ولكن جمعها لا يتناسب وما للنويهي من مكانة أدبية نقدية وقامة فكرية مميزة، وربما الجرأة في الرأي والصراحة الانفعالية سببا ابتعاد بعض الأدباء والنقاد من تناول مؤلفاته بالبحث والدراسة. وقد فعلت خيرا هيأة تحرير جريدة (الصباح الجديد) عندما خصصت صفحة من عدد الجريدة ذي الرقم (2617) الصادر في 11 تموز 2013م لموضوع الكاتب محمود مراد الذي جاء بعنوان (محمد النويهي وثورة الفكر الديني)، مستعرضا دور النويهي في تنوير الفكر الديني، مستندا إلى كتابه (نحو ثورة في الفكر الديني) الذي هو عبارة عن مقالات كان قد نشرها في مجلة الآداب البيروتية خلال عام1970م. ولأن النويهي قد تميز باسلوبه الخاص في النقد الأدنى، كان لابد من تسليط الضوء على ذلك الاسلوب لتعم الفائدة، بعد أن انقطع من التواصل فأحدث فراغا في الساحة النقدية، فنزل الأستاذ الدكتور طالب خليف جاسم السلطاني إلى الساحة الثقافية بمؤلفه (محمد النويهي ناقدا) لينصف الرجل أولا ويسد فراغا في المكتبة العربية ثانيا. 
بين استلامي نسخة من الطبعة الأولى من الأستاذ المؤلف هدية، واستلامي نسخة من الطبعة الثانية من دار النشر (دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة) هدية أيضا مدة لا تتجاوز الشهرين، فعكفت على تدقيق فروقات الطبعتين سيما وان الأولى (328) صفحة، والثانية (425) صفحة، ولما لم أجد فرقا عدا التنضيد، أيقنت أن الساحة الثقافية بحاجة إلى حضور الكتاب بطبعة ثانية لنفاد الأولى. يقول الدكتور السلطاني في مقدمته للكتاب عن مكانة النويهي: (الدكتور محمد محمد النويهي علم كبير من أعلام النقد والأدب في العصر الحديث، وقد كان يمثل الجيل اللاحق بالجيل المؤسس الذي يتمثل بالدكتور طه حسين والعقاد وغيرهما)، وفي تكوينه لمادة بحثه يقول: (اعتمدت في جمع المادة على آثار النويهي وكتبه فضلا عن كتب النقد القديمة والحديثة) ص3. وزع السلطاني مادة بحثه في فصول ثلاثة سبقها بتمهيد عن حياة النويهي وثقافته تضمن توضيحا لكل مؤلف من مؤلفاته البالغة (12) مؤلفا بدءا بالمؤلف (ثقافة الناقد الأدبي) وانتهاءً بالمؤلف (نحو ثورة في الفكر الديني). جاء الفصل الأول بعنوان: (الشعر الذي تناوله النويهي بالبحث)، فأخذ أولا: الشعر الجاهلي و بدأ القول: (لقد ورث النويهي عن أساتذته الرواد أمثال الدكتور طه حسين مرونة الحساسية النقدية والإيمان بمبدأ التجديد الأدبي.. الذي تمثل في مناصرته لحركة الشعر الحر) ص43، ويذكر إن الدكتور طه حسين أعجب بأول بحث قدمه النويهي عام 1938 عن قصبة الصيد في الشعر الجاهلي عندما كان أستاذا له، ثم بحث في ميمية علقمة، وبعده في سينية البحتري فيقول الدكتور السلطاني: (كان رأي د.النويهي إن كل دراسة للشعر العربي في كل عصر من عصوره يجب أن تبنى على علم دقيق وثيق بطبيعة الشعر العربي في العصر القديم ــ العصر الجاهلي) ص46، وأطنب توضيحا على مساحة (20) صفحة في منهج النويهي لدراسة الشعر الجاهلي ونقده فيقول: (لقد تناولنا العصر الجاهلي بالحديث عن الشعراء الذين درسهم ناقدنا النويهي حيث قام بتحليل تسع قصائد ست منها من المفضليات واثنتين من ديوان زهير وأخرى من المعلقات العشر) ص63. ثم يأخذ الشعر العباسي بعد مقدمة بسيطة عن الشعر بداية الدعوة الإسلامية، والشعر الأموي فيقول: (لقد تناول النويهي العصر العباسي في منهجه النقدي بالبحث والدراسة والتحليل وابتدأ بذلك بتحليل شخصية الشاعر العباسي "ابن الرومي") ص65، ونشر بإسهاب موقف النويهي من ابن الرومي وردوده على العقاد فيما اختلف فيه من رأي، ثم يذهب إلى الشاعر بشار بن برد فيقول: (أفرد له كتابا سماه "شخصية بشار") ص71 حلل فيه شخصية الشاعر موضحا الجوانب المضيئة في حياته والمظلمة منها. يقول السلطاني في نقد النويهي: (جعل الكثير من النقاد أن يتهمونه بالمبالغة والإسراف اثر صدور كتابه "نفسية أبي نواس" ومنهم د.طه حسين) ص75. وينتقل إلى الشعر الحديث فيقول في النويهي: (انه يرى إن الشعر الجديد لا يدخل على اللغة العربية شيئا من الاعتراض أو شيئا ينافي طبيعتها) ص 83 ، فوضع كتابه (قضية الشعر الجديد) وصدرت طبعته الأولى عام 1964 ويذكر الأستاذ السلطاني تعرض الكتاب إلى النقد من قبل كثير من الأدباء، وسرد المعارك الأدبية التي حدثت بشأن مواقف النويهي النقدية من الشعر الجديد، لينتقل إلى الفصل الثاني الذي وضعه بعنوان (المناهج التي اعتمدها الدكتور النويهي) وحددها بأربعة مناهج هي: (المنهج النفسي، المنهج الاجتماعي، المنهج الفني، المنهج العلمي) ص 101، ففي المنهج النفسي يقول السلطاني: (خير ما يمثل منهج النويهي النفسي دراسته لنفسية أبي نواس) ص111 وفرش تحليلاته ومواقف النقاد على مساحة (34) صفحة ليخلص إلى القول: (سلك الدكتور النويهي في كتابه "نفسية أبي نواس" منهج التحليل النفسي مطمئنا إلى أن شخصية هذا الشاعر لا يمكن أن تفهم إلا من خلال المنهج النفسي مرجحا إن خصائص النفس ومظاهر السلوك المستنبطة من أشعار الشاعر وأخباره هي كما سجلها النويهي) ص 145. وإذ انتقل إلى دراسة (المنهج الاجتماعي) يقول: (خير مثال في نظري شخصية الشاعر "بشار بن برد" التي تمثل اتجاهه الاجتماعي خير تمثيل، إضافة إلى مؤلفاته الأخرى) ص 147. وتوسع في إيضاح العوامل الاجتماعية المنتجة للشخصية في دراسة النويهي لشخصية الشاعر قائلا: (لقد جعل النويهي من بشار أنموذجا لمنهجه الاجتماعي ) ص 163، وبعد أن يعقد مقارنة مع منهج الدكتور طه حسين ويأتي بآراء النقاد في منهج النويهي ينتقل إلى عرض منهج النويهي الفني فيقول: (إن النويهي صاحب "منهج فني" عرف به إذ يعد من بين احد أقطاب ثلاثة للنقد الأدبي وهم مصطفى السحرتي ود.محمد مندور) ص198، واستعرض ما جاء بكتاب النويهي في الشعر الجاهلي بعد أن المح لمقالات حديث الأربعاء للدكتور طه حسين والتذوق الفني للشعر العربي فيها، وبعد أن عرض تحليلات النويهي لقصائد من الشعر الجاهلي نتج عنده ما يقول فيه: (لقد اعتمد النويهي في تحليله لقصائد الشعر الجاهلي على التشديد على الحكم الخلقي والحكم الفني وميز بينهما) ص228، ثم ختم بآراء مجموعة من الأدباء النقاد منهم د.عزالدين إسماعيل، وادونيس، ود.عبد الجبار المطلبي، وآخرون. 
اما المنهج العلمي وهو خاتمة الفصل فيقول فيه: (لقد تناول د.النويهي منهجه العلمي في دراسة الأدب بشكل واضح في كل مؤلفاته) ص 235، ويعود إلى كتاب (ثقافة الناقد الأدبي) مؤكدا استخدام المنهج العلمي في تحليل شخصية ابن الرومي، وعقد مقارنة بين العقاد والنويهي في تناول شخصية ابن الرومي، ثم ينهي بحثه في هذا المنهج قائلا: (أود أن اختم بحثي بالقول إن المنهج العلمي للنويهي قد طبقه على ابن الرومي في كتابه "ثقافة الناقد الأدبي") ص 254. أما الفصل الثالث (الأخير) فقد صنعه بعنوان (المنحى التطبيقي) وأورد فيه أربع فقر: الأولى: الإيقاع، والثانية: اللغة والرمز، والثالثة: الصورة الشعرية، والرابعة: البناء. 
ففي الإيقاع نجد أن النويهي اظهر (تضافر الوزن مع الوسائل الإيقاعية الأخرى لإعطاء النصوص الشعرية الهوية الشعرية الموسيقية الخاصة بكل نص شعري) ص 260، وأورد شواهد شعرية في البناء الشعري والإيقاع الموسيقي، وأوضح تحليلات النويهي فيها. وعن الشعر الحديث يقول السلطاني (في الشعر الحديث قد يظهر الجرس والإيقاع في طابع قصصي وتظهر الأفكار والأحاسيس صورا تحليلية للموقف) ص300، ويأخذ قصيدة (طفل) للشاعر صلاح عبد الصبور ويشير إلى إيقاعها الداخلي من خلال رمزية القصيدة. وفي اللغة والرمز يقول السلطاني: (إن لغة الشعر عند النويهي هي اللغة القادرة على نقل تجربة منشئها بصدق وتكثيف وإيحاء يتطلب من السامع أو المتلقي قدرا من الاستجابة الوجدانية والتأمل والحس اللغوي والوعي بجدلية العلاقة بين الحاضر والماضي) ص313، وأوضح بالأمثلة التي اعتمدها من شعر الشاعر صلاح عبد الصبور اتجاه النويهي في هذا المنحى حتى يقول: (القارئ إذا اطلع على مؤلفات النويهي فانه يخرج بنتيجة هي انه أعطى اللغة والرمز المكانة التي تستحقها من النقاش نظريا وتطبيقيا) ص 317، ثم عاد ليأخذ من الأمثلة ما يدعم رأيه ويؤكد صحة استنتاجه، واخذ قصيدة السياب (أحبيني) وحلل لغتها ورمزيتها ليقول بعدها: (القارئ عندما يركز اهتمامه على المقطوعات التي حللها ناقدنا يستطيع ملاحظة الأخيلة التي تطرق لها النويهي وأولاها الأهمية، لأن الخيال هو القوة الخالقة أو المبدعة كما يرى بعض الباحثين المعاصرين) ص325. 
وإذ انتقل إلى الصورة الشعرية فبدأ القول: (في البداية لابد من إعطاء فكرة عن الصورة في الأدب العربي والغربي، ليتضح للقارئ بعدئذ ماذا تعني الصورة عند ناقدنا د.النويهي من الناحية التطبيقية) ص 329، فأور آراء كثيرة لأدباء ونقاد ورؤياهم للصورة الشعرية منهم د.محمد زكي العشماوي، ود.إحسان عباس، ود.غنيمي هلال، ود.زكي مبارك وغيرهم، وبعد أن يعرض تحليلات شعرية للنويهي يقول: (مادام النويهي يفهم الصورة الشعرية بمقدار غناها المضموني، لذلك نرى إن جميع مؤلفاته لا تخلو من هذه الصور الغنية بمحتواها ومضمونها) ص 344. اما في البناء فيقول: (إن وحدة القصيدة أو ما يسمى بالبناء، هو المنحى الذي أولاه النويهي اهتماما خاصا بعد اهتمامه بالإيقاع واللغة والصورة من الناحية التطبيقية) ص 357، ثم نجده يقول: (إن بناء القصيدة أو وحدة النص دفعت النويهي للعناية بما يكمن خلف الشعر من انفعالات وأصالة الأديب في تمثيل هذا الانفعال وتجسيده إلى البحث عن الوحدة التي تطوي القصيدة بين جنباتها التي بغيرها تغدو القصيدة مشتتة ومبعثرة الأجزاء) ص360 واستعرض للنويهي اهتمامه ببناء القصيدة بأمثلة كان لصلاح عبد الصبور الحضور الأوفر فيها. 
وفي الخاتمة يرى السلطاني إن النويهي (ذا ثقافة موسوعية فهو يمتاز بالحس الذي يبحث عن مكان الإبداع وبالشك العلمي الذي لا يصدق بالظواهر، فكان ناقدا وباحثا عن أسرار الأدب أينما وجدت في الأدب القديم والحديث عربيا كان أم أجنبيا) ص376، مشيرا إلى تأثره بأستاذه د.طه حسين ومشروعه التنويري، وينتهي إلى القول: (إن تجربة النويهي تبقى دليلا على المتابعة والمواكبة للانجازات الجديدة والاطلاع أو الانفتاح على الغرب) ص384. تبقى مؤلفات الدكتور محمد محمد النويهي بحاجة إلى المزيد من الدراسات والبحث لما لها من أهمية في مسار النقد الأدبي العربي.

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد احمد شهاب ، في 2016/10/14 .

اسعد الله اوقاتكم
هناك دراسة قبل دراسة الدكتور السلطاني في جامعة القاهرة كلية دار العلوم سنة 1992 وبإشراف الدكتور شفيع السيد بعنوان (( محمد النويهي ناقداً )) .
والآن انا اشرف على رسالة ماجستير بعنوان (( جهود الدكتور محمد النويهي في دراسة الأدب الجاهلي كتاب الشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه انموذجا)) بجامعة سامراء .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35523
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28