• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نقطة في الأفق .
                          • الكاتب : د . جواد المنتفجي .

نقطة في الأفق

              نبحث عن السراب، وعندما نجده لم نعد نريده 
                                                     
                                          (  1 )
من المهم أن يكون لديه شيء ما يشغل باله عند كل  صباح لينسى تهيئات كوابيس كانت تراوده باحلامه وخصوصا في لياليه الاخيرة ، فبعض من رؤى البارحة مثلا اصبحت ترتسم امامه الآن على واجهات البيوت التي امست بنظره عبارة عن مكعبات اسمنتية صغيرة متناثرة هنا وهناك ، إما بنايات الدوائر المتواجدة بين أطراف محلته فلم تعد غير هيئة اهرامات متباعدة فيما بينها وكانها في هول صحراء كبيرة متناهية الأطراف احرق لفيح حرارة الرمل فيها كل شيء.
بعد كل تلك الاحداث ألتي مرت صورها بمخيلته منذ خروجه من البيت ، وريثما جلس على مكتبه في دائرته ، كان يدرك جيدا أن بعض من تلك الرؤى بدأت تنضج بفكره حينما لاح له بضع من سرابها  يزحف نحوه لتكون على منأى جدا منه بحيث انه لم يعد يتحكم حتى باجفانه التي غدت بين ثانية واخر راخية لتنسدل بهدوء على بؤبؤتي عينيه خصوصا عندما صحى من غفوته تلك ليدرك أن كل ما رآه كان عبارة عن تهيئات لاشباح لا غير تكررت مرار قبل تناوله للقدح الشاي الذي اعتاد أن يفطر به كل صباح. 
حاول أن يرش ما تذكره على الحيطان التي ظلت مسودة منذ  ان وضعت الحرب اوزارها بعد أن شوهت الحرائق نصفها ، كان كل شيء قد بدا ينمو أمام عينيه ليصبح حقيقة واقعية يتعايش بها رغما عنه ، وخصوصا عندما شاهد في زحام أحد الطوابير شخصا ما بدا وكانه يعرفه منذ زمن بعيد ، إذ لعبة الصدفة او الحظ بان يجده ملتصقا بشباك مكتبه ، وعمل على أن يحفز كل جهوده وإمكانياته مع الموظفين في دائرته من اجل انجاز معاملته بسرعة ردا لوفاء الصداقة والمعروف اللذين عاشا تحت خيمتهما لايام طويلة على مقاعد الدراسة في سالف عهدهما يوما ما ، بعدها حدته الرغبة لدعوته في اليوم التالي لوجبة غداء في المطعم المجاور لدائرته تكريما لليوم الذي جمعهما سوية ثانية ، وفي نهاية سردالضيف لاخر مطاف من ذكرياتهما .. وقتئذ توقف الأول مذعورا عن تناول طعامه وقال قاطعا حديث الثاني :  
-هل يتراءى لك شيء هناك ؟ 
رد الضيف  بسخرية :
- كلا  ! يبدو أنك قد أسرفت بالطعام ، وهذا ما أثر على نظرك . 
قال الأول وبعض من الخوف الشديد يتملكه:
- كلا أنها لحقيقة ، أنظر هناك فوق الأفق . 
- وماذا يلوح لك ؟ 
رد الأول بقلق : 
- ظل عارم .. سراب يقبض على أنفاسي ! 
- ومتى شعرت به ؟ 
قال وهو ينادي النادل ليدفع الحساب، وكان يتأهب لمغادرة المطعم: 
- في أخر يوما غبت فيه عني.. هيا لنفترق . 
رد الثاني مستفسرا بتعجب :
- هل جننت ؟ كيف تودعني ولم  يتسنىّ لي معرفة أخر أخبارك بعد ؟ 
- أنا وزوجتي بخير وسعادة ، ولا مجال لشرح تفاصيل اخرى ، هيا اذهب فالوقت أدركني .. وداعا !  
افترقا بسرعة، متفادين أحدهما الأخر، ولم يكمل الأول وجهته ؟
 ( 2 )       
بعد أربعين يوما ، وفي باحة الدار المكشوفة ، لف الثاني حول زحام ممن احاط بارملة الأول والتي بدأت على وقدة محياها امارات شيء من الحزن ، متخطيا بتحيته بعض الذين غادرهم ايام الدراسة ، وفجأة توقف نزيف جوارحها المتدفق لدى رؤيته ، وراحت تنهال في رأسها طرائف مشاحناتهما عليها متى ما كانت تجمعهم مواعيد الالفة في مكان ما عند أروقة الكلية التي كانوا يدرسون فيها سوية ، تقرب منها أكثر، وعلى مسافة كرسي بينهما ، جلس ليقدم عزاءه لها ، وأردف يهمس بأناة في أذنيها فيض كلماته العذبة بعد أن قالت له :
- أين كنت كل هذه الفترة ؟ 
- لقد كان لوقع خطوبتكما صدمة كبيرة عليّ مما دعاني ذلك إلى ترك الدراسة والرحيل إلى مدينتي للعمل هناك، وهذا ما ذكرته لك في أخر رسالة 
- لم يسعفني الوقت لقراءتها ، إذ شاءت الأقدار بان يعثر على هذه الرسالة ذات مرة  في أحضان كتاب استعرته منه قبل زواجنا . 
قال مندهشا : 
- وهل يا تراه قد علم بأمرنا ؟ 
- صارحته بذلك منذ البداية .. أخبرته بكل شيء وما كان يدور بيننا ، ولا تنسى أن ابتعادك عنا خدمنا كثيرا ، بعد أن أصر هو على حسم الأمر فيما بيننا ، ولزيادة معلوماتك أن خطوبتنا تلك لم  تدم ألا لأيام معدودة ، إذ تزوجنا على إثرها بسرعة تحت دهشة الأقارب والأهل ، وأنت قل لي كيف التقيت به ؟ 
- في اليوم التالي الذي فارق فيه الحياة بعد أن دعاني صدفة إلى وجبة غذاء 
- وهذا ما أثار بالفعل استغرابي .. على أية حال لقد كان يذكر دنو أجله مرارا كلما أتينا بسيرتك فيما بيننا .
- وكيف تنبأتما بذلك ، اقصد كيف علم  بموته ؟ 
-لا علم لي بذلك، فهناك شعورا كان يتملكه، بل ويبعث فيه الألم والخوف من كل شيء كلما تذكرناك ! 
- وماذا أخبرك عني أيضا ؟ 
- كان يؤكد على ذلك وفي مرات عديدة ، على أن أحدنا نحن الثلاثة سيلحق به بعد رحيله مباشرة . 
قال بتعجب : 
- كيف ؟ 
أشارت بإصبعها نحو الفضاء وهمست بأذنه : 
- هل تبصر شيئا هناك ؟ 
أجابها وهو يدور بعينه باحثا عما تظنه في السماء: 
- أين ؟ 
- هناك انظر جيدا فيما خلف الأفق ! 
-وماذا يتراءى لك أنت الأخرى ؟ 
- هواجس مخيفة.. شيء ما بدأ يقبض على أنفاسي ويبعث في الغثيان. 
ثم استرسلت متلعثمة وبدون أن تترك له مجالا آخر ليكمل حديثه: 
- هيا أرحل ..غادر هذا المكان حالا. 
 

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : جواد المنتفجي من : العراق ، بعنوان : شكرا في 2011/03/07 .

الفاضلة الدكتورة الشاعرة ماجدة غضبان :
لا زلت اتوسم بك صورة الملكة عشتار ..
هذا بالاضافة الى تلك الرائحة التي تحمل رائحة مضايف اهلنا في الجنوب ..شكرا لمرورك بصفحتنا ايتها الشاعرية السومرية الاصيلة .. شكرا لكل تلك الكلمات التي اضافة لاحداث قصتي رونق جديد.. تمنياتي لك بالعزة والتوفيق



• (2) - كتب : د.ماجدة غضبان المشلب من : العراق ، بعنوان : اهلا استاذي في 2011/03/06 .

عنصر الشد ابتدأ مع الكلمة الاولى ولم ينته حتى بعد اتمام قراءتها
اشعر انك تحرمنا من قراءة ادب مغاير ان لم تصب اهتمامك كله على كتابة الرواية
تقبل اعجابي الشديد بنص يثير الدهشة حقا



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3569
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29