• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الجزيرة وتقزيم العقل العربي. .
                          • الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني .

الجزيرة وتقزيم العقل العربي.

سعت قناة الجزيرة القطرية جاهدة ومنذ تأسيسها في منتصف تسعينيات القرن العشرين إلى إعادة العقل العربي بصناعة رديئة تناسب متطلبات السياسة القطرية التي تزعمها الأمير(حمد بن خليفة آل ثاني) الذي انقلب على أبيه (خليفة آل ثاني) ،وقد بدت السياسة القطرية عموما وكأنها متناقضة مع ما يعرف عن قطر من قرب للولايات المتحدة ،وأيضا ربيبتها إسرائيل ،ففي الوقت الذي تقربت قطر كثيرا إليهما أظهرت في إعلامها(الجزيرة) بأنها ضد حكم حسني مبارك في مصر وشنت عليه حملة شعواء وعلى حكمه الاستبدادي وقد ساءت العلاقة بين البلدين جراء إعلام الجزيرة والتي كانت بمثابة اليد الطولى والضاربة (لدولة قطر) حتى كانت دبلوماسية هذه (الدولة) تهدد الحكام العرب الآخرين بهذه القناة ذات الامكانيات العالية في إيصال الخبر إلى كل أرجاء المعمورة وقد أعدت وقدمت عدة برامج واستضافت العديد من الشخصيات المناهضة للحكم المصري حتى أنها تحولت إلى صوت للمعارض في مصر في أغلب الأحيان ،وعندما قامت التظاهرات فيما عرف بثورة يناير عام 2011كانت الجزيرة هي المعبر الرئيسي لوجهة نظر الثوار مما حدا بالسلطات المصرية بالتشويش على بث الجزيرة ،فهل فعلا كانت الجزيرة مع تطلعات الشعب المصري أم أن متطلبات الربيع العربي (أمريكيا) لابد من أن تأخذ مجالها في أكبر محطة عربية؟ إن الوقائع على الأرض دلت على أن الجزيرة لها خط سير واضح لا يلتقي أبداً مع أي من أهداف الشعوب عامة والشعب المصري على وجه الخصوص.أما في العلاقة مع إسرائيل فقد كانت السباقة إلى إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية معها والمعلن عنها فقط بعد مؤتمر مدريد الذي دعا إليه جورج بوش الأب بعد هزيمة صدام حسين في الكويت عام 1991وقد تكللت هذه العلاقة بزيارة شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي لقطر في عام 1996وهو نفس العام الذي شن فيه عمليته العسكرية ضد جنوب لبنان (عناقيد الغضب) وحدثت فيها مجزرة قانا،لكننا نجد في نفس الوقت عندما أمرت الأردن قادة (حركة حماس) بالخروج من أراضيها في 1999كانت قطر المأوى الأول لهم،وقد كان القرار الأردني مصحوبا بعدة حجج ومزاعم جميعها تتلاقى مع سياسة قطر لكن قطر وجزيرتها تلقفوا القادة الفلسطينيين بكل الرعاية والاهتمام ،فهل أن قطر مثلا ترعى هذه الحركة وقادتها دون أن يرف لها جفن جراء ما ستفعله أمريكا وإسرائيا مثلا ،أم أن الأمر يتعلق بأهداف أكبر مما تستوعبه قيادات حماس في ذلك الوقت (ويبدو أنها لم تستوعب لحد الآن أهداف ما يجري في المنطقة إذ تعاملت مع ما يجري في سوريا بأفق ضيق جداً وانحازت إلى المجاميع المسلحة ضد الحكومة السورية التي أمدتها بكل أسباب القوة لمواجهة إسرائيل بالتعاون والتنسيق مع إيران بطبيعة الحال ،ولكن على ما يبدو تأثير قطر وقناتها كان كبيرا جدا على هذه القيادات)،فالأمر كان موكلا لقطر إعادة انتاج الذهن العربي بصيغة لا يستوعب إلا ما تبثه الجزيرة ومن ورائها صناعها الحقيقيين.هذا وقد كانت هذه القناة للأردن كالسكين في خاصرتها حتى اضطرت لغلق مكاتبها على الرغم من أن الأردن وحسب الملك حسين واسحق رابين يقيمان علاقات ثنائية وشخصية بين القيادات لاسيما الملك منذ ما يقرب الأربعين عاما قبل توقيع اتفاقية وادي عربا في 26/10/1994 والذي أعلن فيه رسوخ وقدم العلاقة الأردنية – الإسرائيلية ولكن السهام (الجزيرية) لو صح التعبير كانت تتطاير كالشرر نحو الأردن في صورة معاكسة لما ينتهجه حكام (الدولتان) من سياسة في المنطقة لاسيما تنفيذ كل ما تأمر به الولايات المتحدة  الأمريكية .وقد استخدمت القناة الصورة وفي تطبيق للأهداف المتوخاة من إشعال الأحداث في سوريا  عام 2011 إذ أخذت تبث صوراً معدة إعداداً على مستوى عال من الحرفية على إنها تظاهرات حاشدة في المدن السورية في خطوات تصاعدية إلى أن وصلت الأمور إلى التصادم المسلح كما هو معروف من الأحداث الجارية في هذا البلد في حين كانت سوريا وبقيادة بشار الأسد نفسه دولة الممانعة بالنسبة لقطر وقناتها عندما كان إرسال الجماعات المسلحة ليفجروا أنفسهم في العراق (هنا لا نريد أن نغمط القوى الوطنية السورية الحقيقية التي حجم دورها لحساب القوى المسلحة).ولا بد لنا ما جرى في العراق قبل 2003ودور قطر التي سلبت من السعودية مكانتها لدى الأمريكان بإنشاء قاعدة العيديد والسيلية والتي لعبت دوراً هاما ومؤثراً في ضرب العراق وبالتالي غزوه عسكريا واحتلاله من قبل الجيش الأمريكي والبريطاني والاسترالي ،وما أن بدأت عملية تشكيل الحكومات العراقية بدأت (دولة قطر) وعبر جزيرتها بالإنقلاب على الحالة الجديدة التي ساهمت على إيجادها من خلال إسقاط صدام حسين وغزو العراق عبر قاعدتها الجوية  الكبرى وأخذت بتنفيذ عدة سياسات تجاه العراق ولكن بصورة مدروسة تبعد عن الأذهان أمرين :الأول هو جعل الصراع داخليا ،طائفيا ،باتهام الحكومة الجديدة بصفة الطائفية التي تريد إبعاد وتهميش مكوناً مهماً من مكونات الشعب العراقي ،وكذلك إبعاد الأثر الأمريكي والمساهمة القطرية والخليجية في تكوين الحدث العراقي بعد 2003.

الثاني :- لأجل تعميق الجرح العراقي طائفيا ومذهبيا عمدت الجزيرة إلى تكوين صورة احتلال آخر بدل الاحتلال الأمريكي للعراقي من خلال إعداد برامج وتقارير وكذلك ساهم برنامج الاتجاه المعاكس في تعميق هذا الجرح المتمثل في أن إيران هي التي تحتل العراق وليست الولايات المتحدة وأن البصرة سادت فيها اللغة الفارسية بدل العربية وأن أهلها يتداولون العملة الإيرانية بدل العراقية .وقد عمدت الجزيرة على الاعتماد على ضيوف(في الاتجاه المعاكس تحديداً) هم أقرب إلى المهرجين منهم إلى الصحفيين أو الكتاب والمفكرين ويتم اختيار هؤلاء بعناية فائقة من خلال الصوت المرتفع والكلام البذيء ومن الذين يعتاشون على منح القنوات ومالكيها .  

إن الجزيرة اعتمدت فيما اعتمدت على امكانية (الدولة ) الصاعدة التي رغبت في أن تلعب دور الكبار،معتمدة على الثروة الهائلة الناتجة عن تصدير كميات كبيرة من الغاز فاعتمدت على أهم الإعلاميين في الوطن العربي لتنفيذ السياسة التي تبغيها قطر ومن وراء قطر في خلق حالة من الالتباس في البداية لدى المتلقي العربي ومن تقزيم ذهنه وعقله وجعله حائرا بين ما يجري من أحداث حقيقية على الأرض وبين ما تنتهجه (القناة الدولة) ببث ونشر المتناقضات مع بعضها عندما يشاهدها هذا المتلقي الاعتيادي ،لكن المراقب الحصيف يجد أن الجزيرة دخلت على خط الفوضى العقلية الخلاقة والعبثية المقصودة الموجهة نحو العقل العربي تحديداً .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35915
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3