وعبود هذا رجل نيف على الخمسين , وترهل وتكرش فنصحه احدهم بممارسة الرياضة لتذويب الشحوم , وكنا آنذاك قد شكلنا فريقا لكرة القدم باعمار صغيرة لاتتجاوز الخامسة عشرة , فجاء عبود مع صديقه , وقد احضر ملابس رياضية صغيرة , ارتداها ونزل الى الساحة مع صديقه الذي جاء مؤانسا لعبود ويريد ان يرشق هو الاخر, بدأنا التمرين اليومي بالتمارين السويدية , ومن بعدها جرى التقسيم الى فريقين كان عبود من حصة الفريق الذي العب معه ، وصديقه بالفريق المناوئ ؛ كنت قريبا من عبود فناولته كرة سهلة لكنها مرتفعة , فما كان من عبود الا ان يرتفع الى الاعلى لضرب الكرة ضربة مزدوجة (الدبل) : وهي ان يصبح الرأس في الاسفل والارجل ترتفع الى الاعلى لضرب الكرة , ولكن الذي حدث ان عبود حين ارتفع قابلت رجلاه وجهه وسدد الكرة الى وجهه , فثارت الدماء وسقط على الارض ، تجمعنا حوله , وجاء صديقه مواسيا وهو يقول : (خويه عبود وينّه او وين الدبل ) .
وعبود لوكان قد انتظر لفترة من الزمن , ليذهب الترهل وتذاب الشحوم لربما نجح في تسديد الكرة بهذه الطريقة , ولكن عبود تسرع كثيرا فكانت النتيجة ان ارتدت الكرة الى وجهه , بدل ان تذهب الى الهدف , فاعطت نتائج عكسية جعلت عبود يترك التمرين والترشيق ليقبل بقسمته وينتظر الفرج .
كلنا يدري ان العراق مر بمرحلة تعتبر من اخطر المراحل بحيث القت بظلالها على كل ذرة فيه , صبغت شعبه بصبغة خاصة , وجعلت لديه عقدة لايمكن شفاؤها بيوم او يومين , عقدة الاضطهاد التي يشعر بها حيال جميع الحكومات حتى وان كانت منتخبة , تلك المرحلة الديكتاتورية التي ربما شكلت شخصية الفرد العراقي وجعلت عقله الباطن يعرف الحكومة : بانها مجموعة من اللصوص والمجرمين تأتي لقتل الناس ولسرقة ثروات البلاد , ليستمر على هذا المنوال.
ونحن مقبلون على التظاهرات الموعودة يجب ان نضع في حساباتنا ان هناك اطرافا متعددة تحاول جاهدة ان تضع قاعدة (تغيير التغيير) نصب اعينها ولتعمل على اساس نية حسنة امام الشباب العراقي ، وبالتالي تستطيع ان تعبّر من خلال اظهار النوايا الحسنة اجندتها القديمة , نحن جميعا متفقون على ان تظاهرة الخدمات وتحقيق انسانية الفرد العراقي مشروعة ، وهذه التظاهرات هي روح المنهج الديمقراطي ، خصوصا وان ارقاما قياسية عالية لطغاة واباطرة قد كسرها الشعب , لكننا والاصوات الحقيقية لانريد ان نعود الى الخلف ، ولسنا نحاول مقايضة تجربتنا الديمقراطية بتجربة ديكتاتورية تكون زمام الامور فيها بيد الجيش من جديد , والمعروف ان الجيش العراقي جيش فتي لم يكد يبلغ الحلم بعد ، هذه الاشكالية ستؤدي بالنتيجة الى عودة الفوضى وتفرعن الحركات المتطرفة من جديد من بعد ان قطعت الحكومات شوطا كبيرا من اجل القضاء عليها .
ان اغلب نداءات التظاهرة هي تنبعث من عقليات عراقية مثقفة تسعى الى ازاحة الحيف عن كاهل الشعب ، لكن الاصوات التي تتالت حين بدأ الامر بالنضوج هي اصوات معروفة ، عجزت عن الثأر من الشعب العراقي عن طريق المفخخات ، فلجات لاستغلال فضاء الحرية التي حاولت ان توفره الديمقراطية في العراق ، ان مصر وليبيا والبحرين لم تخرج شعوبها من عنق الزجاجة كما حدث للشعب العراقي ، فهو للتو قد تخلص من اعتى نظام ديكتاتوري في العالم ، ومطالب من جديد باخراج القوات الاميركية ، مع بناء بنيته التحتية التي تدمرت بالكامل ، ومع هذا فالتظاهر ضد الفساد واجب وطني ، والتظاهر ضد بعض الشخصيات التي اعتبرت ان المنصب يؤهلها للسرقة والعبث بمقدرات الشعب ، هو من صميم الوطنية ، لكننا نخرج وقد ملأنا الوجل ان تصادر التظاهرة لتوضع بايد غير نظيفة وبالتالي نكون مثل عبود الذي سدد الكرة الى وجهه . |