• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العشائر وقانونها. .
                          • الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني .

العشائر وقانونها.

للعشيرة في العراق دور وأثر كبيرين على الساحة السياسية والاجتماعية ،وتعد ضابطة من ضوابط المجتمع العراقي ،تبرز دائما عندما يضعف أو يضمحل أثر الضابطة القانونية بسبب الأحداث السياسية المتسمة بالعنف على مدى تاريخ العراق السياسي الحديث من تأسيس الكيان العراقي واعتبر كدولة في 1921لها دستورها وملكها وجيشها وبرلمانها ،وأيضا كان هذا الدور وهذا الأثر واضحين جداً أثناء الحكم التركي العثماني الذي سعى جاهداً لتشتيت العشيرة الواحدة إلى عدة ولاءات لشيوخ يمنحهم الحظوة  والتقدير ،ومع كل ذلك كانت لا تمنح الحكم العثماني الولاء الكامل وللعشائر في العراق عموما لاسيما في الفرات الأوسط والجنوب معارك طاحنة رفضا لحملات التجنيد التي يقوم بها الولاة القساة وجباية الضرائب إذ عدت بغداد والعراق عموما مصدرا للأموال للسلطنة في اسطنبول ،وقد كانت نظرة الدولة (التركعثمانية) لو صحت التسمية مزدوجة،فمرة تنظر إليهم كأعداء متربصين بالسلطة ومرة تنظر إليهم كخزين للرجال والأموال وفي كلا الحالين استخدمت معهم القسوة الشديدة والمفرطة ولم يختلف الأمر بين وال وآخر بما فيهم الوالي الذي أُطلق عليه (الإصلاحي) مدحت باشا الذي قاد الفيلق السادس المعروف بمعاركه ضد العشائر العراقية بمعارك شرسة وهجمات شديدة .ولم يكن الحال ليختلف مع الإنكليز الذين وجدوا العشائر بمواجهتهم في الشعيبة ووجدوا أيضا في العشائر خطورة أكبر تمثلت في اندكاكها وامتثالها لأوامر قوة بيدها ميزان القوى مهما ضربت ومهما تلقت من حصار وتشتيت وتسفير وقتل واعتقال واغتيال وأعني بها المرجعية الدينية ،وهناك قوة معنوية تتسم بها العشائر العراقية وهي امتدادتها إذ أن العشيرة أو القبيلة تجد فيها من يعتقد بالمذهب السني أو الشيعي ولم يجد المراقب أو المطلع أي غرابة أو استثناء في ذلك فلربما تجد الشيخ أو الأمير شيعيا وأتباعه سنة والعكس صحيح،ولذلك سعت بريطانيا جاهدة طيلة عهدها الملكي والجمهوري في العراق ما قبل 2003باستثناء مدة حكم عبد الكريم قاسم 1958- 1963وبشتى الطرق لاستمالة رؤساء العشائر المؤثرة بدءا من استيزارهم وترشيحهم للبرلمان ومنحهم المكانة السامية وانتهاء باصدار قوانين تزيد من ملكيتهم في الأرض والأموال وللإحكام السيطرة على العشائر أصدرت السلطة البريطانية قانون العشائر حين دخولها وبسط سيطرتها على كامل أرض العراق وقد ألغاه عبد الكريم قاسم بعد 14/تموز/1958،ولم يقتصر الأمر على الواقعة في الشعيبة التي كان للعشائر الكردية دورا بارزا فيها بل كان لعشائر الجنوب بدءا من عشائر بني لام بزعامة غضبان البنية وإمارتي ربيعة ،وزبيد بفرعيها السني (مثلته عشيرة الجحيش)،والشيعي القدح المعلى في مقاومة الزحف البريطاني الأول على بغداد والمساهمة في تقهقره ومحاصرة القوات البريطانية في الكوت بقيادة الجنرال طاوزند حتى عمد العثمانيون إلى تشكيل فيلق للعشائر بقيادة الجنرال الداغستاني لغرض المقاومة وصد أي هجوم بريطاني ،وبذلك تقرب الإنكليز وكما ذكرنا أعلاه من الرؤساء في العشائر وتنبه الملك فيصل الأول لذلك وتنبه الساسة الأقل من فيصل الأول لذلك أيضا وسعوا جاهدين للتقرب إلى العشائر ،ولم تكن العشائر العراقية غائبة عن الحدث السياسي بالمطلق سواء عند حدوثه أو بعده ،ولم يحدث أن تجاهل حاكم أبداً خطورة العشائر عليه وذلك عائد إلى أغلب الشعب العراقي ينتمون إلى عشيرة أو قبيلة من القبائل ولذلك سعى المقيمون من أصول غير عربية مثل الهندية والباكستانية وغيرها من الأصول إلى الانتماء إلى عشائر عربية لحمايتهم (وقد احتضنتهم فعلا وعدتهم من أبنائها ولم يقتصر الحال على هؤلاء فقد انضم العديد من الكرد الفيليين أثناء حملات التسفير إلى القبائل العربية) بعد أن وجدوا إن ضابطة العشائر وبالضرورة وبالواقع المعاش أقوى من ضابطة القانون التي لم تتجذر في السلوك الفردي والجماعي في المجتمع العراقي وهذا ليس نتاجا عن قصور في الذهنية العراقية بل هو نتاج الهزات الكبرى المتسارعة والمتقاربة التي حدثت على أرض العراق ولكل هزة لها قوانينها وتعليماتها وضوابطها وما أن يبدو لقادة الهزة أن الأمور قد استقامت لها حتى تأتي قوة أخرى تزيحها من مكانها لتثبت آرائها وتعاليمها على الأرض ،والحقيقة على الرغم من الضربات التي تلقتها العشائر ودخول القوى الحاكمة على شؤونها ظلت تمثل إحدى أهم الماسكات للمجتمع العراقي وتنبه البعث وصدام حسين لذلك سعى للتقليل من مكانة العشائر ومكانة رؤوسائها من خلال عدة ممارسات اضطلع بها الحزب طيلة 35عاما من حكمه .وكما تنبه الإنكليز ومن نصبته دار الاعتماد لمكانة العشائر تنبه الأمريكان وأصحاب العملية السياسية الجديدة ،أحزابا ،وقيادات ،وزعماء ،وليس من المستغرب أن يلاحظ قسم للعشائر في هيكلية كل حزب وكل حركة ومكتب ولم يعد من المستغرب أن يعمد المرشحون ومن كل الطوائف سواء الدينية أم العلمانية ،يسارية كانت أم يمينية إلى الإسراع في التنافس على قصب السبق في إيجاد موطأ قدم في الانتخابات عند العشائر والريف وإعطاء الوعود الغير منطقية لأبنائها اعترافا منها لثقل الضابطة العشائرية التي يسعى اليوم بعض من السياسيين أو رؤوساء العشائر المتقربين من السلطة لتشريع قانون العشائر الذي نعتقد أنه سيخضعها للمزايدات السياسية لاسيما نحن نعيش وبعد مرور عقد من الزمن على التغيير الذي حصل عام 2003بمرحلة الصبيانية السياسية التي لا تفرق بين الصالح والطالح للمجتمع .إن صدور قانون أو تشريع سياسي تجاه العشائر سيفكك ضابطتها الاجتماعية،وربما يسأل سائل ألم ينظم السيد محمد الصدر عمل العشائر بسنينة صادرة عن مكتبه ؟ وللإجابة عن ذلك يجب أن نعرف أن السنينة تعني أحكاما تنظمها العشائر فيما بينها أو إحدى العشائر النافذة وتسمى باسمها وليست قانون صادر من جهة سياسية خاضعة لمتطلبات مصلحتها الضيقة .إن ما أراده السيد محمد الصدر حينها إشعار صدام حسين بقوة العشائر ،وإنها لا زالت متمسكة بأحد ركني قوتها ،المرجعية والحوزة وأنها تستطيع على الرغم من الضربات الموجعة التي وجهها للعشائر أن تلعب دورا كبيرا في مسار الأحداث .ولذلك أدعو إلى التريث في تشريع مثل هذا القانون على الأقل إلى حين نضوج الإداء السياسي برمته وخروجه من بوتقة الصبيانية . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36119
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18