• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بحث للمنبر الحسيني - ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي .

بحث للمنبر الحسيني - ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي

                 التاريخ يرتكز على مسميات زمانية ومكانية  ، ولا يمكن أن نذكر شخصية تاريخية سواء من الأنبياء أو الحكام أو الطغاة أو الثوار الذين دخلوا التاريخ ، ،دون أن نرتكز على أسماء أخرى  واسم المنطقة التي جرت فيها الحوادث  ثم دونها التاريخ ، واهتم بها الناس وتداولوها عبر الأجيال .. 
       كمثال على ذلك .. لو أردنا أن نذكر سيد الأنبياء محمد{ص}  لا بد أن نذكر الزمان الذي بعث فيه والمكان " مكة" والشخصيات التي ساندته والأخرى التي حاربته ، فتكتمل الصورة التاريخية عن النبي {ص} ... كذلك الأنبياء نوح وموسى وإبراهيم عليهم السلام ، لا بد أن نذكر مدنهم والشخصيات التي لعبت دورا في حياتهم ...                                            ولو قرأت تاريخ أمير المؤمنين {ع} سيكون اسم مكة والمدينة والكوفة مكانا لحركته وتاريخه  ، ولا بد أن ترتكز على تاريخ البعثة الإسلامية ، وتاريخ النبي محمد {ص} وأصحابه وما جرى من حوادث في المكان والزمان خاصة بالمدينة والكوفة وحروبه الثلاثة فترة خلافته ونتائجها وأسبابها  ... هذا كله سيبين لنا شخصية الإمام علي بن أبي طالب {ع} ....هكذا يجب أن نبحث في تاريخ الإسلام ،هذا هو التاريخ الصحيح .. هكذا يقرأ ..
        تاريخ البطل الثائر المختار بن أبي عبيده الثقفي ، مقرون بشخصيات وزمان لا يمكن الفصل بينهما ، مثلا لو أردت أن تستقرأ حركة الثورة التي قادها المختار ، لا بد أن تقرأ مقدماتها وكيف تبرعمت ، فيكون تاريخ ثورة المختار مرهون بحركة الإمام الحسين {ع} بالأساس ، أي لولا تلك الثورة لما ثار المختار، ثم إفرازات ثورة التوابين في الكوفة كان لها دورا كبيرا في نجاح ثورة المختار، وحركة عبد الله بن الزبير في المدينة  ومكة المكرمة ، هذه الحوادث أدت إلى بلورة ثورة المختار الثقفي ونجاحها ، ثم إجهاضها ...  فمن هو المختار بن ابي عبيده الثقفي الذي قتل قتلة الحسين{ع}  وشفى قلوب المؤمنين...
 من هو المختار؟ :......  
     المختار ينتمي إلى أسرة عريقة وعشيرة معروفة في التاريخ العربي برجالها ومواقفها ..والده: أبو عبيد بن مسعود بن عمرو يتصل نسبه بمُنَبّه بن بكر بن هوازن....وأمه: دَومَة بنت عمرو بن وهب بن معتب، وكانت من ربّات الفصاحة والبلاغة والرأي والعقل(أعلام النساء: ج1، ص421).... ولد المختار في السنة التي هاجر فيها النبي{ص} من مكة إلى المدينة(بحار الأنوار: ج45، ص350). فيكون عمره يوم ثورة الحسين {ع} في كربلاء 61 سنة ...
         مكانته الاجتماعية :. المكانة الاجتماعية لها نتائج قوية في بلورة الشخصية التاريخية ، فلا يمكن لسارق أن يقوم بعمل أنساني يغير وجه التاريخ نحو الإنسانية .. ولا يمكن لمنحرف أن يقود ثورة أصلاحية واجتثاث الفساد والظلم ، فصفات القائد الشريف مرهون بتاريخ بيته ومكانته الاجتماعية ..انظر لشخصيتين في التاريخ رغم عدم صحة المقارنة بينهما .. علي ومعاوية .. وانظر لبيتيهما وما قدما للإنسانية .. انظر لبيت علي وفاطمة عليهما السلام وما قدم ذلك البيت من أفذاذ  للإنسانية .. وانظر لبيوت الطغاة الذين حكموا عبر التاريخ وما قدموا من ظلم وقتل ودماء ...  ومن هذه الشخصيات القيادية الشريفة في التاريخ والذين يحتفظون بتاريخ وبيت طاهر  هو المختار بن أبي عبيده الثقفي .. وصفه ابن عبد البر بقوله: (كان معدوداً من أهل الفضل والخير). وقال أيضا: ( كان المختار معدوداً في أهل الفضل والدين)( الاستيعاب القسم الرابع): ص1465).
          إضافة لذلك وهو أحد وجوه الشيعة في المجتمع الكوفي .. وقد أوصى الإمام الحسين {ع} مسلم بن عقيل {ع} أن ينزل في بيت المختار حين وصوله الكوفة ، وفعلا نزل عنده في بيته ، أي أصبح بيت المختار مقرا للثورة ضد السلطة الأموية .. على أثرها  تعرض للاعتقال مع أربعة عشر نفراً من وجهاء الكوفة وثوارها,  بسبب موالاتهم وتشيعهم لأهل البيت {ع} وكان ذلك أثناء تولي زياد بن أبيه الإمارة على الكوفة.. ويكفيه فخرا أن الحسين {ع} يوصي سفيره مسلم بن عقيل {ع} بالنزول في بيته ، دليل انه ثقة الحسين{ع}
  ما هي  علاقة المختار بأهل البيت عليهم السلام .؟؟
           حين وصل رسول الله{ص} المدينة ، وبدأ بتأسيس الدولة الإسلامية ، هاجر عدد من المسلمين من غير أهل مكة إلى المدينة من الطائف واليمن وثقيل ... كان من ضمن المهاجرين والد المختار ، أبو عبيده ،هذا الرجل كان مسلما ولكنه نقل بيته تماما إلى المدينة زمن عمر بن الخطاب ، يعني بعد وفاة النبي {ص} ما بين 4-6 سنوات فكان عمر المختار ما بين 12 – 14 سنة .. وحين بدأت معارك العراق توجهت جيوش المسلمين في معركة الجسر كان والد المختار ممن استشهدوا في تلك المعركة ... إضافة انه كان مواليا للإمام علي{ع} وكثيرا ما كان يحمل ولده المختار إلى بيت الإمام ، فتوطدت علاقة المختار  بالحسن والحسين عليهما السلام ، وزادت معرفته عن قرب بشخصية أمير المؤمنين {ع}..فهو قديم الصلة بأهل بيت رسول الله {ص}منذ نعومة أظافره، فتربى عندهم ونشأ بينهم.وأصبح منقطعاً إلى بني هاشم(الأعلام: ج8، ص70).
          كان أمير المؤمنين{ع} ينظر لهذا الغلام فيرى فيه سمات القيادة وقد ظهر ذلك عليه منذ صباه.. الفطنة والذكاء،اختيار مفردات كلامه ،، فكان يجلسه على فخذه ويمسح رأسه، ويقول له: «يا كَيس... يا كَيس»( معجم رجال الحديث: ج18، ص95).وكان أبو الحسن{ع} يرعى المختار وعائلته  ضمن اليتامى الذين يرعاهم ... لذا تعلق المختار ببيت رسول الله  {ص} وحين بلغ وقوي عوده ,استمر تردده على بني هاشم يأخذ عنهم الأدب والعلم، وحين نقل الإمام عاصمته إلى الكوفة انتقل معه المختار .. وشارك في معارك الإمام كلها . وبعد شهادة أمير المؤمنين{ع} وما آلت أليه الأوضاع من صلح الإمام الحسن {ع} عاد من الكوفة إلى المدينة، فكان يجالس محمد بن الحنفية، ويأخذ عنه الأحاديث(بحار الأنوار: ج45، ص352).وجاء في (مقتل الإمام الحسين –ع )للسيد عبد الرزاق المقرم قوله: (المختار بن أبي عبيدة الثقفي. انقطع إلى آل الرسول الأقدس فاستفاد منهم علماً جمّاً، وأخلاقاً فاضلة، وناصح لهم في السرّ والعلانية)( بحار الأنوار: ج45، ص352).
        اللقاء الذي غير مسيرة المختار:  هو  لقاء المختار مع ميثم التمار رضوان الله عليه ،بعد أن انقلب أنصار مسلم بن عقيل {ع} اختفى المختار في بعض بيوت الكوفة، انقلبت كفة الأمور لصالح عبيد الله بن زياد.... الحوادث كانت متشابكة جدا ... كان المختار خارج الكوفة ليلة إعلان مسلم بن عقيل بتطويق قصر الإمارة ... بعد فشل المحاولة وسيطرة بن زياد على الشارع وتفرق الناس عن مسلم ..
      دخل المختار بن أبي عبيد الكوفة يحمل راية خضراء(تاريخ الطبري: ج5، ص381)، وتحوط به مواليه(تاريخ الطبري: ج5، ص569)، حتى انتهى إلى باب الفيل من مسجد الكوفة، وهناك صدمته الحقيقة لأن خبر انقلاب الناس على مسلم بن عقيل لم يكن قد وصل إليه.....بقي على حيرة من أمره لا يعلم بمكان مسلم حتى ينصره ولا يقدر على الرجوع إلى أهله لأن جيش ابن زياد قد سد على الناس منافذ الدخول والخروج إلى الكوفة وأعلن حظراً للتجوال في عموم شوارع الكوفة وأزقتها .....في تلك اللحظات الصعبة، يمرّ به هاني بن أبي حيّة الوادعي فيعرض عليه أن ينزل على عمرو بن حريث فاستجاب مضطراً إلى الصباح(تاريخ الطبري: ج5، ص570).لان ابن زياد أعطى بعض شيوخ الكوفة صلاحية دخول الناس تحت بيعة يزيد من تحت رايتهم..فجاء المختار إلى عمر بن حريث ودخل تحت رايته ..
وفي اليوم الثاني أمر ابن زياد أن يدخل عليه الناس عامة،  فدخل المختار فيمن دخل، فتوجه إليه ابن زياد قائلاً له: (أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل، فقال له: لم أفعل ولكني أقبلت ونزلت تحت راية عمرو بن حريث، وبت معه وأصبحت، فقال له عمرو: صدق ــ أصلحك الله ــ فرفع عبيد الله القضيب، فاعترض وجه المختار فخبط به عينه فشترها وقال: أما والله لو لا شهادة عمرو لك لضربت عنقك، انطلقوا به إلى السجن)( تاريخ الطبري: ج5، ص570). فكان اختيار ابن زياد المختار للسجن دليل خوفه منه ...
وبعد أيام من اعتقال المختار يُعتقل ميثم التمار، ويودع السجن مع المختار، وبعد حديث طويل بينهما يبشره انه سيخرج من سجن ابن زياد بعد حين ، وانه سيقتل الحسين{ع} من هؤلاء .. وأنت تأخذ ثأره وثار شيعته من قتلته المجرمين ..هذا الكلام بعث في روح المختار أمل بالنجاة والخلاص من يد هؤلاء الأشرار، بل والشرف العظيم بأخذ ثأر سيد الشهداء وأصحابه الأخيار حيث يقول له ميثم نقلا عن الإمام أمير المؤمنين{ع} «إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين {ع} فتقتل هذا الذي يقتلنا...»، فتطمئن نفس المختار بهذا الكلام، لأنّه واثق من مصدره ومصدّق له، وبدأ يعدّ الساعات والدقائق، ويعدّ نفسه للقيام بالمهمة الكبرى.
         كانت الأيام تمرّ ً في سجن ابن زياد عليه اللعنة والأخبار لا تأتي إلا بما يسوء، وفجأة يقرع أسماع السجناء نبأ الفاجعة العظمى، فاجعة كربلاء وحرق خيام الحسين وسبي نساءه وقتل جميع أنصاره .. هذه المجزرة التي لا تمحى من الذاكرة ... الدماء الزكية على أرض كربلاء بعد ثلاثة أيام من العطش المهلك وفصلوا الرؤوس عن الأجساد، وتركوا أجسادهم مجرّدة، وأبدانهم مرملّة وخدودهم معفّرة... تصهرهم الشمس ثم جاءت مرحلة السبي نساء وأطفال ينقلوهم من بلد إلى بلد وهم حرائر بيت الوحي ..والبيت العلوي والأطفال على ظهور الجمال العجاف سبايا إلى أبناء الطلقاء. فلا استطيع أن اصف شعور السجناء الموالين حين وصلهم خبر تفاصيل قتل الحسين وأصحابه في كربلاء . فكانوا أول سجناء في الإسلام يتوسلون بالبكاء ليل نهار لمصيبة إمامهم وهم لا يستطيعون نصرته ..فكان كلما ورد خبر من هذه الأخبار إلى أسماع المختار ورفاقه السجناء تزداد جروحهم عمقاً، وتشتدّ فيهم سورة الغضب على هؤلاء الجناة، ويشتد فيهم الشعور بالتقصير تجاه آل رسول الله{ص} وميل الناس عن أهل البيت مثال الحق ، وسكوتهم على جرأة الباطل....
            ولم تطل الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله ، وإذا بالبريد يطلع بكتاب يزيد بن معاوية إلى ابن زياد يأمره بتخلية سبيل المختار ، وذلك أنّ أخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر ، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد ، فشفّع فأمضى يزيد شفاعته ، فكتب بتخلية سبيل المختار .غير إن ابن زياد اشترط على المختار مغادرة الكوفة وعدم البقاء فيها .. وأمهله يومين أو ثلاثة بعدها سيعيده إلى السجن .. 
        من هو عبد الله بن الزبير،  وكيف نجحت ثورته ..؟ ولد في المدينة بعد الهجرة بعشرين شهر .أمه أسماء بنت أبي بكر ,أبوه الزبير بن العوام ، هو من الذين رفضوا بيعة يزيد بن معاوية ، وحين رفض الإمام الحسين {ع} البيعة نصحه أن لا يذهب إلى الوالي ، ولكن الإمام رفض نصيحته ، والتقى مع والي يزيد ورفض بيعة يزيد علنا ثم هاجر إلى مكة بعد يومين.. فهاجر ابن الزبير إلى مكة من بعده مختفيا ، وصل أليها وصار يحضر مجالس الحسين{ع} هناك ، وسمع بتأييد أهل الكوفة للحسين{ع} وعرف جميع التطورات ، لان الحسين {ع} كان واضحا في ثورته .. فلما وصلت أخبار قتل الإمام في كربلاء بتلك البشاعة جرت ردة فعل في كافة المدن الإسلامية ، فاستطاع ابن الزبير أن يوظف ردة الفعل لصالحه ، وانه من الناقمين على حكم بني أمية ، بهذا الأسلوب استغل ردود الفعل عند المسلمين ضد الحكم الأموي, فسيطر على مكة أولا وعزل والي يزيد بحركة عسكرية مستغلا اسم الحسين{ع} وقد استمر حكم ابن الزبير على المناطق التي وقعت تحت نفوذه من سنة 61هـ إلى سنة 73هـ.  أي تمام 13 سنة ..
                     هناك شرارة أخرى انطلقت بعد معركة كربلاء غيرت ميزان القوى لصالح ابن الزبير ... المعروف ان الطغاة يوصون مواليهم في المدن إرسال شخصيات مهمة من المدينة المعنية لتجديد البيعة للأمير ثورة أهل المدينة وإخراج عامل يزيد:...
    لما ولي الوليد بن عبد الملك الحجاز صار يطلب عبد اللّه بن الزبير فلا يجده إلاّ محترزاً ممتنعاً ،فصادف أن  ثار نجدة بن عامر النخعي باليمامة حين قتل الحسين " وهي المنطقة ما بين الرياض إلى البحرين "، وثار ابن الزبير بالحجاز في مكة . فعزل يزيد الوليد ، وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان، هذا الوالي الأموي بعث إلى يزيد وفداً من أهل المدينة ، فيهم : عبد اللّه بن حنظله ، غسيل الملائكة وعبد اللّه ابن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي ، والمنذر بن الزبير ورجالاً كثيراً من أشراف أهل المدينة ، فقدموا على يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم ، وأعظم جوائزهم فأعطى عبد اللّه بن حنظله ،  مائة ألف درهم ، وكان معه ثمانية بنين ، فأعطى كل ولد عشرة آلاف.... فلمّا رجعوا للمدينة كلهم، إلاّ المنذر بن الزبير اخو عبد الله بن الزبير ،فإنّه قدم العراق على ابن زياد وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف دينار...أي أصبح من رجال الدولة الأموية ساعتها..
              فلمّا قدم أُولئك النفر الوفد إلى  المدينة قاموا في الناس فأظهروا شتم يزيد ولعنه وخلع بيعته عنهم وقالوا : قدمنا من رجل ليس له دين يشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، ويعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسمر عنده الحراب وهم اللصوص وإنّا نشهدكم إنّا قد خلعناه.
     ومما قاله عبد اللّه بن حنظله الغسيل : جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلاّ بنيّ هوَلاء لجاهدته بهم ، وقد أعطاني وأكرمني وما قبلت منه عطاءه إلاّ لأتقوى به عليه ... بعدها تصايح الناس تأييدا لهم  فخلعه الناس ، وبايعوا عبد اللّه بن حنظله الغسيل على خلع يزيد وولّوه عليهم .. فخرجت المدينة من ولاية الشام....
      هذا في عام 63هـ  بعد شهادة الحسين{ع} بسنتين  ، لما أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد عامل يزيد ، وحوصر بنو أُمية بعد بيعة عبد اللّه بن حنظله ، فاجتمع الأمويون ومواليهم ومن يرى رأيهم فكانوا بحدود ألف رجل فنزلوا دار مروان بن الحكم وكتبوا إلى يزيد يستغيثون به فبعث إلى عمرو بن سعيد بن العاص  فأقرأه الكتاب وأمره أن يسير إليهم فردّ وقال : لا أُحب أن أتولّى ذلك.... عندها بعث إلى احد القادة المعروفين بسفك الدماء .. فبعث إلى مسلم بن عقبة المري ، وهو الذي سمّي مسرفاً فاستجاب ، فنادى في الناس بالتجهز إلى الحجاز ، وأن عطاءهم مائة دينار ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً ، وخرج يزيد يحرضهم ، فأقبل مسلم إلى المدينة فدخل من ناحية الحرّة وضرب فسطاطه واقتتل الناس أهل المدينة وأهل الشام ..انتهى الأمر إلى غلبة قوات الشام بعدما قتل من الطرفين ألوف القتلى ، ولم يقتصر ابن عقبة المسرف بذلك ، فأباح المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال والأعراض وخصوصا البنات الباكرات... 
سبب المعركة وتداعياتها ...:
       يقول ابن الأثير الجزري : الكامل : 4/103.، فأرسل والي المدينة المنورة عددا من شخصيات المدينة المنورة إلى الشام ..فأغدق يزيد عليهم الهدايا والأموال ، ولكن هؤلاء أبناء المدينة لم يروا حاكما يشرب الخمر علنا في المدينة قبل ذلك  اليوم ، ولم يروا حاكما يجلس في القصور وبهذا البذخ وحوله رعاع الأمة وخصيانها ، في وقت كان هناك شخصيات في المدينة من آل البيت {ع} وبقية المهاجرين والأنصار .. فقرروا عزل المدينة وطرد والي يزيد..لأنهم علموا من يزيد انه ترك الصلاة  وشرب الخمر ولاعب الكلاب ،وعرفوا انه حاول شراء ذممهم وشرفهم بذلك المال ،فأحسن وفادتهم وأكرمهم بوافر المال.على أثرها كردة فعل من يزيد قام بشنّ حملة عسكرية على أهل المدينة الذين خلعوه ، سُميت بالحرة 63 هجري بلغ جيش الأمويين حوالي 12000 مقاتل بقيادة مسلم بن عقبة . وقتل من أهل المدينة 1000 رجل من الأنصار والمهاجرين ..
 جرت بعدها  الأمور التالية:
 1- استباحة المدينة:.. قال لقائد الحملة " فإن ظهرتَ عليهم فأبحها ثلاثاً، فما فيها من نساء مسلمات ومال أو سلاح وطعام فهو للجند فإن مضت الثلاث فأكفف عن الناس". يقول الإمام مالك : قتل يوم الحرة (700) رجل من حملة القرآن. وبذلك انتهت مدارس تعليم القران تماما في المدينة خوفا من التهم ضدهم بالتحريض..!!
2- انتهاك حرمة المدينة وهي مدينة مقدسة عند الله ورسوله والمسلمين فلا يحل فيها القتال.حيث لاذ الناس بقبر النبي {ص} وبهذا لا بد ان تكون حرمة خاصة للنبي منهم كجيش إسلامي .. ولكنهم لا يحترمون صاحب القبر فجرت مجزرة بجوار قبر رسول الله {ص} وصرخات النساء والأطفال والشيوخ حتى تلطخ الدم  بقبر النبي{ص} وانتهكت حرمات المسلمين  وتركت الجثث والجرحى في مسجد النبي {ص} .
3- آلت النوبة على الأعراض { وهذه النقطة صعبة جدا على أبناء العوائل والشرفاء أن يرى أخته وزوجته وابنته تغتصب أمامه  من قبل جيش يدعي انه أسلامي..!!} ومن نتائجها زواج نكاح الجهاد الآن.. 
لما كان ابن الزبير يحمل شعار رفض  مبايعة يزيد، شجعه كثير من الصحابة والزعماء وعامة الناس.وبايعوه بالإمارة والقيادة ضد بني أمية .. 
    التداعيات الأخرى ..:  انحطاط مكانة الحجاز الاقتصادية والاجتماعية وعوملت المدينة بسبب موقفها حصارا اقتصاديا واجتماعيا , وانفردت الشام بالخيرات لكونها مدينة الخليفة ، وقد صعب على أهل الحجاز زوال النعم عنهم ، وكان ذلك الوضع الاجتماعي والسياسي يسير إلى صالح ابن الزبير ..ثم جاءت حادثة موت يزيد لعنه الله بعد تلك المعركة ... ما الذي حدث حين مات يزيد بن معاوية ....
         وصل خبر موته إلى الكوفة بعد 15 يوم ، فتجمع الناس في الطرقات والأماكن العامة وارتفعت شعارات ضد الدولة الأموية ، فانطلق الشباب بانتفاضة عارمة نحو السجون وحطموا الأبواب واخرجوا السجناء ، ثم هجموا على قصر الإمارة , فنهبوا من غلا ثمنه وحرقوا القصر ، وسقطت الدولة الأموية في الكوفة خلال ساعات ، ... كان يزيد بن معاوية قد وعد ابن زياد انه إذا قتل الحسين بن علي {ع} يوليه المصرين البصرة والكوفة ، فكان يختار أيام الشتاء البصرة ، وفي الصيف الكوفة ، فهو يقسم السنة إلى نصفين ، وحين يكون في البصرة يجعل قائد الشرطة عمر بن حريث وكيلا له ، وحين يسكن الكوفة يجعل أخاه عثمان بن زياد على البصرة، فصادف أن مات يزيد في الشتاء ، فترك عمر بن حريث القصر وهرب مع حراسه .. فبقيت الكوفة فارغة من أي والي  لثلاثة أيام .. وجاء يوم الجمعة فالذي يصلي في الناس حتما سيكون واليا مؤقتا يرجع له الناس ويمكن أن يبقى فترة طويلة .. فاقترح الذين لهم هوى ان يكون عمر بن سعد  قاتل الحسين هو امام جمعة الكوفة .. وجاء يوم الجمعة ، فتظاهرت زوجات شهداء كربلاء ومعهن بعض النساء ممن يوالين اهل البيت {ع} وحصبن ابن سعد وجماعته ، وعلا صراخهن وتحرضهن  واطلقن شعار يا لثارات الحسين .. عندها  انسحب ابن سعد والذين معه ولم تقم صلاة جمعة ذلك اليوم ...هذا هو الذي أتاح الفرصة للزبيريين أن يقفزوا على سلطة الكوفة ، لا سلطة أموية ولا يوجد خط شيعي منظم  يستلم السلطة فجاء الزبيريون  واستلموها بالمجان.!!..
     وصل الخبر إلى البصرة حيث كان فيها ابن زياد ، فاعتكف في بيته ، هنا موت يزيد ومن هنا ثورة شعبية في الكوفة ولو علم أهل البصرة حتما سيتبعون الكوفة بثورتهم ، فأرسل على احد أصدقائه اسمه قرة بن قيس وهو ممن حضر كربلاء وكان واقفا جنب الحر بن يزيد حين عدل نحو الحسين{ع} فاخبره بحوادث الشام والكوفة وطلب منه أن يخرجه من البصرة لأنه لا يامن على حياته لو علموا بحوادث الكوفة .. فقال له لي قافلة تجارية ستخرج غدا إلى الشام ، ويمكن أن أجعلك في قربة كبيرة تعلق على ناقة القرب ، ولا اعتقد أن ينتبه احد لك يا أمير ، فوافق على الأمر وفعلا وقعت القافلة بيد مجموعة من أهل البصرة يقطعون الطريق .. فتشوا القافلة ولم يعثروا على ابن زياد .. هكذا وصل اللعين إلى الشام .. الطغاة نهايتهم أما في سراديب أو مجاري مياه ثقيلة أو في قربة تعلق على ناقة القرب .. هذه صورة من رجولتهم وجهادهم ..!!!
ثورة التوابين 
 
ثورة التوابين نشأت في تلك الأجواء ، حكومة ضعيفة أوضاع غير مستقرة ، موت يزيد وثورة شعبية ضد جور يزيد وظلم بني أمية قام بالثورة  الذين ندموا من أهل الكوفة على عدم نصرة الإمام الحسين (ع) لما استغاثهم واستنصرهم ..فأرادوا التوبة مما صدر منهم.... في البداية قاد الثورة سليمان ابن صرد الخزاعي أحد أشراف الكوفة ومن قادة المعارضة للاموين .. وبعد شهادته تابع قيادة تلك الثورة المختار بن عبيده الثقفي والتي استمرت ما يقارب 6 سنوات وانتهت بشهادة المختار رحمه الله ..
  كانت أهداف ثورة التوابين إسقاط الدولة الأموية في الشام ، قبل تصفية جيش ابن زياد بالكوفة ،فتركوا المشاركين في قتل الحسين {ع}خوفا من ردة فعل أقربائهم فتوجهوا نحو الشام .. ردة فعل الزبيريين أن تركوهم لان أهدافهم تصب لصالحهم لو سقطت الدولة الأموية ، وان قتلوا ارتاحوا منهم ، وفعلا حدثت المعركة التي قتل فيها سليمان بن صرد الخزاعي  وأصحابه .في منطقة تسمى عين الوردة ...
من هو سليمان بن صرد الخزاعي ...؟؟
       اسمه سليمان ويلقب أبو مطرف .. من أصحاب النبي{ص}  والإمامين علي والحسن(ع) عدّه الشيخ المفيد(قدس سره) من المجمعين على خلافة علي{ع} وإمامته بعد قتل عثمان.. اشترك مع الإمام في حربي الجمل وصفّين، وقتل في صفّين أحد أبرز فرسان جيش معاوية، وهو: حَوشب الألهاني.* كان من الذين راسلوا الإمام الحسين {ع} وكانت الاجتماعات تعقد في بيته ..وهو زعيم من طالبوا الحسين{ع}القدوم إلى الكوفة، حين  تسلّم يزيد دفّة الحكم.ولكنه سجن لما وصل ابن زياد الكوفة ، قبيل مجيء الحسين{ع} إلى كربلاء.... اختاره الثوار قائداً وزعيماً لثورة التوّابين في الكوفة وأُطلق على جماعته لقب «التوّابين»، وكان شعارهم «يا لثارات الحسين». قصة شهادته ..في معركة عين الوردة  ..جمع أبو مطرف سليمان أصحابه في النخيلة " الكفل الآن"  سنة 65ه  ـ وهم أربعة آلاف مقاتل ـ قاصداً الشام، فسلك بهم طريق كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين{ع} وتجديد العهد معه. وتوجه من هناك للانبار ومنها إلى الشام فوصل  إلى منطقة عين الوردة.التقى جيشه بجيش عبيد الله بن زياد، الذي كان  قاصدا العراق لإخماد الاضطرابات التي قام بها الشيعة ضدّ بني أُمية هناك، وكان جيشه يبلغ عشرين ألفاً، فالتقى مع ابن زياد الذي كان قاصدا العراق .. وحدث معه ما حدث لمسلم حين تفرق أصحابه ولم يبق معه إلا أربعة آلاف فارس .. ودارت معركة كبيرة،  ضرب فيها سليمان وأصحابه أروع أمثلة البطولة والصمود والتضحية ..واستشهد  في 25 جمادى1 65ه، على أثر سهم أصابه به يزيد بن الحصين بن نمير فقتله ..وتراجع الباقون من قواته إلى الكوفة . وهؤلاء نواة جيش المختار الثقفي .
أين كان المختار بعد خروجه من الكوفة :..؟؟؟؟؟ 
               المعروف ان ابن الزبير كان ممن رفض بيعة يزيد وغادر المدينة نحو مكة في وقت كان الحسين{ع} في مكة ، وكان الناس يسمعون الحسين {ع} ما دام موجودا ، فكان أثقل الناس على قلب ابن الزبير حتى قال فيه ابن عباس .. يا لك من قنبرة بمعمر .. خلا لك الجو فبيضي واصفري ... ونقري ما شئت ان تنقري .. قد رحل الصياد عنك فابشري ... الخ .. فكان الرجل يعمل بالسر لتأسيس جبهة معارضة للدولة الأموية ولما مات يزيد سنة 63 هـ  نجح  ابن الزبير أن ينتزع السلطة من الأمويين في معظم الأقطار الإسلامية، الحجاز، فلسطين، العراق، مصر، وحتى أجزاء كبيرة من سوريا. وأصبح قوة تحسب لها السلطات الأموية ألف حساب .. فلما خرج المختار من الكوفة ، توجه إلى بيت الله الحرام ، في موسم الحج وهناك التقى بابن الزبير قبل موت يزيد ، فجرى بينهم حوار مصالح طلب فيها ابن الزبير أن يؤمن له الكوفة  باعتباره معروفا بالتشيع ، واشترط  المختار أن يكون هو قائداَ عليها .. هذه النقطة  أرست عدم الاطمئنان بين الطرفين .. لذلك حين سقطت الكوفة وجاء من يؤيد ابن الزبير وأصبح واليا عليها بدون تعب ولا جهاد ... أرسل ابن الزبير رجل اسمه عبد الرحمن من أبناء طلحة  واليا  على الكوفة ... وهذه بداية الغدر بشيعة أهل البيت{ع} ...
        كان المختار عميقا في تفكيره بعيدا في نظراته إلى الأحداث ونتائجها يعرف ابن الزبير أكثر من أي إنسان أخر، والمخطط الذي وضعه فرض عليه أن يلتجئ إلى ابن الزبير يومذاك، لإضعاف الأمويين  وخلق  الاضطرابات والفوضى وخاصة العراق معقل التشيع، بالكوفة بالذات التي يمثل الشيعة غالبية سكانها لتجمع شملها  لينهض بمن فيها على الأمويين والزبيريين في صفعه واحدة ليحقق ما عاهد الله عليه من الأخذ بثار الحسين وأهل بيته وإعادة الحكم العلوي إلى العراق إذا تيسر له ذلك.
    وحين أعلن ابن الزبير نفسه حاكما في الحجاز تعهد المختار  بمساندته، والوقوف معه .. نجح ابن الزبير بعد جريمة الأمويين في المدينة ثم الهجوم على مكة واستخفافهم بالكعبة، حينما رأى إن الجماهير المسلمة قد أصبحت معبأة لصالحه وافق على البيعة وطلب من المختار بالذات أن يبايعه وطلب منه إقناع صهره عبد الله بن عمر بالعدول عن بيعة يزيد والانضمام أليه، وبالفعل لقد طلب المختار من شقيقته صفية ان تقنع زوجها بابن الزبير ولكنها لم تنجح ...وافق المختار على البيعة لابن الزبير بشروط رفضها  أولا، ثم وافق عليها ، من أبرزها أن لا يقضي ابن الزبير أمرا دونه ..وأن يكون أولمن يستعين به على أعماله، بهذا أصبح وزيرا لابن الزبير في جميع أموره.....
في بداية تحركه  :...    يقول  ابن الأثير في الكامل ج4 : إن المختار لازم ابن الزبير وشهد معه معاركه مع الحصين بن نمير وقاتل أشد قتال وكان  وفيا في عهده لابن الزبير، ولكن ابن الزبير لم يف بما وعده به فحقد عليه، خاصة بعد أن اخذ يتعرض للإمام علي{ع} وأبناءه وظهر منه الحقد على شيعتهم .. والمختار يسمع  ولكنه لم يجهر بمشاعره نحوه وفي الوقت ذاته كان على صلة بأهل الكوفة، ولما تبيّن له أن الشيعة في الكوفة على استعداد للأخذ بثأر الحسين {ع} ترك مكة  وتوجه إلى الكوفة ... ولما كان الشيعة يبحثون عن زعيم  جديد فوجدت المختار فانضموا أليه واستمر في تحركه حتى استقطب أكثر الشيعة وكان يترحم على سليمان بن صرد ويقول: لقد قضى ما عليه وجعل الله  روحه مع أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. 
وقد جاهر المختار في الدعوة إلى العلويين وأخذ البيعة لهم وجعل يتصل بهم بين الحين والآخر وكان يتصل بابن الحنفية لوجود خط قوي في مراقبة الإمام زين العابدين{ع} ... ووصلت الأخبار لابن الزبير بشان المختار  فعزل عنها عامليه عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة وولاها لعبد الله بن مطيع.. الذي اغضب أهل الكوفة فحقدوا عليه وعلى ابن الزبير والتفوا حول المختار وما لبث أن اتسع نفوذه فأخرج منها ابن مطيع، وجاء في المرويان انه دفع أليه مائة ألف درهم فخرج من الكوفة واعتزل السياسة، وانضم إلى المختار إبراهيم بن الاشتر وجرت معارك بينهم وبين بعض المؤيدين للاموين الذين اتفقوا مع الزبيريين لمقاتلة المختار ، ولكن حين وصل إبراهيم بن مالك الاشتر من النخيلة حسم الموقف وسقطت الكوفة بيد المختار وشيعته ..
ودخل المختار قصر الإمارة وبسط يده يطلب البيعة من الناس على كتاب الله والطلب بثأر أهل البيت وفرَّق ما وجده من الأموال في بيت المال بالسوية من غير ان يفرق بين عربي وعجمي مما جعل الموالي يلتفون حوله ويتفانون في طاعته، هذا بالإضافة لسياسته التي تنطوي على التودد لبني هاشم والعلويين ...
    ولكن سياسته الاقتصادية أثارت  غضب الأشراف عليه واعتبروا مساواتهم بالموالي اغتصابا لحقوقهم، فانتهز الأشراف ومن التف حولهم خلو الكوفة من الجند والمقاتلين الذين سرحهم بقيادة إبراهيم بن الاشتر إلى الموصل لقتال جيش الشام بقيادة ابن زياد فثاروا عليه وتكلم شبث بن ربعي مع المختار وعرض عليه مطالبهم فوعده المختار بتفضيلهم على الموالي إذا عاهدوه على قتال الأمويين والزبيريين ومناصرة العلويين فرفضوا اقتراح المختار وانتهزوا فرصة وجود الجيش خارج الكوفة بقيادة ابن الاشتر فزحفوا على المختار وحاصروه في قصر الإمارة واحتلوا المراكز الرئيسية في الكوفة وسيطروا على أكثر أحيائها، فبعث المختار برسول إلى ابن الاشتر وكان لا يزال قريبا من الكوفة ليخبره بكل ما حدث ويأمره بالرجوع بمن معه من الجيش إلى الكوفة بأقصى سرعة، وفي اليوم الثاني وصل إبراهيم الاشتر وجيشه يجوب شوارع الكوفة وعسكر بجوار مسجدها ودارت المعركة بين الفريقين وكانت نتيجتها لصالح المختار خلال ساعات معدودات وقتل منهم خمسمائة وأسر نحوا من مائتين وفر الباقون لخارج الكوفة، وكان السبب في هذه المعركة تعصب العرب على الموالي التي استغلها الأمويون وقتلة الحسين سلام الله عليه.
وجاء في الأخبار الطوال للدينوري صفحة 316 إن الأمويين وقتلة الحسين كانوا السبب في هذه الفتنة خاصة  شمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد ومحمد بن الأشعث وأخاه قيس بن الأشعث وشبث بن ربعي ، هؤلاء بداية الثورة  فروا من الكوفة عندما دخلها المختار ودعا الشيعة للانتقام من قتلة الحسين وعندما بلغهم خروج الناس على المختار في الكوفة رجعوا أليها وجعلوا يحرضون الناس وقادوا المعركة مع الأمويين ضده وكان مصير معركتهم الفشل ...
     تصفية العناصر الفتنوية :...  تبين للمختار إن الأمويين وأتباعهم وراء تلك المعركة التي انتهت بانتصاره على  حزب الأمويين في الكوفة,  فرأى أن يعجل بالقضاء على من اشترك في مجزرة كربلاء فأعلن الحرب عليهم وسار هو ومعه فرقة من الجيش في جهة وإبراهيم بن الاشتر ومعه بقية الجيش في جهة أخرى ونادى مناديه في الكوفة: من أغلق بابه فهو آمن إلا من اشترك في قتل الحسين {ع} ، وقال لأصحابه: اطلبوا لي قتلة آل بيت الرسول فانه لايسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض والمصر منهم، وتعالى الصياح من كل جانب: يا لثارات الحسين، وصاح أنصار الأمويين: يا لثارات عثمان، وكان هذا النداء سببا في تفرق بعض أنصارهم ...واستطاع المختار أن يأسر في اليوم الأول خمسمائة رجل ولما عرضوا على المختار وجد ان من اشترك منهم في معركة الطف مائتين وثمانية وأربعين رجلا فقتلهم عن آخرهم وأطلق سراح من بقي منهم، وذهب رجال المختار يمينا وشمالا يبحثون عن بقية القتلة، وكان كل واحد منهم قد هيأ لنفسه مخبأ واختفى فيه،  فاستخرجوهم من مخابئهم وقتلوهم وحتى ان بعض النسوة كن يخبرن عن أزواجهن، ومن هؤلاء زوجة خولي بن يزيد الاصبحي الذي حمل رأس الحسين لما فصل عن جسده الشريف، وحينما رجع به إلى الكوفة ادخله عليها فنفرت منه وقالت: والله لا يجتمع رأسي ورأسك على وسادة واحدة، هذا اللعين اختبأ في داره  ولما هاجم أنصار المختار داره ولم يجدوه فيها سألوا عنه زوجته النوار  فقالت: لا ادري أين هو، وأشارت لهم بيدها إلى مكانه فاستخرجوه وأقبلوا به إلى بيته فقتله إلى جانب أهله وهم ينظرون أليه ثم دعا بنار وأحرقه ولم يبرح المكان حتى صار رمادا، ثم قبض على عمر بن سعد وقتله واحتز رأسه ووضعه بين يديه وأحضر ابنه حفصا ووضع الرأس بين يديه وبكى، ثم قال: هذا برأس الحسين وهذا برأس على الأكبر، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله..... 
     وجاءت النوبة إلى بيوتهم يهدمها  كما حرقوا خيم الحسين{ع} ..وكلف المختار أبا عمرة بأن يجمع له عمال ويتتبع دور من خرج لقتال الحسين {ع} كان أبو عمرة عارفا بهم فتتبعهم في الكوفة ليهدم ويقتل من وجده منهم، والمختار يطاردهم حتى لم يبق منهم احد إلا فرَّ أو قتل، والتجأ الفارون إلى ابن زبير والى الأمويين، ثم استأجر المختار نوادب من نساء الكوفة يندبن الحسين سلام الله عليه ومن قتل معه على باب عمر ابن سعد ليحرك عواطف الشيعة ضد الأمويين وأنصارهم { وهو اول مجلس وندب على الحسين في الشوارع}... 
    ثم بعث  المختار في طلب حكيم السنبسي  الذي سلب العباس بن علي {ع}  بعد مصرعه فقبض عليه وقتلوه قبل رجوعهم أليه مخافة أن يتشفع به احد ويسلم من القتل وطلب زيد بن ورقاء قاتل عبد الله بن مسلم فقتلوه وأحرقوه، كما قتلوا شمر بن ذي الجوشن وقد قبضوا عليه بعد أن انهزم من الكوفة قاصدا مصعب بن الزبير وحاول ان يقاومهم ولكنهم تغلبوا عليه وأردوه صريعا ثم احرقوه وقبضوا على ابن انس وكان قد انتزع برنس الحسين عنه فقال لهم المختار: اقطعوا يديه ورجليه، وتركوه يضطرب حتى مات.
           يقول ابن كثير إن المختار كان يعاقب كل حسب جريمته وبقي عليه عبيد الله بن زياد، حيث جاء للعراق لقتل الشيعة فاحتل الموصل بجيش كبير أعده عبد الملك بن مروان , حينما علم أخباره المختار جهز جيشا من سبعة آلاف مقاتل لمقابلته ..بعد أن قضى على الفتنة  قرر ملاقاة ابن زياد ، وقد احتل الموصل وخرج المختار مع الجيش إلى المدائن وبقي فيها يتلقى أخبار المعركة ونتائجها، والتقى الجيشان على نهر الخازر قرب الموصل... وزحف الطرفان واستمر القتال حتى امتلأت ساحة المعركة بالقتلى من الطرفين، وكان أكثرهم من جند الشام، واستطاع ابن الاشتر أن يهزم جموع أهل الشام رغم أنهم كانوا يبلغون عشرة أضعاف جنود المختار على حد تعبير المؤرخين، وذلك بفضل مهارة القائد وحماس جنوده شيعة أهل البيت المخلصين ، كان نفس الحسين {ع} حاضرا فقتل ابن مرجانة ،حينما شاع نبأ مصرعه انهزم الجيش كله  ، ولحقهم العراقيون ، وبلغ الحال إنهم كانوا يلقون أنفسهم في نهر الخازر لأمل النجاة من العراقيين فيموتون غرقا، وانتهت المعركة بهزيمة منكرة التي لم يحدث التاريخ بأسوأ منها، وطلب الاشتر جثة ابن زياد واجتز رأسه ثم دخل الموصل فاستقبله أهلها استقبال الفاتحين وأرسل للمختار يبشره بانتصاره مصرع ابن مرجانه وأرسل رأسه وبقية رؤوس قادته .....
            جاء في حياة الإمام زين العابدين :..عن المنهال بن عمر انه قال: حججت في السنة التي ظهر فيها المختار ودخلت على الإمام زين العابدين، فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل ؟ فقلت: تركته حيا يزرق، فرفع الإمام يديه وقال: اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار، يقول المنهال: لما رجعت إلى الكوفة ذهبت لزيارة المختار وكان صديقا فوجدته قد ركب دابته فركبت معه حتى أتى الكناسة فوقف ينتظر شيئا وكان قد وجَّه الشرطة في طلب حرملة بن كاهل فلما وقف بين يديه قال: الحمد لله الذي أمكنني منك، ثم دعا بالجزار وأمره بأن يقطع يديه ورجليه ونادى بالنار ليحرقه ، فقلت  سبحان الله، فالتفت ألي المختار وقال: مم سبحت يا منهال؟ فقصصت عليه دعاء الإمام زين العابدين {ع} ودعائه على حرملة فقال لي: بالله عليك أنت سمعت ذلك، فقلت: أي والله، فنزل وصلي ركعتين وصام نهاره شكرا لله على استجابة دعاء الإمام علي بن الحسين على يديه.
        ثم إن المختار أرسل رأس ابن زياد ورأس ابن سعد إلى علي بن الحسين{ع} وقال للرسول: إذا دخلت المدينة وبلغت دار الإمام {ع}  ورأيت أبوابه قد فتحت ودخلها الناس فادخل عليه بالرأسين فانه في ذلك الوقت يوضع لهم الطعام ليأكلوا، فأقبل الرسول نحو المدينة إلى بيت الإمام {ع} لما فتحت الأبواب ودخل الناس لتناول الطعام دخل معهم و نادى بأعلى صوته: يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي أنا رسول المختار بن أبي عبيدة ومعي رأس ابن مرجانة وعمر بن سعد ثم وضع الرأسين أمام الإمام زين العابدين{ع} ، فضج  الرجال  بالصراخ وهم ينادون وا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ..وانتشر الخبر في دور بني هاشم ولم تبق امرأة إلا صرخت، ثم دخل ووضع الرأسين بين يدي الإمام{ع}  فلما رآهما قال: أبعدهما الله إلى النار، وتبسم الإمام ودموعه تجري على لحيته .. وطافت به الذكريات يوم قام ابن مرجانة في قصر الإمارة ليضرب عمته زينب ... ثم صلى وبقي ساجدا وهو يقول «الحمد لله الذي أدرك ثأري من أعدائي وجزى المختار خيراً».
      ولكن تجدد الحزن في بيت أبي عبد الله {ع} حين اجتمعت نساء بني هاشم ، تذكرن زينب {ع} يوم دخلت بعد أسرها والآن هي ميته .. ليتها اترى الذي ضرب شيبة أخيها بالسوط ... 
 يا دار انشدج عن اهاليج .... يا دار وين حسين راعيج ... 
11/9/2012



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36599
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29