• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : طق شرش الحياء .
                          • الكاتب : الشيخ مصطفى مصري العاملي .

طق شرش الحياء

 روى لي احد الأشخاص ممن عركتهم الحياة ،
 
وذاق مرّها وألمها ، وخبر صغارها وكبارها..
 
ولا يزل خزانا من الذكريات عن كثير من المحطات..
 
عن سيرة زعماء وسلوك رؤساء وشخصيات..
 
يتذكر رعي الماعز.. وعمله في فلسطين قبل ان تسبى،
 
يستذكر شمعون عندما كان يأتي للصيد ويكافئ الراعي بمسدس ورخصة عمله ..
 
يتذكر أيام الحرب وخفاياها وخباياها والكثير من احداثها..
 
المهم كان مما حكاه لي يوما أبو علي ، قصة ذاك الشاب الذي أحب نورية ( وهم من يطلق عليهم في بعض البلدان بالغجر)
 
وعندما فاتحها هذا الشاب الثري باعجابه ورغبته بالزواج منها مما يعني انه سيخلصها من حالة التشرد والتسول التي تعيشها هذه الفئة من الناس حيث يجلس الرجال في بيوت الشعر الفارهة المتنقلة وتقوم النساء بدور الاستعطاء والشحاذة من البيوت وعلى الطرقات
 
كان ينتظر منها ان تبادله مشاعر الرضا ونفس الشعور بل تستشعر ان منَّة من السماء قد هبطت عليها لتخلصها من الواقع الذي تعيشه..
 
واذا به يفاجأ برفضها هذا العرض
 
لم ييأس الشاب المغرم بل ثابر وألح الى أن استجابت يوما لطلبه ولكن بشرط.
 
شعر الشاب ان الدنيا قد فتحت ذراعيها له عندما وافقت محبوبته النورية على ان يتقدم لطلب يدها..
 
قال لها انه جاهز لتنفيذ أي شرط ومهما كان..
 
أليس الحب أعمى كما يقال..
 
وانتظر ان تبين له الشرط.
 
قالت له: اريد منك ان تعمل مثلنا لمدة أسبوع..
 
وماذا اعمل ؟ قال لها مستفسرا...
 
قالت.. ان تتسول مثلنا وتشحذ كما نفعل..
 
تعجب من امرها
 
وقال استطيع ان اعطيك بيوم ما تحصلين عليه بسنة..
 
أصرت على مطلبها.. لا بد من ان تعيش مثلنا حتى تصير منا
 
وعندها اقبل بك زوجا عن معرفة
 
تردد في البداية ثم قرر الاستجابة لشرط محبوبته النورية.
 
وامضى أسبوعا يتسول ضمن برنامج رسمته له كواحد من النوَر الذين يتنقلون في عملهم هذا من مكان الى مكان آخر..
 
وكان يعد ساعات الأسبوع الطويلة..
 
وبعد انتهاء المدة جاءها قائلا:
 
ها قد وفيت بالشرط وعملت معكم لمدة أسبوع ..
 
قالت نعم ولكن لي سؤال اريدك ان تجيبني عليه بصدق قبل ان اقبل بك زوجا..
 
عن ماذا تسألين .. وهل من شيء اصعب مما قمت به طوال أسبوع؟
 
قالت: صف لي شعورك في اليوم الأول الذي خرجت به للتسول.
 
قال: كان صعبا جدا.. وقد شعرت ان رأسي انفجر او يكاد من شدة الخجل والحياء وانا الثري الذي يمد يده الى الناس مستعطيا.
 
قالت: وكيف كانت حالتك في اليوم الثاني؟
 
قال: تغير الحال طبعا فلم تكن كحالة اليوم الأول.
 
قالت : وبقية أيام الأسبوع؟
 
قال : هان الامر شيئا فشيئا حتى كاد ان يكون اليوم الأخير عاديا..
 
قالت: هل تعرف ما حصل معك في اليوم الأول..
 
أجابها مستغربا : وما الذي حصل؟
 
قالت: لقد طق شرش الحياء في رأسك..
 
فلم تعد بعده تشعر بالالم وصار شعورك عاديا..
 
انا لا اقبل برجل زوجا لا حياء عنده .. قد طق شرش الحياء عنده...
 
***
 
تذكرت هذه القصة هذا المساء .. بعد أن عدت من برنامجي المباشر على قناة كربلاء و الذي كان موضوعه عن كلام الزهراء عليها السلام في خطبتها البليغة.. مخاطبة الخليفة الأول..
 
يا ابن ابي قحافة .. افي كتاب الله ان ترث اباك ولا ارث ابي؟
وكنت أتساءل بيني وبين نفسي عن الدرك الأسفل الذي وصلت اليه الامة قديما بما فعلته مع ابنة نبيها وحديثا بما نعيشه اليوم في عالمنا الإسلامي من مآسي وقتل واجرام ..
 
وفتحت التلفاز لأشاهد حلقة من برنامج الفساد على قناة الجديد اللبنانية
 
كان موضوع الحلقة عن ذوي المخطوفين اللبنانيين في اعزاز ( الحدود السورية التركية ) وعن مذكرات التوقيف التي اذيعت في الاعلام اللبناني بحقهم من قبل احد القضاة على خلفية اتهامهم بأنهم تبادلوا رسائل الفرح والتهاني بخطف الطيارين التركيين في بيروت..
 
كانت ضيف البرنامج المباشرة المحامية مي الخنسا.. ذات النشاطات والمواقف الذائعة الصيت، وكان الضيوف عبر الشاشة ذووا المخطوفين ..
 
استمعت الى الحلقة حتى نهايتها..
 
طرحت فيها أمور حساسة تطال القضاة ، ووزير العدل، بل وحتى وزير الشؤون الاجتماعية.. وآخرين..
 
كان من المتوقع أن يحصل في هذه الحلقة كما يحصل في الكثير من الحلقات المماثلة السابقة بان يتصل من يرد اسمه في هكذا اتهامات ليرد او ليوضح او ليجيب..
 
والمحت مقدمة البرنامج الى استعدادها لتقبل أي اتصال ممن وردت الاتهامات بحقهم من وزراء وقضاة..
 
ومر الوقت دون ان يتصل احد..
 
الى ان انتهت الحلقة..
 
التفتُ الى ابني قائلا..اني اتعجب في هذه الحلقة لعدم ورود اتصالات توضيحية من أصحاب العلاقة.. مع أن موضوعها من الأمور الساخنة في لبنان، وورد فيها أمور تصنف بأنها من العيار الثقيل.
 
أجابني قائلا.. لم يعد احد في هذه الأيام يستحي بما يفعل ..
 
قلت له ..نعم أجدت في تحليلك..
 
نعم لقد طق شرش الحياء.. كما قالت تلك النورية .
 
واللي كانوا يستحوا ماتوا..
 
لا حياء عند تلك الطبقة من المسؤولين وأصحاب السلطة.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36816
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18