• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إضراب بغداد العام صوت الرفض العراقي لوصايا الانكليز .
                          • الكاتب : محمود كريم الموسوي .

إضراب بغداد العام صوت الرفض العراقي لوصايا الانكليز

        عندما احتل الانكليز بغداد في 11 آذار1917 ، شرعوا فوراّ بإصدار الأوامـــــــر والتعليمات ، والأنظمة والقوانين ، والمراسيم التي تخدم مصالحهم ،  وتكبّل الشـــــــعب
العراقي ، وتضغط عليه ، ليخضع ويرضخ لإرادتهم ، ويستكين لاحتلالهم ، ومـن تلك
المراسيم التي أصدرها قائد الحملة البريطانية ، كان (قانون الرسوم البلدية) ، فكانــــت قسوة القانون على أصحاب الصناعات والمهن والحِرف كبيرة جداً، قلل حدّتها وقسوتها
التغاضي عن جبايتها في أحيان كثيرة ، مراعاة للظـــــروف الاقتصـــادية ، والعلاقات
الاجتماعية والإنسانية بين الجباة و المكلفين ، واستمرّ العمل به لنهاية عام 1930 0
      لم تكتف بريطانيا ، الدولة الاستعمارية ، بتكـــبيل العراق بالعـــديد من المعاهدات و الاتفاقيّات التي تسيطر بها على كل موارده وخصوصاّ النفط ، وتقيّد حركته فـــــــي الساحة العربية وتجعله تابعاّ لها ، ولم تكتف بتنصيب فيصل ملكاً عليه يأتمر بأمـــرها
ويسهر على رعاية مصالحها ، فزادت  ضغوطها على الشــعب العـــراقي الذي أقـلق
راحتها ، فجعلت من مجلس النوّاب مؤسسة طيّعة لمصالحها ، وقامت بتنصّيب نوري 
السعيد في23 آذار1930، وكان نوري السعيد محموماً مسرعاً لإضفاء صفة الشرعية
الدستورية على القوانين والأنظمة والمراسيم التي شرّعها الانكليز لخدمة مصالـــــحهم فكان( قانون الرسوم البلدية ) واحداً منها فعُرض على مجلس النــــــــــوّاب في جلسته الأربعين المنعقدة في 10 آذار 1931 0
       وفي الوقت الذي تشهد البلاد فيه تدهور الاقتصاد ، وركود الأعمال ، وتد نــــــي الأسعار، وتناقص الأجور ، وزيادة البطالة ، وانخفاض القدرة الشرائية ، يأتــــــــــــي  
( قانون الرسوم البلديّة) ليزيد الرسوم المفروضة على أصحاب الصناعات والحــــرف
 والمهن ، ويوسّع من شموليته ليشمل أكثر من ( 150 ) صنعة ومهنة وحِرفة ، مــــــع صلاحية فرض رسوم على ما لم يذكر منها ، فنجد إن الحمّال قد فرض عليه القانـــون
( 8 آنه) ، وبائع الحطب (8 آنه ) ، والنزّاح (ناقل المياه الثقيلة ) ( ربّــيه ) ، والباعــة 
الجوّالون مثل باعة المأكولات ، والدوندرمة (المثلجات) ، والثلج  ( 8 آنه ) 0
       عند مناقشة ( مسوّدة القانون) من قبل أعضاء مجلس النواب ، قدّم ثلاثة من أقوى
 نوّاب بغداد استقالاتهم من المجلس ، وهم ( رشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشـــــــمي
وعلي جودت ) الذين كانوا قد تناوبوا على رئاسة الوزارات السابقة ، فذكــــروا بطلب
الاستقالة (إن الأدلة والبراهين قد توفرت لدينا بأن الحكومة لم تحترم الحقوق والحريّات 
المنصوص عليها في الدستورولم تعبأ بأحكام القوانين في تنفيذ أغراضها وغاياتها التي
لم تأتلف والصالح العام ) 0 
       وأقرّ مجلس النوّاب القانون في 10 مايس 1931 وأويّد بالإرادة الملكية فـــــــــي
2 حزيران 1931 ، فأصبح جاهزاّ للتنفيذ ، برغم كل الظروف الاقتصادية التي أشرنا
إليها سابقاّ ، وبرغم كل الاعتراضات والاحتجاجات ، فقوبل بسخط عام من العمّــــــال
وجماهير الشعب ، والأحزاب السياسية ، مـــــن خلال موجات مـــــن الاســـــتنكارات والاحتجاجات والتظاهرات 0
       غادر العمّال أماكن عملهم ، في نهاية الدوام الرسمي ليوم السبت 4 تمـوز 1931 
وتوجّهوا إلى مقر جمعية أصحاب الصنائع والحرف ، ومنها انطلـــــــقوا إلى الشوارع والأسواق ، ليعلموا الجماهير بإضرابهم العام الذي يبدأ اعتباراّ من يوم الأحــــــــــــــد
5 تمــــوز1931 0
       وخير من يصف لنا بداية الإضراب ، شيخ المؤرخين عبد الرزاق الحسني(رحمه
الله ) فيقول : ( أصبحت بغداد في يوم الأحد 5 تمـوز1931المـوافق  19 صـفر1350 
في حالة من الكآبة والسكون ، شملت حميع مرافقها الحياتية ، وقلّما رأتها بغـــــداد من سنوات خلت ، فقد أقفلت المدينة عن بكرة أبيها ، فلا حركة تجارة ، ولا حركة بيـــع أو شراء ، ولاحركة نقل وسير ، وبات الأهلون في ذلك اليوم وهم مكتفــــــــون من أمــر المعيشة بما تسنى لهم من المؤن في بيوتهم ، إذ لم يجدوا في الأسواق خبـزاّ ، ولالحماّ
ولافاكهة ، ولاخضرة ، حتى ولا دحاناّ ، ولاعلاجاّ وتعطلت الصيدليّات ، والمطاعم ، والفنادق ، والمقاهي ، ودور السينما و الرقص ، ولم يجد الساكن في الضواحي سيارة كراء يركبها إلى العاصمة فأضطر إلى المجيء راجلاّ ) 0   
       وعلى الرغم من إعلان الحكومة  في بيان لها عن عدم تدخلها في حـرّية الناس ، بفتح مخازنهم أو غلقها ، إلا أنها أنذرت السـوّاق ، وأصحاب الصيدليّات بســــــــحب
إجازاتهم إذا استمرّوا بالإضراب ، وألقت القبض على الكثير من رؤســاء الجمعيّات ،
والشباب ، والعمّال الناشطين ، وحدثت صدامات بين الشرطة والمضربين ، أسـفرت عن نتائج مؤلمة 0
       وصدر الأمر للبلديّات ، في العاصمة وضواحيها ، بذبح الأغنام ، وفتح مخـازن لتموين الشعب مما يحتاجه ، ولكن المضربون أشاعوا بأن اللحوم التي تقدّمها البلديّات 
للبيع هي من ذبائح الأرمن والهنود والسيك ، فأضرب الناس عن شرائها ، مما اضطّر
البلديّات إلى رميها في مياه دجلة 0 
       ونتيجة للظروف التي يعيشها البلد ، خرج الإضراب عن كونه احتجاجاّ عــــــلى 
(قانون الرسوم البلدية) وطالب المضربون بإلغاء القانون ، وإلغاء قانون ضريبة الدخل 
لعام 1927 ، والنظر في قضيّة العمال العاطلين ، وإطلاق ســرا ح الموقوفين بســبب
الإضراب ، الذين اكتضت بهم السجون ، والاحتجاج على قسوة الشرطة معهم ، والاحتجاج على منع عقد الاجتماعات في الأحزاب والمعاهد الدينية ، وورد في مذكرة
(آي 0 دجا 0 أدمندش ) مستشار وزارة الداخلية وكالة إلى المندوب السامي البريطاني
في بغداد في 12 تمــوز 1931 مايؤكد ذلك حيث يقول : ( إن الإضراب فقد صـيغـته
الأصلية منذ اليوم التاسع من الشهر ، وأصبح بصورة قطعية سياسيّاً منطوياًعلــــــــــى الانقضاض على النظام ) 0
       واستمر الإضراب، وتوسّع ، ليشمل بعقوبة والفلوجة والحـلة وكربلاء والكــــوفة والنجف والرمادي والكوت والناصرية وسوق الشـــيوخ وشهربان وخانـقيـن ، وأعلنت الأحزاب السياسية في العاصمة بغداد بأن القسوة التي استعملتها الشرطة مع المضربين وصلت حداّ لايطاق ، واحتجت على ذلك لدى نائب الملك 0 
       ولمعالجة الموقف أصدرت الوزارة المرسوم ( 89 ) خوّلت فيه متصرّفي الألوية وقائمّقامي الأقضية ، ومديري النواحي ، وقوّات الشرطة ، وحكّام الجزاء ، صلاحيـــة تفريق أي اجتماع يخشى منه ، وكلفت دلاّلاّ يدور في الشوارع والأزقّة ينـادي بأعلــــى صوته ، مناشداً أصحاب المحال إلى ضرورة فتح محالهم ، واسـتـئناف الأشـــــــــــغال
بأمان واطمئنان 0
       واستمرّ الإضراب ، برغم قساوة الحكومة ، فالمضربون مصرون على مطاليبهم وفي الوقت نفسه يفاوضون الحكومة من خلال جمعيّاتهم ، والحكــومة تضغط بشـــــدّة وتصدر التعليمات والقرارات من جهة ، وتفاوض من جهة أخرى 0
       وفي 16 تمـوز1931 أصدر نوري السعيد المرسوم (90) الذي تضمّن محاسبة كل من يشجّع على الإضراب بالكلام أو الكتابة ، ومن يطلق أخبار كاذبة ، وحجـــــــز الرسائل البريدية التي يشتبه بأنها تساعد ذلك 0
       وفي اليوم نفسه ،أصدر مجلس أمانة العاصمة قراراً تضمن إعفاء( القصّــابون ، والبقّالون ، وباعـــة الأحذية ، والعطّارون ،والجــنّازون ، والنـجّارون ، و الحــدّادون  والصفّارون ، وكتّاب العرائض ، وغسّالوا الملابس ، والمكواتون الذين بلا حوانـيت ، والحمّالون ، وصباغوا الأحذية ، وباعـة الكباب ، وباعـة الثلج ، وباعـة الــدونـدرمة ،
وباعة الفحــــم ) من كامل الرسوم ، على أن ينظر بالمهن والحِــــــرف الباقية فــــــي اجتماعات قادمة ، فوافقــت وزارة الداخلـية فوراّ ليـنـتـهي الإضراب فـي ( 12) يوماً وتعود الأسواق إلى فتح أبوابها صباح يوم الجمــعة 17 تمــوز 1931 ، وعــــــــودة أصحاب المهن والأعمال إلى مزاولة نشاطاتهم الاعتيادية 0
      
 
 
البريد الالكتروني ـــــــــalmosawe.mahmood@yahoo.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36855
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28