• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه من اسلام الحديث الى اسلام القرآن (4 ) .
                          • الكاتب : عدنان عبد الله عدنان .

مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه من اسلام الحديث الى اسلام القرآن (4 )

إضاءة: 
[ملاحظة: تتكرر هذه "الإضاءة" في كل الحلقات، من أجل إيضاح خلفية كتابة هذه الحلقات]
في شهر رمضان المبارك لسنة 1434هـ (2013م)، أطل سماحة السيد كمال الحيدري، عبر شاشة قناة الكوثر الفضائية، في لقاءات عديدة، متحدثا عن مشروع قال عنه بانه يهدف الى تصحيح عقائد الشيعة، (أو: قراءة اخرى لها)، وقد تناول ذلك تحت عنوان: " من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ولابد لي من البيان أولا، بان سماحة السيد، قد عنى بـ"الاسلام"، و "القرآن"، معناهما الاصطلاحي المعهود والمعروف لدى كافة المسلمين، وأما لفظ "الحديث"، فلم يعن به خصوص ما نقل الينا من قول المعصوم فحسب، بل عنى به ما يرادف السنة، ليشمل به كل ما نقل الينا من قول المعصوم وفعله وتقريره، وهو خلاف الاصطلاح، ولكن الامر هين، خصوصا مع احتمال ان سماحته اراد ان يحاكي جورج طرابيشي في عنوان كتابه..
ولا بد لي أيضا من التأكيد، على ان سماحته لم يقصد من مفردة السنة (أو: الحديث)؛ السنة الواقعية، وانما يقصد السنة المنقولة الينا عبر الرواة، والتي قد يعبر عنها بـ"السنة المحكية" أيضا.
وسوف احاول ان اناقش ـ بايجاز ـ بعض ما ذكره سماحته في هذه الحلقات.
 
ملخص الحلقة الرابعة:ـ
تطرق سماحة السيد الحيدري في هذه الحلقة الى ملامح المرحلة الاولى، من المراحل الاربع، [التي ذكرها في الحلقة الثالثة، وقال بان الموروث الروائي الاسلامي (السني منه والشيعي)، قد مر بها]، وهي مرحلة (أو: عصر) ما قبل تدوين التراث، الممتدة حتى سنة 143 من الهجرة.
وذكر بان أهم معالم هذه المرحلة وملامحها، هو وضع الحديث واختلاقه والكذب على رسول الله (ص)، في مختلف دوائر المعرفة الدينية، وقد كانت هذه هي استراتيجية الدولة الاموية، ثم نقل شواهد متعددة، لإثبات ان الوضع الرسمي الاموي للحديث، قد بدأ في هذه المرحلة.
ثم أشار الى انه لا قداسة، لأصحاب الائمة كما لا قداسة لأصحاب الرسول (ص).
ثم تطرق الى ابي هريرة، باعتباره أكبر رموز الوضع في هذه المرحلة.
وقد تضمنت الحلقة، بعض التفاصيل، والإستطرادات، ضمن محاور حديثه.
 
وهذا هو رابط الحلقة الرابعة من حديث سماحته 
 
http://www.youtube.com/watch?v=ruI-an4lenk
 
 
والذي يهمنا من حديث سماحته في هذه الحلقة هو:ـ
1 ـ حديثه عما أسماه تقديس الشيعة لأصحاب الائمة عليهم السلام.
2 ـ مناقشته للألباني
3 ـ وصفه لما يقوم به، بانه حركة تصحيحية، فيها حياة مدرسة أهل البيت (ع)
4 ـ حديثه حول ما أسماه الثالوث المشؤوم: المال، الإعلام، السلطة.
5 ـ ما أجاب به على سؤال أحد المشاهدين، بشأن كيفية معرفة الصحيح من السنة.
 
أولا: حول تقديس الشيعة لأصحاب الأئمة عليهم السلام
ففي هذه النقطة تحدث سماحة السيد، حول ما اسماه بـ "تقديس" الشيعة لأصحاب الأئمة، وتساءل: كيف يمكننا ان نرفض قداسة صحابة رسول الله (ص)، ثم نقول بقداسة أصحاب الائمة، وقال ان كثيرا من اولئك الذين يعطيهم التراث الشيعي القداسة، لا يستحقون تلك القداسة، وقال ان كونهم حول المعصوم لا يعصمهم من الاشتباه أو الكذب أو شرب الخمر أو السرقة أو القتل، أوغيرها من الكبائر، وساق "البطائني" شاهدا على ذلك.
وخلص الى القول: لا يوجد لدينا خط أحمر، فالخط الاحمر هو القرآن والمعصومون فقط، أما بعد ذلك، فلا مقدس ولا خط أحمر، لا في أصحاب الائمة ولا في غيرهم. 
 
 
المناقشة:
أما بالنسبة للخطوط الحمراء التي تحدث عنها سماحته، فهي غير محصورة بالقداسة، لأن التعاطي مع فساق المؤمنين، فضلا عن عدولهم، له خطوط حمراء، يحرم تجاوزها، فمن الصحيح ان نقول لا قداسة (بمعنى عدم الخطأ) الا للمعصوم، ولكن ليس من الصحيح ان نقول لا خطوط حمراء الا للمقدسين (المعصومين).
وأما بالنسبة للقداسة، فكثيرا ما يكررها سماحة السيد، في حلقاته هذه، وقد حاول إلصاقها في بعض أحاديثه بالمراجع، وأما في هذه الحلقة فقد حاول أن يلصقها بأصحاب الائمة عليهم السلام، خالطا بينها وبين العدالة من جانب، وبينها وبين الاحترام والتقدير من جانب آخر، فالقداسة، بمعنى العصمة وعدم الخطأ، لم يدع أحد من العلماء ان أصحاب الرسول (ص) أو أصحاب الائمة (ع) أو غيرهم، يتصفون بها، وحتى الخلاف المعروف بين الشيعة والسنة بشأن صحابة الرسول (ص)، إنما هو في عدالتهم، بصفتهم صحابة، أما القداسة (أو: العصمة)، فلم تكن محور خلاف بينهم، ولم ينسبها أحد الى أي من الصحابة، بصفتهم صحابة، وحتى خلافهم المعروف في مسألة عصمة أهل البيت، ليس مبنيا على كونهم صحابة.
أما في مجال اعتبار أو عدم اعتبار الروايات، فيُكتفى بالوثاقة، ولا حاجة للعدالة، فضلا عن القداسة، ولذا فليس هناك من حاجة الى القداسة، لكي يضفيها الشيعة على اصحاب أئمتهم عليهم السلام. 
وبهذا يتضح بان أحدا لم يختلف مع سماحته بهذا الشأن، فلا قداسة (بمعنى عدم الخطأ) لبشر إلا لمن ثبتت عصمته، بأدلة خاصة، ولذا فان طرحه لعنوان "القداسة" ومناقشته بهذه الطريقة القائمة على أساس ان هناك من يثبتها لبعض أصحاب الائمة، وبصفتهم أصحابهم، ليس مفهوما عندي.
فالشيعة، يقولون بعدالة من ثبتت عدالته عندهم من خلال سيرته، ويقولون بفسق أو كفر من أثبتت سيرته ذلك، ويتعاطون مع كل فئة من الفئتين بما تستحق من التقدير والاحترام، دون أي قداسة، وبما تستحق من اللعن والبراءة، دون أي مجاملة.
وبعد ان يفترض سماحته، ان هناك من يقدس أصحاب الأئمة عليهم السلام، وهو افتراض لا واقع له،  يُفترَض به أن يتجه نحو كسر هذه القداسة المفترضة فقط، ولكننا نراه يتجه لكسر الاحترام والتقدير، فيهاجم الفساق منهم، ليستنتج أن لا خطوط حمراء في التعاطي مع أي شخص إلا إذا كان معصوما، ليصبح المؤمنون العدول هدفا للسهام أيضا، فلا خطوط حمراء ـ لديه ـ تحميهم من التوهين والتحقير، وتوجب على الجميع احترامهم وتقديرهم. 
ومن الغريب حقا، ان يصدر مثل هذا الكلام من سماحته.
فالبطائني وأشباهه، منزلتهم معروفة لدى كثير من عوام الشيعة فضلا عن علمائهم، فهم لا يكنّون لهم أي درجة من درجات الاحترام والتقدير، بل انهم يتقربون الى الله تعالى بلعنهم والبراءة منهم، ومع ذلك نرى كلام سماحته يوحي بان الشيعة لا يكتفون باحترام وتقدير أمثال هؤلاء، بل إنهم يقدسونهم، لا لشيء إلا لأنهم من أصحاب الائمة عليهم السلام، ومن هنا يأتي على مهاجمتم، مستغربا تقديسهم (الموهوم) من قبل الشيعة، على الرغم من انهم لا يقدسون أصحاب النبي (ص)، ليستنتج بان البطائني وأمثاله لا يستحقون أي احترام و تقدير!!، وهو استنتاج لا يختلف فيه معه أحد أيضا، ولا مشكلة فيه، ولم يكن سماحته بحاجة الى هذا الجهد الكبير، والحماس الشديد، لإثباته. 
ولكن المشكلة تكمن في افتراض سماحته لقداسة غير موجودة أولاً، وفي تعميمه لهذا الاستنتاج على جميع أصحاب الأئمة ثانياً، لينزع ثوب الاحترام والتقدير، حتى عن المؤمنين العدول منهم، بدعوى نزع ثوب القداسة الذي ألبسه هو للجميع جزافاً.
فبعض المفردات التي يطلقها سماحته بهذا الشأن، لا تؤدي إلى كسر القداسة التي افترض وجودها حتى للفساق من أصحاب الأئمة (ع)، فحسب، وانما تؤدي ـ أيضا ـ الى كسر احترام العدول منهم وإسقاط تقديرهم، بل فيها من التوهين والاساءة لهم ما هو واضح جلي.
وبذلك يكون سماحته قد أخفق في إدعائه بان الشيعة يقدسون أصحاب الأئمة، (أو: بعضا منهم)، وفي ما وصل اليه من نتيجة، بإسقاط احترام الجميع، لا قداستهم.
ولا أدري، كيف صعب على سماحة السيد، أن يفرق بين التقديس (العصمة)، وبين الاحترام، أو بينه وبين الإحترام الشديد؟؟ّّ!!، وهو يقرأ ويسمع قوله تعالى:" ولا تقل لهما اُفّ "، وهو "فقيه قرآني"، كما يقول، فهل ان هؤلاء مقدسون (معصومون) برأيه، لأننا ممنوعون عن كل ما يمكن ان يؤذيهم، حتى في ما يرتبط بشؤوننا الشخصية، وإن كانوا غير محقين !!
 
ثانيا: حول مناقشته للألباني:
وفي سياق حديث سماحته عن أدلة وضع الحديث في زمن بني اُميّة، وكونه امرا استراتيجيا للدولة الاموية، قرأ رواية عن الرسول (ص)، ذكرها الألباني في كتاب سلسلة الاحاديث الصحيحة ج4ص329، وهي :
ـ " أول من يغير سنتي رجل من بني أمية " ـ
وقد علق الألباني على هذه الرواية،  قائلا:ـ 
ـ " ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة. والله أعلم "ـ
في إشارة منه الى ان أول من غيّر السنة هو معاوية.
وقد أشكل سماحة السيد على الألباني، بقوله: ان كون المعنيّ بهذا الحديث معاوية، مما لا شك فيه، غير ان تبديل السنة النبوية وتغييرها من قبل معاوية لم يكن مقتصرا على مجرد تغيير نطام اختيار الخليفة فقط، وانما امتد الى مجالات وتطبيقات اخرى كثيرة، ليشمل كل دوائر المعرفة الدينية، من تفسير وفقه وعقائد وغيرها.
المناقشة:
من الواضح ان الألباني قد أشار في تعليقه ذاك الى أمرين:
الاول: ان معاوية هو اول من قام بتغيير السنة، فهو أول من خطى الخطوة الاولى على طريق تغيير السنة. 
الثاني: ان خطوته الاولى تلك قد تجسدت بتغيير نظام اختيار الخليفة، فكان هذا التغيير هو أول تغيير حصل في السنة، ثم جاءت بقية التغييرات المختلفة للسنة من قبل معاوية وغيره، بعد ذلك تترى.
وقد فهم سماحة السيد الأمر الأول، بشكل سليم، ووافق الألباني على رأيه، ولكنه أخطأ في فهم الأمر الثاني، فتصور أن الألباني يدعي، بان معاوية قد قام بتغيير نظام الخلافة فقط، ولم يغير من السنة شيئا غير ذلك أبدا، لا قبل ذلك ولا بعده، ولذلك فانه أشكل عليه ان تغيير السنة من قبل معاوية لم يكن مقتصرا على مجرد تغيير نطام اختيار الخليفة فقط، وانما امتد الى مجالات وتطبيقات اخرى كثيرة، ليشمل كل دوائر المعرفة الدينية، من تفسير وفقه وعقائد وغيرها، وهو فهمٌ بعيدٌ عن نظام تأليف الكلام، وبعيدٌ أيضا عن روح الرواية التي علق عليها الألباني، فالرواية لم تكن بصدد بيان حجم التغيير الذي سيحدثه ذلك الاُموي في السنة، بل بصدد الإشارة الى أول من سيقوم بذلك، وهنا جاء الألباني فأشار الى معاوية كأول من غيّر السنة، ثم انبرى ليجيب على سؤال مقدر، مفاده: إذا كان معاوية هو أول من غيّر السنة النبوية المطهرة، فبأي فعل منه تجسد ذلك التغيير وحصل؟، فأجاب: ان ذلك تجسد بتغيير نظام اختيار الخليفة. فالألباني ـ إذن ـ لم يشر الى حجم التغيير، وإنما الى أول ما تجسد به.
وهنا يمكن ان يُشكل على الألباني، بأن تغيير نظام إختيار الخليفة، لم يكن التغيير الاول للسنة المطهرة من قبل معاوية، إذ كان قد غيّر وبدّل قبل ذلك أيضا، وقد استمر على السير على هذا الطريق بعد ذلك أيضا.
والمشكلة ان هذا الفهم الخاطئ لم يكن قد ورد على لسان سماحة السيد، أثناء الحلقة، دون تأمل أو تدبر، وإنما كان قد ذكره في أحد مؤلفاته قبل ذلك، وقد قرأ بعضا منه، بفخر واعتزاز، في هذه الحلقة.
هذا، مع ان القول بان معاوية هو أول من غيّر سنة الرسول (ص)، غير صحيح أيضا، وإن كان سماحة السيد قد برر موافقته للألباني، في كون معاوية أول من غيّر السنة، بلحاظ بدء الوضع الرسمي من قبل الدولة الاموية، وليس بلحاظ بدء الوضع مطلقا، وهو تبرير باهت.
 
ثالثا: حول قوله بان حركته هذه فيها حياة لمدرسة أهل البيت:
وفي اطار حديث سماحته، عن الوضع وأهدافه، أشار الى ان حركته التصحيحية هذه، فيها حياة لمدرسة أهل البيت (ع)، وقال ان هذه المدرسة لا تحتاج الى القول بان أمير المؤمنين (ع)، قد صار أسدا في ليلة الحادي عشر من المحرم، ليحمي جثمان الإمام الحسين (ع) من الوحوش. 
وفي نفس السياق، ذكر في موضع آخر من هذه الحلقة، ان معاوية وأمثاله من بني اُميّة، لم يدخلوا الاسلام عن ايمان وقناعة، وانما من أجل تدمير الإسلام من الداخل، وقد كان الوضّاعون مستعدين لإعطاء معاوية من الأحاديث الموضوعة حتى يرضى، ولن يرضى إلا بتدمير الإسلام، وقال: وهذا ما أخافه أنا على مذهب أهل البيت (ع)، فحينما عجز الآخرون عن تدميره من الخارج، أخذوا ينخرونه من الداخل، فهذا يدعي بانه وصي الحسن، وذاك يدعي بانه التقى الإمام الحجة (ع)، وثالث يدعي بانه معين من قبل الإمام الحجة (ع)، أو ان له نيابة عنه (ع)، وآخر يأخذ الاموال باسم الإمام الحجة (ع)، كل ذلك من أجل تفريغ المذهب من داخله.
 
المناقشة:
من تابع سماحة السيد في حلقاته هذه، يلمس بوضوح، بانه يحاول أن ينقل الحديث الى المرجعية، بأدنى مناسبة، ويكرر مضمون ما ذكره هنا من عبارات وجمل باستمرار، وكأنه يهدف أن تأخذ هذه المعاني موقعها الذي يريده لها من ذهن المتلقي البسيط وتفكيره.
وقد حاول هنا، كعادته، أن ينسب قول غير العلماء الى المراجع، حيث أن أجواء حديثه كانت توحى للمتلقي بان المراجع هم الذين يقولون بان أمير المؤمنين (ع)، قد صار أسدا ليحمي جسد ابنه الحسين (ع)، في تلك الليلة المأساوية، وكان على سماحته إما أن يأتي بدليل على ان من يقول هذا القول هم مراجعنا الحقيقيون، أو أن ينأى بنفسه عن طرح مثل هذه الامور في مثل حلقاته هذه، وذلك لأنه بصدد تصحيح إعتقاد الشيعة، كما يقول، وهو لا يتحقق من خلال مناقشة ما يتداوله بعض عوامهم أو منبرييهم، وإنما من خلال مناقشة مراجعهم وعلمائهم من أصحاب الإختصاص والرأي.
كما وان سماحته خلط الحق بالباطل، عندما تحدث عن النيابة عن الامام (ع)، والتعيين من قبله (ع)، ولقائه (ع)، وجمع الاموال، وما كان ينبغي له ان يفعل ذلك، خصوصا وان برنامجه هذا في متناول المتعلم وغير المتعلم.
فالنيابة والتعيين المدعى، لا علاقة له بالمرجعية، كما أوضحنا ذلك في الحلقة الثانية من هذه المناقشات، إذ ان المرجعية لا تقوم على الموروث الروائي، الذي يحاول سماحة السيد ان يتخلص منه، وانما تقوم ـ أساسا ـ على الدليل العقلي الذي يتلخص بوجوب رجوع غير المختص الى المختص في كل الشؤون التي تحتاج الى اختصاص، ومنها الشأن الديني.
ومن المفارقة العجيبة، ان يكون رأي سماحة السيد هنا، عن "القدسية" و "النيابة عن الامام (ع)"، مناقضا، لما ذكره سماحته في كتابه "الفتاوى الفقهية" ج1ص13، وتحت عنوان: "الاجتهاد والتقليد مبدءان مستمران"، حيث قال:ـ "من هنا كانت رابطة المقلّد بالمرجع الديني رابطة حيّة متجدّدة باستمرار، ويزيدها قدسيّةً ما يتمثّل في المرجع من نيابة عامّة عن الإمام عليه الصلاة السلام في أمور الدين، وهذا ما يفسّر لنا كون المرجع الديني في زمن الغيبة هو المحور للآخرين في فهم شؤون دينهم."
فتحدث سماحته في هذه العبارة، بايجابية وإعجاب، عن "قدسية" يرفضها، وعن "نيابة" يهاجمها !!!.
 
وأما بالنسبة لمسألة أخذ الأموال باسم الإمام الحجة (ع)، فإن كان سماحته يعني بها المراجع، فهي مسألة اجتهادية، لا ينبغي لسماحته أن يطرحها بهذا الشكل في مثل هذا البرنامج، واما إن كان يعني بها غير المراجع، فستكون المسألة خارجة عن الموضوع من الأساس.
وأما مسألة إمكانية أو عدم امكانية لقاء الإمام الغائب (ع)، فلا أدري لماذا يكون رأي سماحة السيد، على فرض نهوض أدلته (وهي غير ناهضة)، هو الصواب الواقعي، وتكون آراء الآخرين سخفا وتخلفا وبؤسا ؟؟!!، كما يحلو لسماحته أن يعبر في كثير من موارد اختلاف الآخر معه، أليس في هذا تحقير واقصاء، وهو ما يشكو منه سماحته ؟؟!! وعلى افتراض عدم وجود أي إساءة في مثل هذا التوصيف، فلماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟! 
 
رابعا: حول حديثه عن المال والإعلام والسلطة:ـ
ثم تحدث سماحته عن المال والإعلام والسلطة، وقال: ان هذا الثالوث اذا اجتمع على الخير فهو ثالوث خير، واذا اجتمع على الشر فهو أشأم ثالوث. 
وأوضح سماحته ان خطابه هذا موجه الى الجميع، ففي الواقع الشيعي، إذا اجتمع ثالوث المال (الخمس)، والإعلام (الشياع و الشهرة)، والسلطة الشرعية (المرجعية)، باعتبارها تمثل الإمام الحجة (ع) .. فكيف يمكن ان تُنتقد؟
المناقشة:
مما لا شك فيه، انه ليس في نشأة الكون والفساد، ما هو خير مطلق، فلكل شيء في دنيا الناس جانبان، أحدهما ايجابي والآخر سلبي. 
والمال والإعلام والسلطة، أيضا، كل واحد منها سلاح ذو حدين، والانسان هو الذي يحدد وجهتها، خيرا كانت أم شرا.
بل ان العلوم الشرعية، على الرغم من انها أشرف العلوم، موضوعا وغاية، فهي ليست استثناءا من هذه القاعدة، وما روي عن رسول الله (ص) انه قال:" شر الشر أشرار العلماء "، يبين هذا الأمر بكل صراحة و وضوح.
فالأمر في هذا الموقف أو ذاك، وفي الاستفادة مما هو متاح من أدوات، في مجالات الخير أو الشر، مرتبط بالمفاهيم والقيم التي يعتقد بها الانسان، ومدى التزامه بها، فهذه هي الحياة وهذه هي سننها.
فمع افتراض ان تلك الثلاثة، ومثلها معها من إمكانات اخرى، كانت بأيد نزيهة عادلة، فلا ضير في ذلك، وأما إذا كانت كلها، بل بعضها، بأيد غير نزيهة، فالخطر سيكون محدقا دون ريب.
فهذا معروف لدى الجميع، وليس من جديد في كلام سماحة السيد، الا الغمز.
فالكلام، بهذا المستوى، لا خلاف فيه، غير ان الذي يبدو لي، هو ان سماحة السيد يلمح الى عدم وثاقة المؤسسة الدينية (المرجعيات)، ويشكك في أمانتها، و قد أشار الى ذلك في أكثر من مناسبة، في حلقات حديثه هذه، فهو يرى ان عدم وثاقتها  تجسّد في سوء تصرفها بالمال (الخمس)، و في خداعها الناس من خلال الإعلام (الشياع)، و في استغلالها لسلطتها الدينية لتحقيق مصالح شخصية.  
وهنا، لا أريد ان اتحدث عن المال، لأن تشكيك سماحته بهذا الشأن، أو تلميحه إليه، لا يعدو ان يكون اتهاما، يحتاج الى أدلة دامغة، و وثائق مؤكدة، تثبت بان هناك تلاعبا في التصرف بالحقوق الشرعية، وان هؤلاء المتهمين، ليس لديهم من أموال خاصة لا ترتبط بالحقوق الشرعية بوجه، و حينئذ ستكون الكرة في ملعب المتهمين، وعليهم ان يدافعوا هم عن انفسهم.
وكذا الحال بالنسبة للسلطة، واستغلالها سلبا، فلا نقاش لتلميحات أو إشارات تخلو من أي دليل أو إيضاح.
و لذا فانني سوف أكتفي بالحديث عن "الشياع" الذي يصنع "السلطة". 
فـ "الشياع"، الذي هو شكل من أشكال الإعلام عند سماحته، متهم عنده بصناعة مراجع غير مؤهلين.
و "الشياع"، مفردة يذكرها العلماء كطريق من طرق ثبوت الإجتهاد و الأعلمية و الهلال، وغيرها، ولكن سماحته يعلم بان الحجية هنا ليست للشياع بما هو شياع، وانما هي للاطمئنان الذي يؤدي الشياع اليه، فالشياع الذي لا يفيد اطمئنانا، لا قيمة له ولا أثر، ولذا فان طرح الموضوع من قبل سماحة السيد بهذا الشكل الفضفاض و الموهم، يجعل المستمع يتصور ان الشياع ليس أكثر من "إشاعة" من الإشاعات التي تطلقها وسائل الاعلام المعهودة، مقروءة ومسموعة ومرئية، دون أي سند أو دليل، لتسري في الناس سراية النار في الهشيم، فيخصعون لها صاغرين. 
غير ان الامر ليس كذلك، فـ "الشياع"، طريق عقلائي، يستند الى الواقع وينطلق منه، ليتم به إثبات شيء، على أساس علمي إحصائي يتمثل بتراكم الاحتمال، وهو نفس طريق  التواتر، والفرق بين "التواتر" و "الشياع"، ليس في طريق الإثبات، لأن طريقهما واحد، وانما في النتيجة، فالتواتر يفيد العلم، وأما الشياع فيفيد الاطمئنان، وكلاهما حجة. 
فإذا كان سماحته يرفض هذا الطريق، فإن رفضه له سيؤول الى رفض كل نتائجه، ومنها: التواتر .. و إذا كان يرفض نتائجه، فإن رفضه له يعني إفراغ الاطمئنان والعلم، عن الحجية، و كلا الأمرين مستحيل. 
فالطريق المعتمد في الشياع، طريق يستخدمه كل العقلاء في مختلف شؤونهم الحياتية، لإثبات ما يريدون إثباته من امور، فالمدرّس الكفوء، يُعرف بين الطلاب بذلك، و بعد ان تثبت كفاءته بينهم و تشيع، ينتقل الأمر الى أهاليهم وأصدقائهم، ومنهم الى سائر الناس، فيشيع أمره عندهم أيضا، وكذا الأمر بالنسبة للطبيب الحاذق، أو غيره. 
و الأمر بالنسبة لاجتهاد المجتهد أو أعلميته، لا يختلف عن شياع كفاءة مدرس أو طبيب، فثبوت الاجتهاد أو الأعلمية يبدأ من الوسط الحوزوي، بما فيه من طلبة يدرسون عند مختلف المجتهدين والمراجع، وبما فيه من علماء ومجتهدين، إذ يشيع في الوسط الحوزوي إجتهاد المجتهد أو أعلميته، وهم أهل الاختصاص والتقويم، ثم ينتقل ما شاع بينهم وفي وسطهم، الى سائر الناس، فهذا هو الشياع المعتمد في اثبات الاجتهاد والاعلمية، وما لم يكن هذا الشياع منطلقا من الوسط الحوزوي و واقعه، فهو ليس أكثر من إشاعة لا حُجية فيه، ولا قيمة له. 
ومن هنا يتضح سر هجوم بعض الطامحين الى المرجعية، على الشياع، فلأنهم لا حظّ لهم من هذا الشياع الحجة، ولا نصيب، نراهم يلجأون الى مهاجمته واستبداله بـ "إشاعات" لا تقوم على الواقع ولا تستند اليه، فيحاولون أن ينشروا دعوى اجتهادهم أو أعلميتهم، من خلال التوسل بوسائل الاتصال السائدة اليوم، كالفضائيات والفيس بوك وغيرهما، في محاولة منهم محكاة الشياع الحجة، بصناعة شياع كاذب بين الناس، يفيد بانهم مجتهدون أو انهم أعلم الموجودين، ولكنّ هذا ليس من جملة ذلك الشياع الذي يراه العلماء طريقا من طرق ثبوت الاعلمية والاجتهاد، وانما هو مجرد إشاعة ودعاية فارغة، لاقيمة لها، و لا أثر، وذلك لأن ما يراد إثباته من إجتهاد أو أعلمية، بهذا الاسلوب، لا يصل الى الناس من خلال الوسط الحوزوي المتخصص، وانما يصل اليهم مباشرة عبر وسائل الدعاية السائدة.
 
خامسا: حول كيفية معرفة الصحيح من السنة:
و في إطار إجابة سماحته على سؤال أحد المشاهدين، بشأن كيفية معرفة الصحيح من السنة، و تمييزه عن غير الصحيح، قال سماحته: إن هذه وظيفة فقهاء القرآن، وليست وظيفة فقهاء الحلال والحرام. ففقهاء القرآن، هم الذين يحق لهم ان يعرضوا الرواية على كتاب الله، أما فقهاء الحلال والحرام، فلا يحق لهم ذلك، لأن وظيفتهم ـ كما يقولون ـ هي كتابة رسالة عملية فقط، فهم الذين يقولون ليس لنا إلا ان نبين الحلال و الحرام، وليس لنا الا الفقه الاصغر!!
المناقشة: 
وفي كلام سماحته هذا أمران:
الأول: ان هناك صنفين من الفقهاء، فهناك ـ في رأيه ـ فقهاء قرآن، وهناك فقهاء حلال وحرام، وفهمُ القرآن منحصر بفقهاء القرآن فقط، وأما فقهاء الحلال والحرام، فهم غير قادرين على فهم القرآن، ولذا فإن حق التمييز بين ما هو صحيح، و بين ما هو غير صحيح، من السنة، منحصر بفقهاء القرآن فقط، وذلك لأن طريق التمييز بين ما هو صحيح وبين ما هو غير صحيح من السنة، منحصر بالعرض على القرآن فقط، و حق العرض على القرآن منحصر بمن يفهم القرآن فقط، وهم فقهاء القرآن فقط. 
وفي كلام آخر لسماحته في الحلقة السابعة، قال: ان المتخصص في الحلال والحرام، لا يحقّ له أن يعطي رأيا، ولا يجوز الرجوع إليه، بل انه ليس بمجتهد، فالمجتهد هو الذي وقف على الفقه القرآني أوّلاً حتّى يستطيع أن يعرض الرواية على القرآن.
الثاني: انه يقول، بان فقهاء الحلال والحرام، يقولون أن لا شأن لنا الا بالفقه الأصغر وكتابة الرسالة العملية، وأما الفقه الأكبر (العقائد)، فلا شأن لنا به.
أما بالنسبة للأمر الأول، فلا أدري ما الذي يريده سماحة السيد من فقهاء الحلال والحرام، أن يتعلموه، لكي يكونوا قادرين على فهم القرآن، فها هو شيخ الطائفة، يقول في تفسيره "التبيان في تفسير القرآن" ج1ص5: "... والذي نقول به: إن معاني القرآن على أربعة أقسام: أحدها:- ما اختص الله تعالى بالعلم به، فلا يجوز لاحد تكلف القول فيه، ولا تعاطي معرفته، وذلك مثل قوله تعالى:{ يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل: إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} .... وثانيها:- ما كان ظاهره مطابقا لمعناه ، فكل من عرف اللغة التي خوطب بها، عرف معناها، مثل قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} .... وثالثها:- ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا، مثل قوله تعالى: {أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة}  ومثل قوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وقوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} وقوله: {وفي أموالهم حق معلوم}، وما أشبه ذلك. فان تفصيل اعداد الصلاة وعدد ركعاتها، وتفصيل مناسك الحج وشروطه، ومقادير النصاب في الزكاة لا يمكن استخراجه إلا ببيان النبي صلى الله عليه وآله ووحي من جهة الله تعالى. فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه، يمكن أن تكون الاخبار متناولة له. ورابعها:- ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا، فإنه لا ينبغي أن يقدم أحد فيقول: ان مراد الله فيه بعض ما يحتمله، إلا بقول نبي أو امام معصوم، بل ينبغي ان يقول: ان الظاهر يحتمل لأمور، وكل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل، والله أعلم بما أراد. ومتى كان اللفظ مشتركا بين شيئين، أو ما زاد عليهما، ودل الدليل على أنه لا يجوز ان يريد إلا وجها واحدا، جاز ان يقال: إنه هو المراد ...".
والذين كتبوا في ما يحتاجه المفسر من علوم لم يخرجوا عن هذا الإطار. 
والسؤال الملح هنا هو، ما الذي يميز من يسميه سماحته بـ"فقيه القرآن"، عمن يسميه بـ"فقيه الحلال والحرام"، في التعاطي مع هذه الأقسام الأربعة، وما الذي ينقص الأخير، فيحول دون وصوله الى معاني القرآن الكريم، وفهم المراد.
وتمشيا مع رأي سماحته في ان فقهاء الحلال والحرام، غير قادرين على فهم مراد القرآن، فلا يشك أحد في قدرتهم على فهم آيات الأحكام (الحلال والحرام) على الاقل، وقد بحثوها بسعة وعمق ودقة وإحكام، في دروسهم وابحاثهم التخصصية، وبذلك، فهم مجتهدون في مسائل الحلال والحرام، اعترفنا بذلك أم لم نعترف. وإذا أراد سماحة السيد أن يصر على ان مثل هذا المجتهد لا يكون مجتهدا مطلقا، فانه لا يستطيع ان ينكر كونه مجتهدا متجزئا، فيجب (أو: يجوز) تقليده في مسائل الحلال والحرام إذا كان أعلم من غيره بها، حتى ولو كان ذلك الغير مجتهدا مطلقا، وسيكون القول بعدم جواز تقليده جزافا ومماحكة. 
وأما بالنسبة، للأمر الثاني، فعندما يقول سماحة السيد بان وظيفة فقهاء الحلال والحرام، هي كتابة رسالة عملية فقط، فيجب ان لا يكون ذلك من باب الإستهانة بهم أو بمهمتهم الشريفة والخطيرة والصعبة والمعقدة والواسعة، وذلك لأن تحديد الحلال والحرام يعني تحديد سلوك الانسان في كل شيء وفي كل ميدان من ميادين الحياة وشؤونها، إذ ما من خطوة يخطوها الانسان في حياته، وما من حركةٍ وسكونٍ منه، الا ويدخل في دائرة أحد الاحكام التكليفية الخمسة المعروفة، والتي لا يتم تحديدها الا من قبل فقهاء الحلال والحرام حصرا، فهم إذن يشغلون كل مساحات حركة الانسان، من اجتماع وسياسة واقتصاد وغيرها، ولا يتركون للمكلف أي خطوة من خطواته، وفي أي ميدان من ميادين عمله ومساحات حركته، دون أن يحددوا له ما يباح وما يجب وما يستحب وما يكره وما يحرم.
والمكلف لا يخرج عن عهدة التكليف إلا بالإلتزام بفتوى فقيه الحلال والحرام، ولا تبرأ ذمته الا بذلك، فهل هذا مما يستهان به؟؟!!.
والذي يدعو سماحة السيد، الى تناول هذا الامر المصيري والهام جدا، بالكثير من الاستهجان، هو ما يراه من لزوم تناول المجتهد أو المرجع للقضايا العقدية، وما يدعيه من ان عموم الفقهاء، لا يعبأون بالقضايا العقدية، ولذا قال: انهم يقولون ليس لنا إلا الفقه الأصغر.
والكلام مع سماحة السيد في هذا المجال يطول، ولكن لا بد من الجواب ولو اختصارا، فأقول: 
إذا كان سماحة السيد يريد أن يقول أنهم قد منعوا أنفسهم من الخوض في هذا المجال، فالأمر ليس كذلك، إذ لم يقل أحد منهم ذلك أبدا، وإذا وجد من قال ذلك، فعلى سماحته أن يدلنا عليه، ويذكر لنا قوله ومصدره. 
نعم، إن مهمة المجتهد، بوصفه مجتهدا، إصطلاحا، هي استنباط الأحكام الشرعية، دون ان يعني ذلك ان الميادين الاخرى من المعارف الدينية، محجورة عليه، فله ان يخوض أي ميدان منها، ولو لم يخض بعضها، لما أخل ذلك بإجتهاده أو أعلميته، و لما كان ذلك عن قرار منه بذلك أو عجز.
والقول بان قوله تعالى:{...ليتفقهوا في الدين ...}، يعني التفقه بكل المعارف الدينية من فقه و عقائد، قول صحيح، ولكن هذا لا يعني ضرورة أن يكون كل فرد من العلماء متفقها في كل المعارف الدينية، وانما يعني أن من الواجب على الامة ان يكون فيها متخصصون في كل المعارف الدينية، فإن اجتمعت في فرد واحد فهو خير على خير، وإن توزعت الاختصاصات على أفراد متعددين من الامة، بحيث يكون كل فرد من علمائهم متخصصا ببعض منها، فهو خير أيضا، ويكفي في تحقق المطلوب، خصوصا مع تعدد المعارف وسعة كل واحد منها، الى الحد الذي قد لا يسع عمر الإنسان الا بالإلمام بشيء منها، بل ربما يكون ذلك في زماننا هذا قريب من التكليف بغير المقدور، أو قد لا يتحقق إلا للأوحدي وفي أزمان متباعدة، بسبب تعدد العلوم وتشعب الاختصاصات، وربما ضرب بعض أهل العلم سماحة السيد نفسه، كمثال في هذا المجال، بما اتضح من ضعفه العلمي، وهزال بعض مشاريعه، ومنها مشروع "من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ويقولون ما كان ذلك ليحصل إلا بسبب تشتت جهود سماحته، وتعدد اهتماماته.
فالأمر هنا شبيه بمن يطلب من أولاده ان يكونوا علماء دين وأطباء ومهندسين ومحامين مثلا، فقوله هذا لا يعني انه يريد من كل واحد منهم أن يتخصص بكل هذه العلوم والاختصاصات، وانما يعني انه يريد من كل واحد منهم ان يختص ببعض هذه العلوم، لتجتمع كلها في مجموعهم وليس في كل واحد منهم.
ومن الشواهد المهمة في هذا المجال، ما ذكره الشيخ المفيد بحق الشيخ الصدوق، بخصوص بعض آرائه في علم الكلام، حيث قال عنه بانه: " قد تكلف ما ليس من شأنه، فأبدى بذلك عن نقصه في العلم وعجزه، ولو كان ممن وفق لرشده لما تعرض لما لا يحسنه، ولا هو من صناعته، ولا يهتدي إلى معرفة طريقه ..." ـ عدم سهو النبي (ص)/ ص20
فللشيخ الصدوق ـ إذن ـ صناعة يحسنها، أما صناعة علم الكلام، فلسيت من شأنه، دون ان يخرجه هذا عن كونه مرجعا في الحلال والحرام، فلا ضير إذن في ان يكون لكل منهما (أو: غيرهما)، علمه؛ فقها أو اصولا.  
ثم انه لو فرضنا، ان أحدا من العلماء، قد أصبح أعلم أهل زمانه في كل المعارف الدينية، فان المكلف الذي يرجع اليه في التقليد، سوف لا يمكنه ان يستفيد منه على نحو التقليد، إلا في المسائل التي ترتبط بالحلال والحرام فقط، وذلك لأنها ترتبط بالعمل (السلوك)، الذي لا يجب على المكلف أن يكون مطلعا على أدلته، أو مقتنعا بها، وأما بالنسبة للمسائل العقدية فسيكون مرجعه هذا، كأي مرجع أو عالم آخر، قد يأخذ منه المكلف وقد لا يأخذ، وذلك لأن الامور العقدية، لا تصبح عقيدة للمكلف الا فيما إذا انعقد عليها قلبه، وتم تبنيها من قبله لا على نحو الظن والإحتمال، وإنما على نحو الجزم و اليقين. 
ومن هنا، فان المكلف قد يقتنع بآراء علماء آخرين، (ولو كانوا من علماء القرون السابقة)، يختلفون مع مرجعه في تلك الآراء، فتصبح تلك الآراء عقيدة له، وسوف يصبح قوله بانه يعتقد بنفس ما يراه مرجعه في تلك المسائل، مجرد لقلقة لسان.
ولذا فان المكلف إذا أخذ من مرجعه بعض أو كل ما يعتقد به من مسائل على نحو التقليد وعدم القناعة الجازمة، فانها سوف لا تكون عقيدة له، وإذا أخذها منه عن قناعة بها وجزم، فانها سوف لا تكون تقليدا له.
ومن هنا يتضح، بان التقليد والعقيدة لا يجتمعان في أي مسألة من المسائل، فما كان منها تقليدا لا يمكن ان يكون عقيدة، وما كان منها عقيدة لا يمكن ان يكون تقليدا، ويتضح أيضا، بان المكلف سوف لا يستفيد من رجوعه الى المرجع وتقليده له، الا في مسائل الحلال والحرام فقط، حتى وان كان ذلك المرجع أعلم أهل زمانه.
وحول جواز التقليد في بعض المسائل العقدية، قال سماحته في كتابه "الفتاوى الفقهية" :ـ
ـ " إنّ المسائل العقائدية تنقسم إلى قسمين:
الأول: العقائد الأساسية: كإثبات وجود الله تعالى وتوحيده، ونبوّة الأنبياء وأصل عصمتهم، والإمامة، والمعاد ونحوها. فإنّه لا يجوز فيها التقليد، كما هو المشهور بين فقهائنا قدّس الله أسرارهم بل يجب فيها تحصيل العلم واليقين من خلال البحث والنظر....
الثاني: العقائد الفرعية: كمعرفة حقيقة الصراط المستقيم يوم القيامة وتطاير الكتب، وكذا معرفة حقيقة العصمة ومراتبها، أو أنّ النبي (ص) والأئمّة (ع) لهم ولاية تكوينية أم لا؟ وهكذا عشرات، بل مئات المسائل العقائدية الأخرى، فإنّه لا يشترط فيها النظر والاجتهاد، وإنّما يكفي فيها الرجوع إلى المتخصّصين والمجتهدين في مثل هذه المجالات، لكن بشرط حصول الاطمئنان  أي العلم العادي  من كلامهم ..." /"الفتاوى الفقهية" ج1 ص17.
ومن الغريب جدا، ان سماحة السيد، على الرغم من انه يشترط على المكلف المقلد لمرجعه (في القسم الثاني من المسائل العقدية)، ان يكون مطمئنا بالمسألة العقدية، فانه يدرجها في ضمن مسائل التقليد، دون ان يلتفت الى ان الاطمئنان بالمسأله سوف يخرجها عن كونها مسألة تقليد، إذ لا يجتمع التقليد مع الاطمئنان. 
قد يقال، كيف ان التقليد لا يجتمع مع الاطمئنان، مع اننا نعلم بان مسائل التقليد مرتبطة بالاطمئنان أيضا؟ 
والجواب: هو ان الاطمئنان المشروط في ما يرتبط بالمسائل التي يصح فيها التقليد، لا يكون متعلقا بالمسألة نفسها، وانما يكون متعلقا بكون العمل بها مبرءا للذمة، وذلك لأن الاطمئنان بنفس المسألة لا يتحقق إلا بالاطمئنان بأدلتها، فلو أخذنا كيفية الوضوء مثالا، فإن الاطمئنان المطلوب تحققه هنا لدى المكلف يكون متعلقا بكون وضوئه بالكيفية المحددة، مبرءا للذمة، ومثل هذا الاطمئنان ينشأ عن اطمئنانه بان القائل بهذه الكيفية المعينة للوضوء؛ مجتهدٌ، (أي: انه متخصص في العلوم اللازمة لاستنباط الأحكام الشرعية)، وهذا الاطمئنان الأخير لم ينشأ عن تقليده لمرجعه ولا لغيره، وانما عن أدلة مقنعة، أثبتت أهلية ذلك المجتهد للمرجعية، بل من المستحيل أن ينشأ عن التقليد، لاستلزامه الدور أو التسلسل. 
وأما الاطمئنان بنفس المسألة (الوضوء)، فلا يحصل له كمقلد، وذلك لأن مثل هذا الاطمئنان لا يحصل له الا بعد ان يطلع على الادلة ويقتنع بها، ومع افتراض قدرته على ذلك، فانه لا يكون مقلدا حينئذ، بل مجتهدا.
وعلى افتراض ان الاطمئنان الذي يشترطه سماحة السيد في تلك المسائل العقدية، لا يتنافى مع التقليد،(وهو يتنافى)، فان الاطمئنان، لا يتأتى بقرار، ولذا فلو حصل للمكلف الاطمئنان بآراء غير مرجعه، في بعض هذه المسائل العقدية، أو كلها، فانه سيكون "مقلدا"!!، لغير مرجعه فيها، حسب "نطرية سماحة السيد"!!، وستبقى دائرة "الحلال والحرام"، هي الدائرة الوحيدة، التي سيرجع المقلد لمرجعه فيها، أما المسائل العقدية، فستتبع اطمئنانه بها، وقد يرجع فيها الى علماء آخرين ربما لا يكونون من فقهاء الحلال والحرام، وحينئذ سيعود الكلام، مع سماحة السيد، في عدم انتفاع المكلف من مرجع تقليده الا في مسائل الحلال والحرام، الى نقطة البداية، وسيبقى تعريف سائر المراجع للاجتهاد على حاله، وسيعود تفسير "الماء" بعد الجهد بـ "الماء"!!
ثم انه، ماذا لو مات مرجعه، وقلد مرجعا آخر يختلف مع السابق بتلك المسائل العقدية الفرعية؟، فهل يجب على المكلف أن يغير عقيدته تبعا لمرجعه الجديد أو لا؟
فإن كان الجواب بـ "نعم"، لم تعد العقيدة عقيدة، وإن كان الجواب بـ "لا"، لم يعد الامر تقليدا.
و ماذا لو أن المرجع نفسه، قد غير بعض آرائه في بعض تلك المسائل العقدية، فهل يجب على المكلف أن يغير عقيدته أيضا أو لا؟
فإن كان الجواب بـ "نعم"، لم تعد المسألة العقدية عقدية، وإن كان الجواب بـ "لا"، لم تعد المسألة مسألة تقليد.
وبعد هذا وذاك، هل يتمكن المكلف من تغيير عقيدته، هكذا .. بجرة قلم، وبمجرد قرار ؟؟!!
انه سؤال حائر، يحتاج الى جواب شاف من قبل سماحته، ولا أظنه يفعل !!!
ولو قطعنا النظر عن كل ما مضى، وجرينا وفق رؤية سماحة السيد للاجتهاد والمرجعية، ورؤيته لإمكان التقليد في المسائل العقدية الفرعية، يمكننا ان نسأل: لماذا لا يصح للأعلم في مسائل الحلال والحرام أن يكون مقلِّدا ـ بكسر اللام ـ في المسائل العقدية الفرعية، ليكون مرجعا في الحلال والحرام ومقلِّدا في العقائد، أي: انه مجتهد متجزئ!!، فالمجتهد المتجزئ يجب تقليده (مع اشتراط الاعلمية)، في ما هو أعلم به من غيره، وبهذا يعود الكلام من جديد الى توزع الادوار والاختصاصات، فيكون للحلال والحرام مرجع، وللعقائد مرجع آخر. 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=37264
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29