• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : طرق الخلاص من المعصية .
                          • الكاتب : محمد السمناوي .

طرق الخلاص من المعصية

ذكر علماء الأخلاق طرق كثيرة للخلاص من المعصية ومن أوضح الطرق للخلاص من جذور الغفلة التي هي جزء من اجزاء العلة في الوقوع في شباك المعاصي ، تلك الطرق الواضحة التي أشار إليها الإمام الحسين (عليه السلام) عندما جاءه ذلك الرجل الغارق في الذنوب والمعاصي والشهوات ، وكان محتاجا ً إلى من ينصحه فطرق باب الامام الحسين (عليه السلام) التي هي باب الله تعالى فقام الامام الحسين (عليه السلام) 

 

وأعطاه خمسة أشياء بقوله (عليه السلام) :

((أفعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت :

فأول ذلك : لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت.

والثاني : أخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت.

والثالث : أطلب موضعا ً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت.

والرابع : إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فأدفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.

والخامس : إذا أدخلك في النار ، فلا تدخل في النار وأذنب ما شئت.

وقد أجاد العلامة حسن الرمضاني ( دام تأييده ) وهو يسلط الأضواء على هذه الحلول الخمسة التي وضعها الإمام الحسين (عليه السلام) لكل من أ ُصيب بسكرة الغفلة.

فيقول : (( لماذا ربط الإمام الحسين (عليه السلام) بين هذه الأمور وبين ارتكاب الذنوب ؟ وما هي العلامة بينها وبين الترخيص بارتكاب المعاصي ؟

فنقول :- والقول للشيخ الرمضاني إن هذا الحديث الشريف ينبه فيه سيد الشهداء (عليه السلام) هذا تنبيه لذلك المذنب على أمور إذا جعلها نصب عينه أثناء ارتكابه للذنب فإنه سوف يعرض - حتما ً- عن الذنب وبعبارة أخرى فإن الإمام (عليه السلام) ينبه هذا العاصي ويهدف إلى تحريره من أسر المعاصي وتخليصه من شرورها – إلى استحضار العقائد التي يؤمن بها وإلى نداء فطرته فالغفلة عنها هي التي توقعه في شباك الذنوب ؟ 

وبذلك فهو (عليه السلام) يبين للرجل أن هذه الغفلة هي علة وقوعه في المعاصي فإذا تحرر منها وجعل عقائده نصب عينيه استطاع الخلاص من شر المعاصي.

إن الطلب الأول الذي طلبه الإمام الحسين (عليه السلام) من ذلك الرجل العاصي هو أن يتخذ قرارا ً قبل ارتكاب المعصية وهو بأن لا يأكل شيئا ً من الرزق الإلهي.

وينبغي الآن أن نعرف سر وضعه (عليه السلام) لهذا الشرط فنقول لهذا الشأن : 

إنه (عليه السلام) يشير هنا إلى أمر فطري بديهي ، ووضع إصبعه الشريف على موضع حساس يثير الخجل والحياء في كل إنسان منصف لم يبتعد عن فطرته السليمة إذ أن كل إنسان يدرك بفطرته ضرورة الخضوع لمن يوفر له احتياجاته المعاشية فلا يسمح لنفسه أبدا ً بالقيام بعمل لا يرضاه ولي نعمته بل يسعى لإرضائه وإذا أراد – يوما ً – مخالفة أوامره والعمل لما لا يرضيه فعليه أولا ً أن يحرر نفسه من طوق إحسانه له ومنـَّـه عليه لأن الفطرة تحكم بقبح أن نأخذ منه العون بيد وتطعنه أو تصفعه باليد الأخرى)) (1).

((أما الأمر الثاني الذي طلبه الإمام (عليه السلام) من ذلك الرجل العاصي هو أن يخرج – قبل ارتكاب الذنب – من دائرة الولاية الإلهية ويحفظ وجوده خارجها ودون الاعتماد على حول الله وقوته ثم ليذنب ما شاء وليرتكب أي معصية )) (2).

((الأمر الثالث الذي طلبه الإمام الحسين (عليه السلام) من المبتلي بالمعصية ولأسير شباك الذنوب ، والقيام به قبل ارتكاب المعصية هو العثور على مكان لا يراه الله فيه ثم يرتكب ما شاء من الذنوب وفي ذلك إشارة واضحة إلى أمر فطري وبديهي آخر ينبه الإمام (عليه السلام) للعاصي وهو إن الإنسان يرى - بفطرته – أن من الواجب عليه رعاية آداب حضور من يحضر عنده واجتناب ما لا يرضاه الشخصي الحاضر دون أن يؤثر في ذلك مقام الشخص الحاضر وطبيعة كمالاته – بل يكفي مجرد حضوره في دفع الإنسان إلى الأنتباه لحاله واجتناب أي عمل لا يناسب حضوره )) (3).

قال الإمام ابو عبد الله (عليه السلام) لإسحاق بن عمار : ((يا إسحاق خف الله كأنك تراه ، وإن كنت لا تراه فإنه يراك فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك )) (4)

قال تعالى : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ))(5).

وقد ورد في الدعاء : ((وكل سيئة امرت باثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني , وجعلتهم شهودا علي مع جوارحي , وكنت انت الرقيب علي من ورائهم والشاهد على ما خفي عنهم

)) (6).

وفي دعاء أبي حمزة الثمالي : ((أي رب جللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك،

فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنك

أهون الناظرين إلي، وأخف المطلعين علي، بل لأنك يا رب خير الساترين، وأحلم

الأحلمين، وأكرم الأكرمين، ستار العيوب، تستر الذنب بكرمك، وتؤخر العقوبة بحلمك)) (7).

وإلى هذا المعنى يشير الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في مناجاته :

((كيف أنساك ولم تزل ذاكري، وكيف ألهو عنك وأنت مراقبي)) (8) .

 

وفي أدعية الأسحار في شهر رمضان وردت بعض التسبيحات كما نص المحدث القمي(طاب ثراه) في كتابه نقلا ً عن الاقبال :

((سبحان من يعلم جوارح القلوب، سبحان من يحصي عدد الذنوب، سبحان من لا يخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء)) (9).

وقد ذكر سيد الشهداء في دعائه المعروف بدعاء يوم عرفة عندما اندفع في المسألة واجتهد في المناجاة والدعاء والتضرع لله تعالى وعيناه سالتا دموعا ً و هو يقول :

((اللهم اجعلني اخشاك كاني اراك)) (10).

هكذا يجب أن نتعلم من سيد الشهداء (عليه السلام) كيفية الجلوس في حضرة الله تعالى ، وكيفية التأدب في ساحته تبارك وتعالى .

أما الخوف الذي كان يعيشه الامام الحسين (عليه السلام) في أعماقه وتلك الخشية التي لا يوجد لها مثيل حينما كان يأتي قبر جدَّته السيدة خديجة ويبكي ويناجي ربه ويصلي لله تعالى فيطيل الوقوف في الصلاة وكان يقول :

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه فارحم عبيدا إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خائفا أرقا يشكو إلى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه وغصّته أجابه الله ثم لبّاه

إذا ابتلى بالظلام مبتهلا أكرمه الله ثم أدناه

فنودي :

لبيك لبيك أنت في كنفي وكل ما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح في جوانبه خرّ صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب ولا حساب إني أنا الله(11)

وروي في الأمالي أنه عليه السلام إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه وأصابته رعدة ، ولقد انغمر في بحار العبادات حتى تحدّث بها عنه العبّاد ، وارتمس في لجّ الزهد حتى استحقرت زهدها لديه الزهّاد.(12)

أما الأمر الرابع الذي طلبه الإمام الحسين (عليه السلام) من ذاك الرجل المبتلى بالمعاصي أن يبادر إليه قبل ارتكاب المعصية هو أن يتخذ قرارا ً حازما ً بالامتناع عن تسليم روحه لملك الموت إذا جاء يقبضها عندما تدق أجراس الموت )) (13).

أما خامسا ً : فطلب الإمام (عليه السلام) من الشخص المنغمس بالذنوب والمعاصي أن يلتزم به قبل ارتكاب الذنب هو الامتناع عن دخول جهنم عندما تأتيه الملائكة الموكلين بها لإلقائه فيها.

يقول العلامة الرمضاني (دام تأييده) :

((عن فرار العاصي من جهنم يعني فراره من نفسه وامتناعه من الدخول فيها هو بمثابة الامتناع من قبول ذاته ، فإذا استطاع الفرار من نفسه ونبذ ذاته أمكنه الفرار من جهنم أو الامتناع من دخولها ، وهذا الأمر محال طبعا ً ، فلا يمكن للإنسان الامتناع عن دخول جهنم إذا كان مستحقا ً لها)) . (14)

قال تعالى :

((وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)). (15)

 

 

 

 

المصادر والمراجع :

 

1-الخطوة الأولى نحو الأفاق :ص34 ص35.

2- الخطوة الأولى نحو الأفاق: ص36 ص37.

3- الخطوة الأولى نحو الأفاق :ص43.

4-. التوبة :105

5-.اقبال الاعمال ج3: 119

6- اقبال الاعمال ج1: 118,بحار الانوارج95 : 84

7- بحار الانوار ج91: 144

8- بحار الانوارج83: 85,اقبال الاعمال ج1: 140

9-.بحار الانوارج95: 218

10-مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب 4: 69 , الخصال: 517. بحار الأنوار 46: 74 عن إعلام الورى 1: 153 والإرشاد 271. وورد بلفظ آخر في الفصول المهمة، لابن الصباغ المالكي: 201.

11-مصارع الشهداء ومقاتل الشهداء ج1 : 154

12-الخطوة الأولى نحو الآفاق ص65 /69.

13- الخطوة الأولى نحو الآفاق ص78.

14- التوبة 49 العنكبوت 54.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=37518
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19