• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : الوجه الآخر لقراءة التاريخ السياسي الحديث للعراق للكاتب رائد عبد الحسين السوداني .

الوجه الآخر لقراءة التاريخ السياسي الحديث للعراق للكاتب رائد عبد الحسين السوداني

    ليس غريباً أن نرى أكثر من قراءة لتاريخ أي أمة من الأمم إذ نرى تعدد القراءات  حسب رؤية المؤرخ الذي ربمــا يبتعد عن تاريخ الأحداث التي يسجلها , ويبـــدو أن بعضهم لايرى إلا صورة شخصه حين يؤرخ , والبعض الأخر يتبع بما يؤمــن بفكر جهة ٍ, فيقرأ التاريخ حسب هواه مما يجعله يتإمل التاريخ بالوجهــة التي ترضي تلك الجهة  سواء أكانت قومية أم فئوية أم حزبية أم سياسة حكومة معينة،  و لا سيمـا في مناهج ما بعد الحداثة ،فيُقرأ التاريخ على أنــه نص مفتــوح قابــل للتــأويل , فتكـون القرآءات متفاوتة الفهم  ومن ثم لايرقى بعضها الى الاقتراب من العقل والمنطق  . 

 

  وكتاب (حكم الأزمة )لأستاذنا الفاضل رائد السوداني الذي نراه في جزئـه الثـاني قد تجرد كثيراً مما ألمحنا إليه في السطور آنفة الذكر , والذي يهمنا قوله أنَّ الكتاب الذي بين أيدينا يُـعَـدُّ مـن المؤلفـــات المهمــة والمراجع الأساسيــة التي ينبغي على رجــال السياسة والوطنيين من أبناء البلد بل وحتى رجال المنظومات السياسية من الوطنييــن الخلَّص لبلدانهم  الاطلاع عليه ؛ ليعوا حقيقة المأسـاة التي  دهمت بلدانــهم على مدى عقود العصر الحديث فأوصلتها  إلى هذا الانحطاط  الأظلم ,

 

   أن الطاغي من الأفكار لهذا الكتاب هو ارتباط  الحكومات العراقية منذ مطلع القرن العشرين بالهيمنة الاستعمارية .

   ومــن اللآفت أنَّ الســوداني قد جعــل محور مؤلفه تحديداً ما في صفحة 177 مـن الكتاب تحت عنوان (وزارة للاستراحة ) , فالكتــاب بجزئيــه يشــير الى  الحكومات المتعاقبة على العراق بوزاراتهــا وملوكهـا ,هم صورة واهية الألوان جرداء الأُطُـر. عند من يقرأ هذا الكتاب , وقد نؤيـد المؤلف في  كثير من آراءه ,لكن الساحة أبـداً لم تخل من الأبنـاء الغيــارى الذين كانــوا يضيقـون ذرعاً بمثل هكذا حكــام على مرور الأزمان ؛ كون الحياة قد بنيت على محورين هما محور الخير , والآخر محور الشر الطاغي دوما في عالمنا (السفلي ) ونأمل من السوداني نفسه على الرغم من أنه استند على وثائق دقيقة إلا أنَّه لم يتفقد الدور الوطني الذي  قام  به رجالات العـراق الأوفياء  حينما ضحوا بالروح في سبيل وطنهم . فعلى المؤلف أن لا يجـعل الساحة خاليــة في أغلب الأحيان من التصدي كـون الحكام خانـعين مهزومين، وإن أشــار إشارات هنـا وهناك لدور الجماهير إلا أنه يقول" لم يكن لهذه الدعــوات والتحركات أي صدى في مسامع أركان السلطة " كذلك مع عبد المحسن السعدون الذي نراه شامخـاً على مدى الأجيال وجدناه في الكتاب على غير الصورة التي عرفناها عنه . 

 

   وقد يفاجأ القارئ حينما يقرأ عن عبد المحسن السعدون وهل مَن كتبَ عنه على أنه كان مرتبطا ببريطانيا وقد حقق أشياء كثيرة لها حسبمـــا تقتضيه إرادتهـــا , هو رأي صحيح أم قراءة تأويلية غير مبررة ؟, ولعل السعدون كان يهدف الى حقيقة ما تكنه نفســـه حبه للوطن وكانت الأقلام المأجورة أنذاك تحاول طمس هويته الوطنية وهذا ليس بمستبعد, وقد اعتمد السوداني هــذه المراجع التي أوَّلت الأهداف الوطنيـــة الى معانٍ رجعيـة , وربمــا كان السعدون يعمل على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وليس كما ذهب إليه المؤلف  , والذي يغري بالقول أن السعدون كان وطنياً وتمثاله شمخ وسط العاصمة بغداد ولعقود طويلة من الزمن إلى يومنــا هــذا , وإن لم يكن كذلك لماذا لم يحتج مؤرخو العراق _ وهم الأدرى _ أمــام الحكومـات  التي تدًّعي  الوطنيـة على أن السعدون لم يكن وطنياً وبالتالي يرفع نصبه من وسط بغداد , لم نسمع أو نقرأ من  المؤرخين على مدى عقود من الزمن عن عبد المحسن السعدون إلا بطـــلا بمواقفــه بمواقفه الوطنية ولو لم يكن كذلك كيف يظل تمثاله صورة من صور التحدي لمروءة المؤرخين كونهم لم ينبسوا بتصريح ضد صاحبه ، ونحن نعلم أن للعراق وعلى مدى العصور مؤرخين من الطراز الأول ؛لذا نرى مفاجأة الطرح كبيرة جدا بين ما نعرفه عن السعدون وما طرح في الكتاب .

 

    وليس لنا إلا التعليق على وزارة الاستراحة كون الفكرة الأساسيــة من هذا الكتاب مؤداها أن الحكومات ما هي إلا صورة للعبث واللهو وضياع لحقوق من يأمـــل حقه بدءً من الأجداد حتى أحفاد الأحفاد , مـن هــو المستفيد إذن الراعي أم الرعيــة وفيما يبــدو أن كليهمـــا في خســـران مبين , فالحـــاكم هــو بيدق مأمور كما يرى المؤرخ والمعاهدات هي التى كانت تسيِّر الملك فيصل وغيره من الحكام, والبرلمان هو الذي يسقط بفعل الحكومه وليس العكس , فالبلـدان المتحررة تعمــل على وفــق تحررها لا على رأي مستعبدها كما هو الحال مع البلدان المستَعمَرة.

 

   إن فكرة الكتاب تستحق لها من الجميع وقفة طويلة ؛ كونها تمثل قراءة دقيقة ووعياً صادقاً لمجريات الأحداث وما يلم بالأمة الاسلامية وعلى وجه الخصوص ما يحصل على الأراضي العربية من تهديم واضح للعيان بعدما رآى صانعوا الأزمات السياسية (المستعمرون ) تطور القوة العسكرية  والنهضوية  بمختلف المجــالات لتلـك البـلدان فما عليها إلا أن تعـلن حربها بشـكل فاضح لتسيطر على زمام الأمور وبالنتيجة تتسع دائـــرة الأزمــات السياسيــة التي أطلعنـا الســوداني على مجرياتها منــذ مطلع القرن العشرين , نتمنى لأستاذنـا رائد السوداني _ ومن القـلب _ التوفيق كـل التوفيق كونـه أضاء لنا ما لم يكن مضاءً لهذا الوعي الدقيق .        ومن الله التوفيق




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=37602
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19