• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ"من اسلام الحديث الى اسلام القرآن"ـ الحلقة السادسة .
                          • الكاتب : عدنان عبد الله عدنان .

مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ"من اسلام الحديث الى اسلام القرآن"ـ الحلقة السادسة

إضاءة: 
[ملاحظة: تتكرر هذه "الإضاءة" في كل الحلقات، من أجل إيضاح خلفية كتابة هذه الحلقات]
في شهر رمضان المبارك لسنة 1434هـ (2013م)، أطل سماحة السيد كمال الحيدري، عبر شاشة قناة الكوثر الفضائية، في لقاءات عديدة، متحدثا عن مشروع قال عنه بانه يهدف الى تصحيح عقائد الشيعة، (أو: قراءة اخرى لها)، وقد تناول ذلك تحت عنوان: " من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ولابد لي من البيان أولا، بان سماحة السيد، قد عنى بـ"الاسلام"، و "القرآن"، معناهما الاصطلاحي المعهود والمعروف لدى كافة المسلمين، وأما لفظ "الحديث"، فلم يعن به خصوص ما نقل الينا من قول المعصوم فحسب، بل عنى به ما يرادف السنة، ليشمل به كل ما نقل الينا من قول المعصوم وفعله وتقريره، وهو خلاف الاصطلاح، ولكن الامر هين، خصوصا مع احتمال ان سماحته اراد ان يحاكي جورج طرابيشي في عنوان كتابه..
ولا بد لي أيضا من التأكيد، على ان سماحته لم يقصد من مفردة السنة (أو: الحديث)؛ السنة الواقعية، وانما يقصد السنة المنقولة الينا عبر الرواة، والتي قد يعبر عنها بـ"السنة المحكية" أيضا.
وسوف احاول ان اناقش ـ بايجاز ـ بعض ما ذكره سماحته في هذه الحلقات.
 
ملخص الحلقة السادسة:
بدأ سماحة السيد الحيدري، حديثه بالرد على من يشكل عليه بانه يريد اقصاء السنة النبوية الشريفة، في فهم المعارف الدينية، فقال سماحته: يجب التمييز بين "السنة الواقعية"، وهي لا إشكال في قبولها، وبين "السنة المنقولة أو المحكية"، وهي الموجودة بايدينا اليوم، وهي التي يتشكل منها الموروث الروائي السني والشيعي، الذي يحاول العلماء ان يثبتوا صحة بعضه بـ "لطائف الحيل"، من قبيل: السند، وعلم الجرح والتعديل، وعلم الرجال، وذلك بسبب ابتلائه بعشرات الآفات والامراض، كالنقل بالمعنى، والتقطيع، وضياع القرائن، وفهم الصحابي، والدس، والتدليس، والكذب، والغلو، والتقية، والاسرائيليات، وغير ذلك.
ثم عاد سماحته الى الكلام حول دس الحديث ووضعه، وقد حاول هنا أن يجيب على مجموعة من الاسئلة، منها: ما المراد بالاسرائيليات؟،  ومتى دخلت إلى الموروث الديني؟، وما هو أثرها في الموروث الروائي؟، ومن هم رموز الاسرائيليات؟ وما هو موقف علماء الدين من ذلك؟ 
ثم استعرض عدة مصادر تتحدث عن ذلك، وقرأ منها ما يساعد على الجواب على هذه الاسئلة.
وفي إشارة منه الى العلاج، قال سماحته: ان الميزان في معرفة الصحيح من الموروث، هو: القرآن والعقل، وليس سند الحديث، إذ ان سند الحديث لا ينفعنا شيئا.
ثم تعرض الى اقطاب الموروث الاسرائيلي، ورموزه، ذاكرا منهم: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن مُنَبِّه، وابن جرير، مستعرضا لعدد من المصادر، في هذا المجال، وقال: وقد كان هؤلاء هم "العقل المكوِّن" لعقل الصحابة، ذاكرا ما قاله ابن خلدون في تحليله الاجتماعي لظاهرة أخذ الصحابة من اليهود والنصارى.
ثم حاول سماحته ان يثبت عدم صلاحية منهج العلماء في اعتبار الروايات، وعدم فاعليته في الحيلولة دون تسرب الاسرائيليات، من خلال رواية ذكرها ابن جرير الطبري في تفسيره، إذ زعم سماحته بان الشيخ الطوسي قد نقلها عنه في تفسيره، ثم نقلها الشيخ الطبرسي من تفسير الشيخ الطوسي، ولكن مع ارتكابه لخطأ في النقل، لتصبح الرواية، عنده، من الموروث الروائي الشيعي.
وقد كان هذا المقطع من هذه الحلقة، عبارة عن استدراك لما فات سماحته في الحلقة السابقة (الخامسة)، ولذلك فان مناقشتنا لهذه النقطة، جاءت في الحلقة السابقة (الخامسة)، فلا نعيد.
ثم ذكر سماحته، بان الوضّاعين، كانوا يضعون الحديث على لسان بعض الأسماء الكبيرة، من أمثال الامام علي (ع)، وابن عباس، من أجل أن يتم قبولها، ثقة بهم وتقديسا، وبذلك تخترق التراث.
ثم ذكر سماحته بان هناك من وثّقَ أمثال وهب بن مُنَبِّه، وعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ناقدا توثيقهم.
ثم تساءل عما بقي من القرآن في الحواضر العلمية والحوزات الشيعية، وقال: هل ان القرآن الكريم يُدْرَس و يُدَرّس فيها أو ان القيمة فيها لفقه الحلال والحرام، وان المرجعية فيها لفقه الحلال والحرام، وان الاموال لفقه الحلال والحرام، وان القدسية لفقه الحلال والحرام، وليست للقرآن وأهل القرآن؟
ثم وجه دعوته، للإهتمام بالقرآن.
ثم ذكر ما يقوله العلماء عن حجم الأحاديث الموضوعة، فنقَلَ عن شُعبة، الذي يوصف بانه أمير المؤمنين في الحديث، قوله: "انّ تسعة أعشار الحديث كذب"، ونقل عن الدارقطني قوله: "ما الحديث الصحيح إلاّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.".
وتعليقا، على أسئلة بعض المتصلين، عاد سماحته الى الحديث عن السنة الواقعية، والسنة المحكية، وان "العرض على الكتاب" هو الميزان في معرفة الصحيح من غير الصحيح من السنة المحكية.
وهذا هو رابط الحلقة السادسة من حديث سماحة السيد الحيدري
 
http://www.youtube.com/watch?v=HrJoh4Ixv3c 
 
 
وحيث انه لا خلاف بين العلماء، في أصل وجود الخطأ والسهو والدس والتزوير والكذب والوضع والاسرائيليات، في الموروث الروائي، فلا نقاش لنا مع سماحة السيد، في هذه الامور، وإنْ كان قد بالغ في ذلك كثيرا كثيرا، وسوف نكتفي بنقاش ما ذكره سماحته، حول النقاط التالية:ـ
الاولى: حول سبب تسرب هذه الروايات للموروث الروائي.
الثانية: حول منزلة القرآن، لدى الحواضر العلمية.
الثالثة: حول موقف سماحته من السند والسنة المحكية.
 
أولا: حول أسباب تسرب الاسرائيليات وغيرها الى الموروث الروائي:
في معرض حديث سماحته عن اقطاب الموروث الاسرائيلي ورموزه، نقل بعض العبارات من بعض المصادر، منها:    
1 ـ مقدمة ابن خلدون؛ فمنه نقل سماحة السيد بعض كلام ابن خلدون عمّن أسلم من أهل الكتاب، حيث قال:" فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم، ممّا لا تعلق له بالأحكام الشرعية، التي يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن مُنَبِّه وعبد الله بن سلام وأمثالهم فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم، في أمثال هذه الاغراض، أخبارا موقوفة عليهم، وليست مما يرجع الى الأحكام فيتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل، وتساهل المفسرون في ذلك، وملؤوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك.".
2 ـ فجر الاسلام لأحمد أمين، وقد قرأ منه سماحته مقطعين: 
الأول:ـ قوله: " وفي هذا العصر، أعني عصر التابعين، تضخم التفسير بالإسرائيليات والنصرانيات لكثرة من دخل منهم في الإسلام وميل النفوس لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية ونصرانية، وقد تتبعنا في تفسير ابن جرير كثيرا من الآيات [الظاهر: "الروايات"، وليس: "الآيات"]، التي وردت عن بني إسرائيل، فإذا بطلُ الروايةِ فيها وهب بن مُنَبِّه.".
الثاني: قوله:" ويظهر أنّه وُضِعَ على ابن عباس وعلي أكثر ممّا وُضِعَ على غيرهما ولذلك أسباب أهمها أن علي وابن عباس من بيت النبوة فالوضع عليهما يكسب الموضوع ثقة وتقديسا ."
3 ـ تفسير المنار، لمحمد رشيد، وقرأ منه بعض ما ذكره المؤلف عن كعب الأحبار ووهب بن مُنَبِّه، حيث قال:"أنّ قدماء رجال الجرح والتعديل اغترّوا بهما وعدّلوهما".
كما نقل عن بعض المصادر، توثيق عبد الله بن سلام، وابن جريح، وغيرهما، على الرغم من انهم جميعا من أقطاب الاسرائيليات، وانّ صاحب المنار يصفهم بالكذب.
 
المناقشة:
من خلال، ما ذكره سماحته ونقله من بعض المصادر، نستطيع ان نحدد بعض الاسباب المهمة التي ساعدت على تسرب الاسرائيليات الى الموروث الروائي، فمنها:
1 ـ عدم كون تلك الروايات مما يرتبط بالأحكام الشرعية، ويتضح هذا السبب من كلام ابن خلدون. 
2 ـ الشوق الى معرفة تفاصيل ما جرى على أهل الكتاب، ويتضح هذا السبب من الفقرة الاولى من كلام أحمد أمين.
3 ـ وضع الروايات على الثقات من الصحابة، ويتضح هذا السبب من الفقرة الثانية من كلام أحمد أمين.
4 ـ توثيق من لا يستحق التوثيق، ويتضح هذا السبب من كلام محمد رشيد في تفسير المنار.
5 ـ أخطاء النَسْخ والتحقيق والطباعة، واشتباه المصنف: ويتضح هذا السبب مما ذكره سماحته في رواية تفسير الطبري، وما حصل فيها من خطأ، في تفسير الطوسي، وتفسير الطبرسي، كما يتضح أيضا مما أشار اليه ابن خلدون في ذيل عبارته التي نقلها سماحة السيد، وهي قوله: "...ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك."
 
 
وبملاحظة هذه الاسباب المذكورة، وهي من أهم الاسباب التي أدت الى اختراق الموروث الإسلامي، نرى:ـ
1 ـ ان أغلب ما تناولته الاسرائيليات من مواضيع، يرتبط بالقصص وبدء الخليقة والملاحم، أما ما يرتبط بالاحكام الشرعية والعقيدة، فهو محدود جدا، بالنسبة الى مجموع الروايات الموضوعة، وذلك بسبب الإحتياط في الاحكام الشرعية، كما يقول ابن خلدون، وبالتالي فإن الخطورة المترتبة عليها سوف تكون محدودة جدا أيضا، مقارنة بما يذكره العلماء من الكم الهائل للموضوعات.
ومن هنا، فان تصوير الموضوع من قبل سماحة السيد، وكأنّ الإسرائيليات والموضوعات كلها أو أغلبها، يرتبط بالفقه والعقيدة، تصوير غير صحيح، وفيه الكثير من المبالغة والإثارة، ولو كان سماحته قد تفضل علينا بأمثلة قوية وواضحة، لاختراق الاسرائيليات، للعقيدة والفقه، بدلا من تلك المبالغات والانفعالات والتهجمات، لخدم مشروعه بقوة، ولقدّم خدمة جليلة، للدين والمذهب والأمة، ولكن، أنّى له ذلك، ولذلك تراه قد عمد الى ما لا يغني ولا يسمن.
2 ـ مع كون ما موجود من موضوعات واسرائيليات وغيرها، في الموروث الروائي الشيعي، قد تسرب أساسا من الموروث الروائي السني، فهذا يعني بان ما تسرب الى الموروث الشيعي (وهو مقصود سماحة السيد في التنقية)، من تلك الموضوعات وغيرها، في مجال العقيدة والفقه، أقل من ذلك القليل الذي تسرب الى الموروث السني، بسبب الضوابط التي يضعها علماء الشيعة في إعتبار الروايات أو نقلها، فلا داعي لتضخيم المسألة.
3 ـ إن عدم موثوقية الراوي، كان من العوائق التي تحول دون تسرب الرواية وترويجها، ولذا فان الوضّاعين، كانوا يحاولون التغلب على هذه المشكلة، من خلال وضع الروايات على الثقات، بل على أفضل الثقات، كالإمام علي (ع)، وابن عباس، وهذا يدل على انّ السند، كمعيار أساس في اعتبار الرواية، كان معتمدا من قبل الصحابة والتابعين، وإنّ عدم مخالفة الرواية للقرآن لا يمكن ان يكون كافيا لثبوت الصدور، فلو كان ذلك كافيا، لما حرص الوضّاعون على مراعاة السند، في أعلى درجاته الممكنة لهم، ولما حرص المحدثون على مراعاته أيضا، ومن هنا  فان سماحة السيد عندما يقول ان "السند لا ينفعنا شيئا"، فانه يكون قد جانب الصواب وخالف الواقع، ولذا فمن اللازم ان تكون للسند أهمية عالية عندنا أيضا، وأنْ يشكّل معيارا أساسيا في منهجنا في التعاطي مع الموروث، كما كان معيارا عند الصحابة والتابعين في التحمّل والنقل، وكما هو معيار لدى العقلاء قاطبة، ولا يصح التعامل معه على انه لا ينفع في شيء، وسيأتي نقاش هذه النقطة لاحقا.
4 ـ ان السبب الرئيس لتسرب الاسرائيليات والموضوعات، هو توثيق من لا يستحق التوثيق، بل توثيق الكذّابين والوضّاعين أيضا، وبهذا يتضح انّ تسرُّبَ مثل هذه الروايات الى الموروث الروائي، ليس بسبب اعتماد السند كمعيار إضافي في اعتبار الرواية، بقدر ما هو بسبب توثيق غير الموثوقين، إذ كيف تكون المشكلة في اعتماد السند، مع كونه معيارا آخر يضاف الى معيار عدم مخالفة الرواية للقرآن الكريم، فإنْ لم ينفع فهو لا يضر جزما، كما سيأتي إيضاحه، ولذا فانّ إلغاء السند كمعيار أساس في اعتبار الروايات، ليس فقط لا يساعد على تنقية الموروث الروائي، بل انّ إلغاءه يعني فتْحَ بابٍ آخر لتسرّبها.  
5 ـ انّ أخطاء النسْخ والتحقيق والطباعة، ليست من الكثرة، والخطورة، وعدم الوضوح، بحيث تؤدي الى انحراف فكري أو سلوكي، ولهذا، فان سماحة السيد عندما أراد ان يثبت تسرّب الاسرائيليات الى الموروث الشيعي، فانه لم يأت بمثال ذي بال، ومع ذلك فان ما تفضل به سماحته في هذا المجال، يدعو الى التداعي لبذل المزيد من الإهتمام والدقة في التحقيق والطباعة، غير ان هذا لا يصح ان يسمى حركة تصحيحية للفكر والعقيدة. 
 
ثانيا: حول منزلة القرآن الكريم في الحواضر العلمية.
وتعليقا، على بعض عبارات أحدى خطب أمير المؤمنين (ع)، التي قرأها سماحة السيد من شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، قال سماحته: "تعال انظر الآن أن في الحواضر العلمية ماذا بقي من القرآن، في الحوزات العلمية الشيعية؟ ماذا بقي من القرآن؟ هل هو يُدْرس؟ هل يُدَرّس؟ هل يكتب؟ هل يعطى له القيمة؟ أو أن القيمة لفقه الحلال والحرام؟ وأن المرجعية لفقه الحلال والحرام؟ وأن الأموال لفقه الحلال والحرام؟ وأن القدسية لفقه الحلال والحرام؟ لا لأهل القرآن، لا لأهل القرآن.".
 
المناقشة:
يحاول سماحة السيد، في أي فرصة سانحة، ان يقول ان الآخرين قد أهملوا القرآن أيما إهمال، ويؤكد دوما بانه يريد ان يعيد الى القرآن اعتباره وشأنه، في حركة تصحيحية للعقيدة والسلوك، من خلال الدعوة الى ما أسماه بمنهج "إسلام القرآن"، القائم على ما أسماه بـ "محورية القرآن ومدارية السنة"، بدلا من المنهج الحالي المعتمد في استنباط المعارف الدينية، والذي يقول عنه بانه يجعل المحورية للحديث، وليس للقرآن.
وقد ادعى سماحته بان العلماء الاصوليين والاخباريين، قاطبة، قد أقصوا القرآن، عن عملية الاستنباط، إما بإقصاء القرآن اقصاءا مطلقا، كما هو منهج الاخباريين، أو بحصر دوره في حال تعارض الروايات، ناقلا بعض عبارات الإمام الخوئي (قده) في هذا المجال، في الحلقة الاولى من هذه الحلقات، وقد أبطلنا هذا الادعاء هناك. 
وحديث سماحة السيد هنا لا يخرج عن هذا الاطار، ولما كانت هذه النقطة هي الركيزة التي يعتمد عليها مشروعه الذي يروّج له، فمن المفيد جدا، أنْ نتناولها هنا أيضا، فانهيار هذه الركيزة الاساسية في ما يدعو اليه، يعني انهيار كل مشروعه. 
فنقول هنا ونذكّر بان سماحة السيد لم يكن أمينا في ذلك النقل، أو لم يكن موفقا في ذلك الفهم !!.. 
فلا المنهج الاخباري يقصي القرآن عن عملية الاستنباط مطلقا، أولاً. 
ولا المنهج الاصولي، يجعل دور القرآن دورا ثانويا في عملية استنباط المعارف الدينية، بحيث لا يتم الرجوع فيه الى القرآن الا بعد حصول التعارض بين الروايات، ثانياً. 
ولا الذي نسبه الى الإمام الخوئي (قده)، كان صحيحا، ثالثاً.
وسنكتفي هنا، بالحديث على النقطة الثالثة، الذي هو حديث عن النقطة الثانية أيضا، باعتبار ان سماحة السيد ساق عبارة الإمام الخوئي، كمثال على منهج الاصوليين.
ولكي تتضح الصورة، نعود الى الحلقة الاولى من برنامج سماحة السيد الحيدري، والى نفس المصدر، ونفس الصفحة التي نقل سماحته كلام الإمام الخوئي منها، وهي ص 453 من الجزء الثالث من كتاب مصباح الاصول، للإمام الخوئي (قده)، لنرى بان الإمام الخوئي يقول:ـ
ـ (( أنّ الأخبار الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب والسنّة على طائفتين :
الطائفة الأُولى : ما ذكره "قدس سره" من الأخبار الدالة على أنّ مخالف الكتاب زخرف أو باطل أو اضربوه على الجدار، إلى غير ذلك من التعبيرات الدالة على عدم الحجية، وأنّ حجية الأخبار مشروطة بعدم كونها مخالفة للكتاب والسنّة، والمراد من المخالفة هي المخالفة بنحو لا يكون بينها وبين الكتاب والسنّة جمع عرفي، كما إذا كان خبر مخالفاً للكتاب أو السنّة على نحو التباين أو العموم من وجه. وأمّا الأخبار المخالفة للكتاب أو السنّة بالتخصيص أو التقييد، فليست مشمولة لهذه الأخبار، للعلم بصدور المخصص لعمومات الكتاب والسنّة والمقيد لاطلاقاتهما عنهم "عليهم السلام" فانّه لم يذكر في الكتاب إلاّ أساس الأحكام، كقوله تعالى: ( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)  وأمّا تفصيل الأحكام وموضوعاتها وتخصيص عموماتها وتقييد مطلقاتها ، فهو مذكور في الأخبار المروية عنهم "عليهم السلام".
وإن شئت قلت: ليس المراد من المخالفة في هذه الطائفة هي المخالفة بالتخصيص والتقييد، وإلاّ لزم تخصيصها بموارد العلم بتخصيص الكتاب فيها، مع أنّها آبية عن التخصيص كما تقدّم. وبالجملة: الأخبار المخصصة لعمومات الكتاب أو المقيدة لاطلاقاته لا تكون مخالفة له في نظر العرف، بل قرينة على المراد منه .
الطائفة الثانية: الأخبار الواردة في مقام ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الآخر، كقوله "عليه السلام": " إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه . . ." إلخ وحيث إنّ هذه الطائفة من الأخبار واردة في بيان المرجح لأحد الخبرين المتعارضين على الآخر، قدّم الإمام "عليه السلام" في المقبولة الترجيح بالشهرة على الترجيح بموافقة الكتاب، وإلاّ لم يكن وجه للتقديم، إذ لو كان المراد بيان المميّز للحجة عن اللاّحجة، لكان الخبر المشهور المخالف لعموم الكتاب غير حجة في نفسه، فكيف قدّمه "عليه السلام" على الشاذ الموافق لعموم الكتاب، كما هو مقتضى إطلاق المقبولة.
والمراد من المخالفة في هذه الطائفة هي المخالفة بنحو التخصيص والتقييد، فمفادها أنّه إذا ورد خبران متعارضان وكان احدهما موافقاً لعمومات الكتاب أو إطلاقاته وكان الآخر مخالفاً لها، يجب ترجيح الخبر الموافق على الخبر المخالف.)).
هذا هو كلام الإمام الخوئي (قده)، بهذا الشأن، في تلك الصفحة، ولكن سماحة السيد الحيدري، ومع شديد الاسف، بتَرَ كلام الإمام الخوئي، ولم ينقل منه الا هذه العبارة، فقط:ـ 
" ما ذكره (قدس سره) من الأخبار الدالة على أنّ مخالف الكتاب زخرف أو باطل".
رابطا، بغرابة منقطعة النظير، بينها وبين العنوان الفرعي الذي جاءت تحته هذه العبارة، ليستنتج: انّ الإمام الخوئي، لا يرجع الى القرآن، الا في حال تعارض الروايات مع بعضها !! دون أن يشفع للإمام الخوئي شيئا مما صرح به من عبارات، ولا السبب الذي من أجله أورد تلك الروايات تحت ذلك العنوان، ولا اطلاق الروايات التي أوردها في نفس الموضع.
فلو قطعنا النظر عن كل ما قاله الإمام الخوئي بهذا الشأن، من كلام واضح وصريح، في هذا الكتاب وغيره من كتبه المختلفة، وقصرنا النظر على اعتباره (قده) للرويات التي تصف ما خالف القرآن بانه زخرف وباطل، وما هي عليه من اطلاق، لاستنتجنا، بسهولة ووضوح، بانه (قده) يقول بعدم حجية ما خالف القرآن رأسا، وذلك لانّ العبرة تكمن في إطلاق الرواية، وليست في الباب الذي وردت فيه، كما هي العبرة بإطلاق اللفظ، وليست بخصوص السبب الذي وردت بشأنه.
وعلى كل حال، فلم يقرأ سماحة السيد الحيدري، من كلام الإمام الخوئي (قده)، في تلك الصفحة، الا تلك العبارة التي ذكرناها، في أعلاه، ولو قرأ سماحته الجملة التي بعدها فقط، لكان ذلك كافيا لمعرفة رأي الإمام الخوئي (قده) بوضوح، ولكنه لم يفعل، وهو أمر غريب يحتاج الى تفسير مقنع من سماحته.
فالإمام الخوئي يقول بكل وضوح، ان الرواية التي تخالف القرآن مخالفة تامة، تكون ساقطة عن الحجية والاعتبار، وهي باطلة، ولذا فلا مجال لافتراض تعارضها مع رواية اخرى، لكي يصار ـ بعد ذلك ـ الى عرضهما على القرآن، من أجل الترجيح بينهما، ليقال بان الإمام الخوئي لا يرجع الى القرآن إلاّ في حال تعارض الروايات مع بعضها.
فهل هناك ما هو أوضح وأصرح من هذا الكلام في جعل المحورية للقرآن، وليس للروايات؟
وهل يبقى لتساؤلات سماحة السيد عن منزلة القرآن في الحوزات العلمية، أي مبرر أو معنى؟
وهل عثر سماحته في تصنيفات علمائنا ومؤلفاتهم، على ما يخالف القرآن، في العقيدة أو في الفقه، بسبب ما يفترضه من اقصائهم للقرآن؟
بالتأكيد، انه لم يعثر حتى على ما يمكنه أنْ يوظّفه في هذا المجال، ولو عثر على شيء ما، لملأ الدنيا صراخا، ولما اضظر للإتيان بأمثلته الهزيلة وغير الناهضة، للاستدلال على عدم صلاحية منهج العلماء في حماية السنة وصيانتها من الاختراق.
 
ثالثا: حول موقف سماحته من السند والسنة المحكية:
وحول هذه النقطة قال سماحته: يحاول البعض أنْ يقول انّ المشروع الذي يطرحه السيد الحيدري مشروع يحاول أن يقصي السنة ودورها في فهم المعارف الدينية. وهذه الدعوى باطلة وكررتها مرارا، وقلت: أننا لابدّ أن نميز بين "السنة المحكية" و"السنة الواقعية" الصادرة من النبي والأئمة، فهذه السنة الواقعية لا إشكال في قبولها، ولكن الموجود بأدينيا ليس هي السنة الواقعية الصادرة عن النبي والأئمة، وإنّما هي "السنة المنقولة إلينا" أو "السنة المحكية" ألتي حاولنا أن نثبت أو نصحح بلطائف الحيل، من قبيل السند وعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال، رواية واحدة، وإلّا فان آفات السنة المنقولة إلينا  فوق حد الإحصاء، كالنقل بالمعنى والتقطيع والضياع وفهم الصحابة والدس والتدليس والكذب والغلو والتقية والإسرائيليات .... وعشرات الآفات والأمراض التي ابتليت بها السنة المحكية الموجودة بأيدينا، يعني: الموروث الروائي عند أهل السنة والموروث الروائي عند الشيعة.
وقال في موضع آخر: " واحدة من أهداف هذا البرنامج، نريد أن نقول لا تقولوا قال البخاري، وقال مسلم، قال أحمد، قال الطوسي، قال المفيد، قال العلامة، قال المجلسي، قال قال قال، مع حذف قال من هو. نعم ، قولوا: قال الله، قال رسول الله، إذا ثبت أن رسول الله قال .. قال الصادق، إذا ثبت أن الصادق قال، لا أنّه وضع على لسان الصادق، نعم هؤلاء هم المقدّسون أمّا غيرُهم فهي آراء اجتهادية وهذا ما أشرنا إليه مرارا وتكرارا أنّه لا قداسة لغير المعصوم "
وفي معرض إجابته، على سؤال أحد المتصلين، قال سماحته: "أنا لا أقول أن الإمام الصادق إذا قال شيئا، أقول له: يا ابن رسول الله أين كلامك من كتاب الله؟، لا أقول إذا قال لي رسول الله؛ يا رسول الله ما هو دليلك؟ بل أقول هذا الذي يقول: "قال رسول الله"، فمن يقول أنه صادق؟ فنحن هنا نميز  بين "السنة الواقعية" و "السنة المحكية"، فالذي لا يفارق القرآن هي السنة الواقعية لا السنة المحكية.".
وفي إطار  التمييز بين ما هو صحيح، وما هو غير صحيح، من الموروث الروائي قال سماحته: نحن نعتقد أن الميزان في ذلك، هو القرآن والعقل، وليس سند الحديث، فسند الحديث لا ينفعنا شيئا.
وفي حلقات اخرى، من هذا الرنامج، ذكر ضابطين آخرين في هذا المجال، هما: العرض على المسلمات التاريخية، وعلى ما توصل اليه العلم من حقائق في مجال العلوم الطبيعية.
 
المناقشة:
لابد لي أولا، من أن اُنبّه على وصف سماحته للعلوم المعتمدة والمعاييير المقررة لاعتبار الرواية، بانها "لطائف الحيل"!!!، دون أن اُعلق عليه.
وأما ثانيا، فقد تناولنا حديث سماحته عن القداسة، في الحلقة الرابعة، فلا نعيد.
وأما ثالثا، فبدلا من ان يجهد سماحة السيد نفسه، ويستثمر الوقت، في بيان ما تسرب الى الموروث الروائي الشيعي بسبب ما يزعمه من اتّباع العلماء لمنهج خاطئ في اعتبار أو عدم اعتبار الروايات، وبيان فاعلية منهجه في تنقية الموروث، وهو مورد الخلاف بينه وبين سائر العلماء في هذا المجال، نراه يجهد نفسه كثيرا، من أجل ان يثبت ان في الرواة وضّاعين وكذّابين ومُدلّسين، وأن في الموروث الروائي، ما هو موضوع ومدسوس وغير ذلك، على الرغم من ان هذا من البدهيات التي يعرفها أبسط طلبة العلم، بل ربما عموم الناس، ولذا فان إثباته لا يحتاج الى أي جهد أو حماس، إذ لا خلاف مع سماحته فيه ولا جديد، وإن حاول سماحته ان يظهر الأمر وكأنّه "سبق علمي". 
فحتى اولئك الذين يعتقدون بوجود كتب حديثية صحيحة كلها، يقولون بوجود الوضع وغيره في غير تلك الكتب الصحاح عندهم، فالجميع يتفق، إجمالا، مع سماحة السيد في هذه النقطة، ولا يختلف معه أحد فيها، الا من حيث ما يظهره سماحته من مبالغة كبيرة في مقدار ذلك في الموروث الشيعي، ولكن هذا الاختلاف سهل، مع وجود الضوابط اللازمة لتمييز الغث من السمين منه.
كما لا يختلف أحد مع سماحته، في وجوب تنقية هذا الموروث، من خلال اعتماد ضوابط متينة، ومعايير دقيقة في إعتبار أو عدم اعتبار الروايات. 
غير ان سماحة السيد، لم يقف عند هذا الحد، وإنما ذهب ليهاجم منهج العلماء في تنقية الموروث الروائي، باعتباره لا يجعل القرآن محورا في التنقية والاستنباط، ويكتفي بدور ثانوي له، يتمثل بالرجوع اليه عند تعارض الروايات فقط، أما مع عدم تعارض الروايات فلا رجوع اليه.
وقد أثبتنا قبل قليل عدم صحة هذا القول. 
وكنا قد أوضحنا، في الحلقة الاولى، انّ محورية القرآن في اعتبار الروايات واستنباط المعارف الدينية، لدى العلماء، ثابتة بوضوح، ومصرح بها عندهم بمختلف العبارات.
ويأتي سماحته، بعد ذلك، ليقول، انّ الميزان المعتمد لديه في تنقية الموروث، يعتمد على مضمون الحديث فحسب، إذ يصار الى عرض مضمونه إما على القرآن، أو على العقل، أو على المسلمات التاريخية، أو على ما أثبتته العلوم الطبيعية من حقائق، أما السند فلا ينفعنا شيئا !!
فإذا كان مضمون الرواية قرآنيا (دينيا)، يتم عرضها على القرآن، فإن خالفته يُضرب بها عرض الجدار، وان لم تخالفه، فهي معتبرة !!
وإذا كان مضمون الرواية عقليا، فانها تُعرض على ما يحكم به العقل الصحيح، فان عارضته، فهي غير معتبرة، وان وافقته فهي معتبرة.
واذا كان مضمون الرواية تاريخيا، فانها تعرض على المسلمات التاريخية، فإن وافقتها فهي معتبرة، وإلا فلا.
وإذا كان مضمون الرواية يرتبط بالعلوم الطبيعية، فانها تُعرض على ما ثبت من حقائق علمية في تلك العلوم، فان وافقتها فهي معتبرة، والا فلا. 
أما السند فليس له من قيمة تذكر عند سماحته،  و " لا ينفعنا شيئا " !! على حد تعبيره في هذه الحلقة.
وليس هناك من كلام، مع سماحته، بشأن الروايات التي تتناول قضايا عقلية، أو أحداث تاريخية، إجمالا، أو علوم طبيعية، وإنما الكلام في الروايات ذات المضمون القرآني (الديني). 
فمنهج السيد المقترح، في تنقية الموروث المرتبط بالمسائل القرآنية، يتمثل بعرض مضمون الرواية على القرآن، فإن عارض مضمونها القرآن، فهي ساقطة عن الاعتبار، وإلا فهي معتبرة، هذا من الناحية العملية، أما ما يفترضه من قرائن، يعتمد عليها لاعتبار الرواية، فهي أشبه بالوهم، وقد قال في هذا الاطار، في"مفاتيح عملية الاستنباط": (( إننا بعد أن أسقطنا مسألة المنهج السندي [يعني: منهج العلماء في اعتبار الروايات] وأننا لا نقبله بالضرورة أن يكون منهج سندي حرفي، ينفتح لنا الباب لجمع القرائن لا على مستوى الروايات الواردة عن طرقنا في كتبنا وإنما نتحول إلى مصادر الآخرين وإلى الكتب الحديثية التي وردت عن الآخرين, هذه المصادر أيضاً معينٌ جيد ومنبعٌ جيد لجمع القرائن, لا يتبادر إلى الذهن لابدَّ أن نسقطها عن الاعتبار, واطمأنوا أن منهج علمائنا القدماء أو الأقدمين أو لا أقل قبل أربعة قرون، خمسة قرون كان هذا هو المنهج, ولذا أنتم تجدون في كتبهم أنهم كانوا يستندون إلى كلمات الآخرين, ينقلون روايات ماذا؟ روايات الآخرين, مع الأسف الشديد أنه في هذا القرن أو القرنين الأخيرين لأسباب متعددة أدّى ذلك إلى انكفاء الحوزات العلمية على نفسها وعدم التواصل مع الفكر الآخر.)). / مفاتيح عملية الاستنباط  218.
فهذا هو منهج سماحة السيد الذي يبشر به، وهذه هي الأبواب التي يبني آمال تصحيح عقائد الشيعة وأحكامهم، على انفتاحها له أو انفتاحه عليها، وهذا هو أساس القرائن التي يريد لها ان تؤدي به الى ثبوت الصدور، وهو: رواياتُ الآخرين، غثّها وسمينُها طبعاً، إذ لا قيمة للسند، حسب المنهج الذي يسوّقُ له سماحته !!
وأما سائر العلماء، فيضيفون الى هذا المعيار (أي: معيار عدم مخالفة كتاب الله) معيارا آخر، إذ يشترطون سلامة سندها أيضا، فلكي تكون الرواية معتبرة عندهم، لابد وان يكون سندها خاليا من أي راوٍ من الروارة غير الموثوقين أو المجهولين، وأن تكون غير مخالفة للقرآن من حيث المضمون، فإنْ فقدَتْ أحدَ الأمرين، لم تكن محل اعتبار عندهم، فهم ينظرون الى الرواية من زاويتين؛ إحداهما: الدلالة (المضمون)، والاخرى: السند، وأما سماحة السيد فينظر اليها من حيث الدلالة فقط.
نعم، هناك من القرائن التي يمكن لسماحته ان يلاحظها في هذا المجال، غير انّها لا ترتقي الى مستوى  عامل العرض على القرآن، كما ان لسائر العلماء من العوامل الاخرى التي لا ترتقي الى مستوى العاملين المعتمدين عندهم.
ومن هنا يتضح ان منهج العلماء أكثر فاعلية وقدرة، على تنقية الموروث الروائي من الإسرائيليات وغيرها، من منهج سماحة السيد المقترح، لأن منهجهم يعتمد على معيار إضافي، وهو سلامة السند.
وتجدر الاشارة هنا، الى ان ما لا يخالف القرآن من الروايات ضعيفة السند، ربما يُقبلُ مضمونُها، من قبل سائر العلماء، ما لم يكن هناك ما يمنع من ذلك، من فقه أو عقيدة أو حكم عقلي، مثلا.  
وعلى ضوء منهج سماحة السيد في اعتبار الرواية، نود أن نتساءل عن موقفه في هذه الحالات:ـ
1ـ ألم يكن اعتناء كل المحدثين (سنة و شيعة)، بالسند، في الحفظ والتصنيف، يدل على ضرورته، فضلا عن أهميته ونفعه، لدى كل العلماء؟ 
وما الذي سيكون عليه موقف سماحة السيد فيما لو انّ كل المحدثين كانوا يرون ان السند "لا ينفعنا شيئا"، فنقلوا لنا مرويّاتهم كلها بلا اسناد، وأصبح كل الموروث الروائي الموجود بين يدي سماحته اليوم، بلا سند أصلا ؟، فما الذي سيفعله سماحته ـ إذن ـ في مثل هذا الموروث، وفيه ما فيه من الموضوعات والإسرائيليات والمكذوبات والمدسوسات وغيرها؟!!
ومن هنا، فانا أقترح على سماحة السيد، ان يكفَّ عن الحديث عن منهج العلماء، ولْيكرّسْ جهوده وأوقاته في تطبيق منهجه تطبيقا عمليا، فيكلّفَ طلبته وبعض مريديه و مؤيدي طريقته، ان ينقلوا له كل روايات الموروث الإسلامي (شيعيّهِ وسنيّهِ، صحيحِهِ وسقيمِهِ)، في كتبٍ خاصةٍ به، دون أسانيد .. نعم، دون أسانيد !!، ثم يتفضل علينا بتنقيته وباستنباط مختلف المعارف الدينية منه، فهذا هو التطبيق العملي والموضوعي لمنهجه المفترض، ويستحق منه كل الجهد والوقت، فلا يضيعهما في غير ذلك، وهذا هو الاسلوب الأمثل الذي يحقق له تطبيقا أميناً وموضوعيا لمنهجه، ويجعله قادرا على التخلص من الأسانيد فعلا، ومن تأثيراتها النفسية واللاشعورية، حين التنقية والاستنباط، لتنعم الامة، بثمار حركته "التصحيحية" هذه، من خلال ما يخرج به إليها من حصيلة و"دين". 
2 ـ لمّا كان بعض مؤلفي الكتب الحديثية عندنا، (وهو بالمكانة التي يعرفها سماحة السيد له)، يقول: انّ ما فيها من روايات ثابتُ الصدور، لأنّه قد أخذها من الأُصول الثابتة النقل عن الأئمّة (عليهم السلام)، ولمّا كانت تلك الكتب قد ثبتت عندنا، ووصلت الينا بالتواتر، فلماذا لا يكون هذا كافيا، لدى سماحة السيد أيضا، للقول بانّ ما فيها ثابتُ الصدور، فقولُ اولئك العلماء الأجلّة شهادةٌ قويةٌ جدا وحقيقية، تغنيه عن قرائن يفترضها هو افتراضا.
3 ـ إذا كانت الرواية واردة في الأحكام الشرعية، من عبادات أو معاملات، وكانت ضعيفة السند، ولم تكن مخالفة للقرآن الكريم، فأوجبَتْ شيئا أو حرّمتْ شيئا، فهل ان سماحته سوف يفتي بمضمونها، مرجّحاً إياها على أصالة البراءة؟
فإن أجاب بـ "نعم"، فقد أخل بمنهجه القائم على أصالة البراءة، وعلى ان الاصل في الاشياء الإباحة، وإن أجاب بـ"لا"، فقد أخل بمنهجه المقترح الذي يروّج له، وانسجم مع سائر العلماء في منهجهم في التعاطي مع الموروث الروائي.
4 ـ ألا يكون اصرار سماحته، على ان حديثه إنما يرتبط بالسنة المحكية وليس بالسنة الواقعية، تلاعبا بالالفاظ ؟! فهل بين أيدينا اليوم من السنة شيء غير السنة المحكية الحاوية على الكثير من السنة الواقعية جزما؟ ولذا فإن حديث سماحته عن السنة المحكية ككل، بإسلوب معين، سوف يشمل السنة الواقعية حتماً.
وهل ان ما يوافق القرآن في رأي سماحته، سوف يصبح من السنة الواقعية، أو انه يبقى في دائرة السنة المحكية؟
فإن جازف بالقول الاول، فالأمر خطير، وإن ذهب الى القول الثاني، فانه سيُضطر الى العودة الى منهج العلماء، لتقسيم الموروث الى ما هو حجة، وما هو ليس بحجة، وسيكون كلامه بشأن تمييز "السنة الواقعية" عن "السنة المحكية"، وما يرتب على ذلك من آثار، مجرد كلامٍ، بل وهْمٍ.
كما انني لا أدري ما الذي يريده سماحته، من قوله: "لا تقولوا قال فلان أو فلان، بل قولوا: قال الله، قال رسول الله، إذا ثبت أن رسول الله قال، [وقولوا] قال الصادق، إذا ثبت أن الصادق قال، لا أنّه وضع على لسان الصادق". 
فإنْ كان يعني بقوله "ثبت": "الحجية"، فلا خلاف معه، حينئذ، وسيكون الكلام معه بعد ذلك في المنهج المتبع لبيان ذلك، وأما إنْ كان يعني به: "الثبوت الواقعي" أي:"السنة الواقعية"، فهو مشكل، بل هو خطير، وهو ليس ببعيد من سماحته، بعد أنْ صدَمَنا بالكثير من غرائبه، خصوصا، وانه يتجنب لفظ "الحجية" في أحاديثه هذه، ويقول: "لا أقول إذا قال لي رسول الله؛ يا رسول الله ما هو دليلك؟ بل أقول هذا للذي يقول: "قال رسول الله"، فمن يقول أنه صادق؟ فنحن هنا نميز  بين "السنة الواقعية" و "السنة المحكية"، فالذي لا يفارق القرآن هي السنة الواقعية لا السنة المحكية.". 
فهل ان سماحة السيد يريد ان يقول ان ثبوت صدق الراوي ـ الذي يتحقق لدى سماحته، كما يبدو، بعدم مخالفة الرواية للقرآن ـ يجعل من مضمون الرواية  سنة واقعية ؟؟؟!!!! 
بل انه يقول، في"مفاتيح عملية الاستنباط": (( إنّ المنهج السندي [يعني منهج العلماء] يدور مدار أن الرواية حجة أو أن الرواية ليست بحجة, وهذا بخلاف منهج جمع القرائن [يعني منهجه] فإنه يدور مدار صدور الرواية عن المعصوم وعدم صدورها، وكم فرق بين النتيجتين, الحجية لا تلازم الصدور, كما أن عدم الحجية لا تلازم عدم الصدور, ولكنه في منهج جمع القرائن نحن لا نبحث عن الحجية وعدمها، ماذا تنفع الحجية وعدمها؟ وإنما الذي نبحث عنه أن هذه الرواية بحسب مجموعة القرائن صادرة أو ليست صادرة؟ ))./ مفاتيح عملية الاستنباط / ص 156.
وتعليقا على قول سماحته: "ماذا تنفع الحجية وعدمها ؟"، في هذا المقطع الاخير من كلامه، أقول: انّ براءة الذمة تدور مدار الحجية، وهي (أي: براءة الذمة) مبتغى المؤمنين، أصابوا الواقع أم لم يصيبوه، أما ادعاؤه انّ وجود القرائن يفيد إثبات الصدور، فهو مجرد كلام، بل مجازفه، فإثباته دونه خرط القتاد، كما انّ عدم وجود قرائن، لا يدل على عدم الصدور أبدا، ولا يبرر الحكم به، فهو مجازفة اخرى؟
نعم، لو قيل انّ وجود القرائن يفيد الحجية، وعدمها يفيد عدم الحجية، لكان وجيها من هذه الجهة.
5 ـ إذا كان سماحته يعتبر ان رجوع الإخباريين الى الروايات في فهم القرآن، يعني إقصاء القرآن عن استنباط المعارف الدينية، إقصاءاً كاملا، فلماذا لا يكون رجوعه هو الى القرآن الكريم في اعتبار السنة المحكية، إقصاءاً كاملا للسنة المحكية؟! وهذا يعني إقصاءاً كاملا للسنة الواقعية أيضا، وذلك لأن طريق الوصول الى السنة الواقعية منحصر في السنة المحكية، فنفس جواب سماحته هنا يكون جوابهم هناك.
 
adnan5851@yahoo.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=37842
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16