قرأت أن في إحدى مدننا , يريدون تغيير مجرى النهر لشق طريق؟!!!
فتعجبت من الخبر , لأنه يشير إلى آلية تفكير غريبة , وإقتراب حجري جامد عتيق ومتطرف من الحالة التي يراد التعامل معها؟!!
فلا يوجد في تأريخ البشرية , أن مجتمعا أو شعبا , قد غير مجرى نهر لشق طريق!!
فالبشرية تحفر الأنفاق في الجبال , وتمد الجسور فوق البحيرات والأنهار , بل وتشق طرقاتها تحت المياه , وإذا لم تصدقوا , فزورا اليابان والصين , وغيرها من دول العالم الوعرة الطبيعة , فستجدون كم من الأنفاق تمر تحت المياه , والجسور فوقها , وغير ذلك من إبداعات التواصل والتفاعل الحضاري!
والشعوب لا تغير مجرى الأنهار , لأن الأنهار أبهار ( من الشريان الأبهر) الطبيعة وشرايين الحياة!
والذي يتعدى على النهر , يتعدى على الحياة والتأريخ ويعدم الطبيعة , ويغير البيئة ويقتلها بعجزه وجهله.
إن هذا النوع من التفكير يدل على عمق المأساة التي يعيشها مجتمعنا, ويؤكد أن قدرات التفاعل المعاصر مع المشاكل والتحديات لا وجود لها على الإطلاق , وأن إقتراباتنا إنفعالية غابية تدميرية وإجتثاثية إمحاقية لا غير.
فلكي نفعل شيئا لا بد من إلغاء شيئ آخر , ولكي يحكم الحزب يجب أن يقهر ويلغي الأحزاب , ولكي نبني لا بد أن نهدم , وهكذا هو سلوكنا المؤلم العليل , حيث تنطبق هذه الآلية التفكيرية على جميع مناحي الحياة في البلاد.
إن عقلية تغيير مجرى النهر لشق طريق , هي السائدة في حياتنا , ولهذا فأننا لن نتقدم , ولن نعاصر , ولن نأتي بما هو نافع للوطن والإنسان!
ذلك أن المنظار الذي نقترب به من المتغيرات المحيطية , عدساته مشوهة ولا يمكنه أن يرى إلا صورا مضطربة الملامح , تدعونا للتوهم بأننا نرى.
ولا يُعرف هل أن هذا القرار , كان قرارا هندسيا فنيا , أم أنه قرار أناس متغابين جاهلين , معتقين في صناديق الباليات والتداعيات المشينة.
فهل سنتحرر من آليات التفكير العقيم؟!
أمْ ينطبق علينا المثل القائل : " المايعرف يركص , يكول الكاع عوجه"!!
"عجيب عقول غريب قضية"؟!!