هذا لايعني انني اريد ان احرم باقي الايام من حصة المطر، لكل يوم وزنه ولكل صفعة على وجوه العراقيين قوتها التي تنزل من دون استئذان ولاتغادر الا بعد ان تترك اثر اصابعها على خدودنا كما يترك الصغار احذيتهم على الطين والكبار دموعهم على الوطن المبلل!.

ايها المطر: ثلاثة فصول سجلك مراقب الوطن غائبا عن الدرس، مراقب الصف لايفقه من مدرسة الحياة الا تاشير وجود الغائبين من اجل ان يقنع نفسه انه "يحلل خبزته!"، لم يفكر ولو مرة واحدة ان يسجل الحضور بدل الغياب لكنه قال: الحاضرون اغبياء وهم وحدهم من تقع عليهم مسؤولية غياب كل شيء، بينما الغياب فضائيون وطيارون يسرقون باسمهم رواتبهم حتى يعوض ابناء الملحة وجودهم في اماكنهم الفارغة!!. 

ايها المطر الذي لم يسجله الغائبون حاضرا: لماذا حين تهطل على رؤسنا نبكي، وحين تتركنا وترحل نظل نحن الى برد دمعك، ايها المطر انت بدون احساس، لم ار يوما مطرا او قمرا او بشرا الا ودموعه ساخنة لايبردها سوى الموت، وانت مازلت من ليلة الجمعة وحتى الان تبلل رؤسنا ببول الملائكة البارد!.

ثلاثة فصول تركتني وحيدا بلامطر، من افهمك ايها المطر ان قلوبنا مبتلة بالحزن فخشيت ان تبردها لنا، العراقي لايشعر بوجوده الا حين يبكي لوحده مثل اي ارملة قتلوا زوجها واجبروها على دفع ثمن الاطلاقات النارية التي اعدموا زوجها به خشية ان يتهموا القتلة بخيانة الامانة!!.

ايها المطر العزيز: لنا الشرف في التعرف اليك، ياغاسل الريح وهي دائحة تمشي على حل شعرها، يافحل الارض التي لاتنبت الارض الا بعد ان تغرقها بفحولتك، انت الوحيد الذي اقنعني ان الارض تكتسب البكارة كل ثلاثة فصول مثل اي سياسي متعدد الجنسية!!، ياغاسل اكفان الموتى برملتك التي تبحث عنك وسط اصابع الصيف اليابسة.

ايها المطر: لااريدك ان تنقر على شبابيكنا لانك غول بوجه عصفور، ارجوك ان لاتضحك علينا، فقلوبنا متروسة بالضيم، ومجارينا بالمياه الآسنة التي كانت في يوم ما بياض وجهك!، اعلم انك رزق إلهي لتجار الادوات الصحية وعمال المجاري وكراجات غسل وتشحيم السياسيين!!، واعلم انك الوحيد الذي تجعل الارض تشرق بعبيرها وعطرها، لكني اتوسل اليك ان لاتلح في الهطول على بيتي، الكاشي والبلاط بحاجة الى النقود لتبديله والسقف بحاجة الى ترميمه، رجاء اهطل براحتك بعيدا عنا ونحن نرضى بالقليل من كل شيء ، لكن قل لي: اذا انهدم بيتي فأي سياسي او وزير او حتى رئيس باستطاعته منح بيت لشعب غارق حتى اذنيه بالدم!