• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عاشوراء.. فنار الهداية وطريق السلام .

عاشوراء.. فنار الهداية وطريق السلام

 علي حسين/مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام
 
من بديهيات الفعل البشري، وضمن تركيبته التكوينية والنفسية، أنه يسعى نحو الأفضل، لاسيما في الجانب المادي، بمعنى دقيق أن هناك دافعا نفسيا يزجّ الإنسان في مسارات الطمع وتضخيم الذات وتمجيد الفعل الشخصي، لذلك غالبا ما يسعى الإنسان الى جلب الأنظار له، (لأفكاره وأفعاله وشخصيته)، فهو يعشق ذاته، ويتمنى ان ينظر له الناس جميعا على انه الأفضل والأقوى والأذكى والأكثر حضورا وتميزا من غيره!، كل هذه الأهداف قد تكون سليمة ولا غبار عليها، عندما يتم تحقيقها بمساعٍ فردية خالصة، لا تتكئ على حقوق الآخرين وجهودهم، بمعنى، كن متميزا بجهدك ومسعاك وذكائك، ولا تجعل من حقوق الآخرين طريقا لتمجيد الذات على حسابهم.
إن مشكلة الإنسان تتركز في قضية حفاظه على حقوق غيره وعدم التجاوز عليها، أثناء رحلته الشاقة لبناء نفسه، نعم من حق كل إنسان ان يبني نفسه وشخصيته وتكونيه الفردي والعائلي ايضا، لكن من الأهمية بمكان أن لا يتم هذا البناء بعيدا عن الضوابط الدينية والأخلاقية والعرفية التي تثبّت حقوق الجميع، وتمنع التمجيد والتضخيم على حساب الغير، فإذا تمكن الإنسان من تحقيق النجاح في حياته مع الحفاظ على علاقات صحيحة مع الاخرين، فإنه يكون من أكثر الناس أحقية للإشادة والإعجاب، لأن السائد او الغالب في المجتمعات المتأخرة أن الإنسان يبني نفسه على حساب الآخرين، لاسيما اذا كان ذا منصب مهم في الدولة، او مسؤول، أو موظف كبير في الدولة، بسبب حجم مسؤوليته، وتأثير إدارته وقراراته في حياة الآخرين، لذلك سوف يواجه الإنسان صعوبة كبيرة وعقبات كثيرة عندما يحاول أن يبني نفسه وذاته من دون التجاوز على الاخرين، وهنا يكمن الاختبار العسير!.
ولعل الاختبار الأصعب في حياة الإنسان كلها، قدرته على ضبط نفسه وأهوائه ورغباته، وكبح جماحها، للحد من التجاوز على حقوق الغير، لأن الصراع الإنساني الجمعي والفردي برمته، يقوم على قضية حماية حقوق الآخر، والقدرة على التحكم بالنفس ومنعها من التجاوز، فإذا تمكن الإنسان من تحقيق هذا الهدف العظيم، عند ذاك، سنجد انه عثر على النموذج الأمثل الذي ساعده على ان يبلغ هذا الهدف العظيم، الذي يشترك في بناء الذات والمجتمع في وقت واحد، لذلك فأن السعي نحو الفنار الحسيني العالي هو من اجل تحقيق الهداية، وتحصين النفس من الانزلاق في المحرمات، وهو امر يصعب على الإنسان تحقيقه إلا اذا كان من ذوي الإرادات القوية، ساعيا الى الفكر والمبدأ الذي يحصنه من الخضوع للنفس ورغباتها.
الإنسان بحاجة للنموذج
لكي يتمكن الإنسان من تجاوز محنة تحقيق الذات، لابد أن يخطط بصورة سليمة لإيجاد النموذج الأمثل الذي يهتدي به، كي يصل الى أهدافه الصعبة، إذ تعد قضية بناء الذات وتحقيق التوازن النفسي، من أصعب القضايا الشخصية التي يسعى الى تحقيقها الإنسان، إن تأريخنا ينطوي على تجارب عظيمة يمكنها أن تكون دليلا لنا في عملية البناء الصعب للذات والنفس، لذلك فإننا نجد في عاشوراء، بما تنطوي عليه من مبادئ وأهداف إنسانية عظيمة، فنار عاليا كي نهتدي به الى ضالتنا في البناء الذاتي والنفسي.
لذا يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، في مناسبات عديدة، على أن: (ذكرى عاشوراء مافتئت مشعلا يهتدي به الأنام، منذ استشهاد سيد الشهداء الامام الحسين - سلام الله عليه - الى يومنا هذا). هذه النظرة من لدن المصلحين والعلماء والمفكرين، لم تأت جزافا، فقد قدمت لنا واقعة الطف دروسا انسانية لا يمكن لنا غض الطرف عنها، فيما لو اردنا أن نحقق السلام الروحي الفردي والجماعي في نفس الوقت، إذ من الصعوبة بمكان أن تجد بيننا من يعيش السلام الروحي وهو لا يحتمي بالإشعاع الحسيني فكرا وايمانا ومبادئ انسانية تجعل من كرامة الانسان القيمة الاهم والاكبر من كل شيء.
إن مجرد الاطلاع على الاهداف التي ابتغاها الامام الحسين عليه السلام، سوف يجعلنا على ايمان راسخ بعظمة تلك الاهداف كونها ترفع الحواجز بين الحاكم والمحكوم، وتضع الحرية في المقام الاول، وتدعو الى المساواة والعدالة، وترفض الطغيان الفردي والجماعي الحكومي والاهلي، وتشجع على روح الابداع، وترفض وضع العوائق امام طاقات الانسان ومواهبه، تلك هي عاشوراء، وهذه هي البنود التي ينطوي عليها منهجها. 
لذلك يدعونا المرجع الشيرازي الى أهمية وحتمية استثمار الفكر الحسيني على الوجه الامثل، حينما يحثنا سماحته قائلا: (لنستثمر كل طاقاتنا، من اجل ان يكون الحسين، علما وهاديا لكل البشر). ومن الواضح والمتفق عليه أن الأحداث تتغير لأنها طارئة بمواصفاتها الفردية المحدودة بالزمان والمكان، والمبادئ لا تتغير بمواصفاتها العامة غير المحدودة بالزمان والمكان، فإذا تجَّسد مبدأُ في حدثٍ حتى ذوِّب مواصفاته الفردية، يكون ذلك الحدث مستمراً يتبلور ولا يتغير، لأنه تلاشى في المبدأ ذاته. وعاشوراء حدث جسَّد مبدأً، فهي ثورة الحق المكبوت على الباطل الطاغي، وتلاشت المواصفات الفردية فيه، لان الإمام الحسين عليه السلام صاغه صياغة بعيدة عن أية شخصية وأنانية، بشكلٍ يبدو مبدئا محضا لا حدث فيه، فأصبح مستمراً في كل مظهر من مظاهر ثورة الحق المكبوت على الباطل الطاغي، إذاً فعاشوراء مستمر لا يمكن مسحه من ذاكرة الحياة مع بقية مبادئ الكون التي لا تنمحي من ذاكرة الحياة، بل عاشوراء روح الحياة والمبدأ وأساس الانبعاث الإنساني نحو العدالة والحياة الكريمة، أي الحياة التي يسعى إليها الإنسان من خلال الفنار الإيماني الخالد للفكر الحسيني.
ما هي مسؤوليتنا؟؟
عندما نتساءل هل الجميع يعرفون مبادئ عاشوراء، وهل وصل الفكر الحسيني الى الجميع، هل عرفوا طبيعة المبادئ الانسانية الخالدة لهذا الفكر؟، واذا كانت الاجابة المأخوذة من واقع الحال تؤكد على أن هناك من لا يعرف هذا الفكر، وهناك أناس في ربوع الارض لم تصلهم مبادئ الحسين عليه السلام، لأسباب كثيرة، إذاً ما هي مسؤوليتنا في هذا الجانب؟؟.
لقد أكد سماحة المرجع الشيرازي في كثير من خطبه وكلماته وتوجيهاته قائلا في هذا الشأن: (ما أكثر الناس الذين لا يعرفون الحسين، وقضيته وأهداف نهضته، وما أثقل مسؤولياتنا). وهذا أمر واقع فعلا، إذ أن هناك أناساً محرومون من نبع الدوحة المحمدية، واشعاع الفكر الحسيني، بسبب الحواجز الرسمية التي تضعها بعض الانظمة السياسية، كي تحد من هذا الاشعاع الانساني الخالد، فضلا عن الاساليب الغريبة التي تحاول بل تستميت من اجل حجب النور الحسيني المتدفق على مدى الحياة، ولكن هذا يرتب علينا مسؤوليات جسيمة، تتلخص بتوفير الارادة الجبارة التي تشترك وتتعاون وتعمل على ايصال الفكر الحسيني الى الجميع، كونه طريق الهداية وفنارها، وطريق السلام الانساني على ربوع الارض برمتها.
ولكن لابد أن نتفق على أن مثل هذه الاهداف الكبرى، يصعب تحقيقها بل يستحيل تفعيلها وتوصيلها الى المحيط المستهدّف، من دون التخطيط والتنظيم والسعي المنظّم والمنضبط والمتواصل لتحقيق الهدف، لذلك عندما يحثنا المرجع الشيرازي، ويشير سماحته الى ضخامة مسؤوليتنا في هذا الجانب، إنما لإدراكه عظمة هذه الاهداف وتخمينه للعقبات الكبيرة والكثيرة التي تقف بوجه الساعين الى تثبيت الفكر الحسيني ونشره في ارجاء المعمورة، حتى يكون متاحا للجميع، ومفتاحا لولوج ابواب الرخاء والاستقرار والتوازن، من خلال تحقيق المساواة والعدالة والاحترام المتبادل لرأي والفكر والتعايش، وبث روح التسامح، والوقوف صفا واحدا ضد الظلم أيا كان منشأه او مصدره.
هكذا هي عاشوراء قيمة فكرية عظيمة تجسدها أفعال واعمال الانسان تجاه اخوانه في الدين والخلق، انها فنار الهداية الذي لا ينطفئ ما بقيت الحياة، والفكر الحسيني يسعى لبث روح السلام والانسجام بين جميع الناس، بغض النظر عن الانتماء، لذا تتجدد مسؤوليتنا دائما في نشر هذا الفكر العظيم الخالد، وجعله متاحا لكل من يرتجي أملا بالعيش بسلام وأمان.
وخلاصة القول، أن ذكرى عاشوراء تتجدد، وآفاقها تتسع وتتعاظم، وفي نفس الوقت، مسؤولياتنا تكبر وتتجدد ايضا، والاشعاع الحسيني يعلو ويتسامى فنارا للهداية والسلام، وتتسع آفاقه أكثر فأكثر، على اننا سنبقى بحاجة دائمة الى السعي الجاد المنظم الدقيق، لكي نسهم في جعل هذا الفكر المتوقد، متاحا لكل من يقيم على هذه البسيطة.
* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام
http://annabaa.org



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=39037
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19