نشهد كل عام تصاعدا في مراسيم وطقوس إحياء أيام عاشوراء والثورة الحسينية الخالدة، وليس في ذلك بدعة وإنما تأكيد لشعائر دينية مقدسة، لكن ما يحتاج الى التنبيه هو المغالاة في تلك الشعائر واستغلالها من بعض الجهلة المتاجرين بالدين، ما يؤدي الى إشاعة معلومات غير صحيحة عن تفاصيل الثورة والتطرف في وصف بعض الأحداث والتجاوز على بعض الشخصيات ما يفتح الثغرات للطائفيين المتربصين لها لإشعال الحرب الطائفية.
ان الدروس والعبر المستقاة من هذه الثورة كثيرة جدا ولا يبالغ من يرى انها مدرسة متكاملة لتعليم الأجيال دروسا في التضحية والفداء من اجل الإصلاح والتغيير، لأننا بحاجة إليها واستمرار مثل ما كانت في ماضيها وتاريخها وزمانها.
إننا اليوم وفي أكثر من مكان نحتاج إليها ويتطلب الأمر عقولا ناضجة ومتفهمة تمنح المنبر الحسيني شرف الارتقاء اليه ليكون امتدادا لآل البيت، ولعل الذين خطبوا من فوق هذا المنبر وتميزوا فيه هم قلة ولعل في مقدمتهم المرحوم الدكتور احمد الوائلي ونخبة من الرواديد الذين كانوا يقودون المواكب الحسينية من خلال قصائد شعرية متزنة تجسد المناسبة بكل أبعادها ولا تمس الآخرين، ولا يبالغ في المشهد الحسيني وكما يحدث الآن حيث حول البعض هذه الطقوس الى تجارة من الأقراص وممارسات أخرى من خلال المواكب وهي تبتكر المزيد من البدع والقصائد الشعرية والشعائر الدموية المبالغ فيها، بعيدا عن العمق الثقافي والفكري للثورة الحسينية، وهم يعتقدون أنها مناسبة لجلد الذات من خلال طبر الرؤوس بالسكاكين والضرب بالزناجيل واللطم على الصدر والخدود والكثير من الممارسات التي يعتقدون بأنها تقربهم من الإمام وآل البيت، متناسين وجود بدائل كثيرة يعبر من خلالها الإنسان الى روح الثورة وقيمها ومبادئها الأصيلة من خلال حملات التكافل والتضامن الاجتماعي، وجلسات للفكر والثقافة والحوار المتمدن للرقي بذوق وثقافة المواطن واستثمار هذه المناسبة لتوحيد الأمة والحث على قيم العمل وأخلاقياته، وتقبل الآخر لبناء دولة العدالة كما أرادها سيد الشهداء عندما قال: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ارد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).
ولكي نحافظ على الحد الأدنى من احترامنا لإحياء هذه الطقوس بما يليق بها وتعميق الإيمان بمآثرها وأفكارها فلابد للمرجعيات الدينية العليا ان يكون لها موقف واضح وجريئ لتهذيب هذه المناسبة من كل الممارسات الدخيلة وإيقاف بعض المتاجرين بالأقراص والمواكب الذين يشوهون صورة أتباع آل البيت وقطع الطريق على التكفيريين والحاقدين بكل اتجاهاتهم، ولابد ان تساند وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية هذا النهج وتبتعد عن المغالاة وتتحول إلى منابع هادفة وواعية تعرف كيف تستذكر مبادئ الثورة الحسينية وتستثمرها في حث الناس على الوحدة الوطنية والعمل الجاد لبناء الوطن والتضامن الاجتماعي الأصيل. |