بسم الله الرحمن الرحيم
عن الريان بن شبيب، قال: (دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم، فقال لي: يا بن شبيب، أصائم أنت؟ فقلت: لا. فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا (عليه السلام) ربه عز وجل، فقال: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) فاستجاب ربه، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب: (أن الله يبشرك بيحيى) فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز وجل استجاب الله له، كما استجاب لزكريا (عليه السلام)...).
إن الدعوة لصيام أول يوم من أيام شهر محرم يظهر منها التوجيه لقيام العبد باستعداد من الاستعدادات لليوم الأعظم وهو يوم العاشر من المحرم الحرام، وبذلك قد هيأ العبد نفسه لمعايشة تلك الايام والانسجام مع حزنها العميق.
والصيام له دور كبير وبارز في تهذيب النفس وترويضها وإبراز احاسيسها، وهو من افضل الرياضات العائدة على النفس والجسد بالصحة والعافية.
ونتحدث هنا عن ارتباط الصيام بأيام الحزن على أهل البيت عليهم السلام من محورين:
الأول: من حيث كون الصيام عبادة.
فإن العبادة لها دور كبير في صقل النفس وتهييج احاسيسها، فكما أن الذنوب تقسي القلب وتكون سببا في جفاف الدموع، فإن الطاعات سبب في رقة القلب وكثرة الدموع.
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).
وروي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: (أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام): يا موسى، لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب، وان ترك ذكري يقسي القلوب).
ومن هنا اقول على العبد كي يتهيأ لأيام محرم الحرام الاجتناب عن المعاصي كما عليه أن يكثر من طاعاته وقرباته فإنها سبب عظيم من اسباب التوفيق لإحياء أمر محمد واله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
الثاني: من حيث كون الصيام فعل خاص.
نجد أن الصائم يعطش ويجوع ويمتنع عن بعض الملذات وهذا ما يجعل عنده الشعور الحقيقي بعطش الامام المظلوم وأهل بيته وأصحابه عليه وعليهم السلام، كما هو ايضاً من موجبات الاحساس بما يعنيه المظلوم والمحروم، وليس الامر مقتصرا فقط على التذكر كمعلومة، بل يعيش شيئا من الاحساس بها، وفرق كبير بين معايشة شيء وبين مجرد تصوره عند العباد امثالنا.
وأما ربط أول يوم بالنبي زكريا وابنه يحيى عليهما السلام ففيه إشارة واضحة بتهيئة العبد لمصاب أبي عبدالله عليه السلام، فإن يحيى بن زكريا عليهما السلام مصيبته عظيمة جليلة وتذكرها يرقق القلب ويتفاعل معها كل ذي حس وشعور.
وأي صاحب إنسانية لا يتفجع وهو يستمع إلى مَن عايش واقعة كربلاء وما بعد الواقعة الإمام الأسير زين العابدين (عليه السلام) وهو يقول: من هوان الدنيا على الله تعالى أن يحيى بن زكريا أهدي رأسه إلى بغي في طست...).
ربط أهل البيت عليهم السلام مصاب الحسين عليه السلام بمصاب يحيى عليه السلام، فكما أن المعزى في يحيى هو أبوه زكريا، فكذلك المعزى في الحسين امه وابوه وجده رسول الله صلى الله عليه واله.
واذا كان في اول يوم نزلت على زكريا البشارة بهبة الله تعالى يحيى الذبيح الموهوب لبغي، فإن هذه الأيام هي ايام ذبيح محمد صلى الله عليه واله واهدي ايضا لبغي في طست، وفاق مصابه ذلك المصاب.
فما أهون الدنيا عند الله عزّ وجلّ.
وإنّ مصابا كمصابنا بأبي عبد الله عليه السلام نحتاج أن نتهيأ له تهيؤاً إلاهياً قُربياً، فإن العبد إذا قرب من الحق تعالى انعكس عليه نور محبة الحسين عليه السلام فيناله منها بقدر استعداده وقابليته.
فارتقاء العبد بالشعور والاحساس إلى تلك المرتبة العالية فيعايش شيئا من احاسيس سادته ومواليه، لا شك انه يحتاج الى رقي ورفعة ولا تنال إلا بالطاعة التي خطها ورسم طريقها محمد واله الطيبين الطاهرين المعصومين.
وما قد يتوهم من أن البكاء على الحسين عليه السلام غفران للذنوب فكيف يتوقف على تركها؟
فإن الجواب واضح بان العبد اذا تاب احتاج الى عمل صالح كي يمحو الذنوب السابقة، وهل هناك عمل صالح افضل من البكاء على الحسين عليه السلام والمشاركة في خدمته وخدمة خدمه!!!.
قال تعالى:
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) - طه - الآية - 82
واذا تاب المؤمن وخدم الحسين عليه السلام أو بكاه فإنه يهتدي إلى هدايات عظيمة جليلة، وكم باب من ابواب المعرفة فتح على مصراعيه تحت منبر ابي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
جعلنا الله محلا لفيض هداية الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
يتلوه القسم الثالث. |