• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التظاهرات والاعتصامات والاعتراضات ومسؤولية القيادة الدينية .
                          • الكاتب : سعيد العذاري .

التظاهرات والاعتصامات والاعتراضات ومسؤولية القيادة الدينية

التظاهرات والاعتصامات ظاهرة حضارية تعبر عن دور المجتمع في الاصلاح والتغيير والمشاركة في اتخاذ القرار وتعبر عن حق المواطنين في ابداء وجهات نظرهم في مختلف القضايا وفي المطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية او الاعتراض على القيادات والمسؤولين ومطالبتهم بتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم واحيانا تكون مجرد تمرد له دوافع مختلفة او تحريك من قبل الطامعين بالسلطة او من اجل خلق الازمات للحكومة او لقيادة معينة دينية اوسياسية وفي خضم الاحداث تقع على القيادة الدينية مسؤولية جسيمة لابداء وجهة نظرها سلبا او ايجابا مهما كانت متبنياتها السياسية من حيث التدخل بالسياسة وعدمه والقيادة الدينية على نحوين القيادة المطلبية ودورها هو عدم الخوض في الامور السياسية الكبرى كتغيير السلطة والتصدي لقيادة الدولة  القيادة الثورية وهي تتبنى تحكيم الدين وجعل السلطة تحت اشراف الحاكم الديني ومهما كان نحو القائد الديني فان من مسؤوليته التدخل وابداء وجهة نظره في الاعتصامات والتظاهرات التي تتعلق بمصير الحكومة وحقوق المواطنين وخصوصا في الامور المتعلقة بالارواح والاعراض والاموال والكرامات ؛ فلابد من دور او موقف وخصوصا ان كانت للقائد الديني مكانة عند الحكومة والشعب وفيمايلي استعرض بعض المواقف والمشاهد والشواهد من تاريخ القادة الدينيين الفتنة بين المهاجرين والانصار  في غزوة بني المصطلق ازدحم جهجاه بن مسعود وسنان بن وبر الجهني على الماء فتصارعا، فصرخ الجهني: «يا معشر الأنصار»، وصرخ جهجاه: «يا معشر المهاجرين».

فغضب المنافق عبدالله بن أبيّ بن سلول، وعنده رهط من قومه، فقال: «أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش إلاّ كما قال الأوّل: سمّن كلبك يأكلك! أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل».
ثم اقبل على من حضره من قومه، فقال لهم: «هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتوّلوا الى غير داركم».
فسمع ذلك زيد بن أرقم، فمشى الى رسول الله(ص) فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: «مر به عبّاد بن بشر فليقتله».
فقال له رسول الله(ص): «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه! لا ولكن أذن بالرحيل»، وذلك في ساعة لم يكن رسول لله(ص) يرتحل فيها، فارتحل الناس.
ثم مشى رسول الله(ص) بالناس يومهم ذلك حتى امسى، وليلتهم حتى اصبح، وصَدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياماً، وانما فعل ذلك رسول الله(ص) ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبدالله بن أبي .
وهذه الأزمة ناجمة عن التعصّب من جهة وعن دور المنافقين في إثارة الفتنة من جهة أخرى، وقد بدأت الأزمة بصراع بين مهاجر وأنصاري، وهذا الصراع هو بين فردين لا يمثلان إلا نفسيهما، ولا علاقة للمهاجرين والأنصار بهذا الصراع، ولكن الاوضاع النفسية والرواسب الجاهلية ودور المنافقين قد تحوّل الصراع الى صراع بين إنتمائين خلافاً للمفاهيم  والقيم النبوية، وقد تعامل رسول الله(ص) مع هذه الأزمة تعاملاً حكيماً، فلم يلتجأ الى التحقيق في المسألة، أو إرسال لجنة لتقصي الحقائق، ولم يلتجأ الى جمع المهاجرين والأنصار لالقاء خطبة توجيهية اليهم، لأنّ الأزمة بحاجة الى قرار حاسم يمنع من القيل والقال وبث الاشاعات وتضخيم الأحداث وتبادل الاتهامات، بل اسرع لإشغال المسلمين بالرحيل، وفعلاً تناسى المسلمون الأزمة.
ولم يلتجأ رسول الله(ص) الى قتل رئيس المنافقين، لأنّ قتله يزيد الأزمة تعقيداً بظهور فتنة جديدة يستثمرها المنافقون وأعداء الدين من يهود وغيرهم; لتوسيع الفتنة.
وقد عبّر رسول الله(ص) عن موقفه بعد إنتهاء الأزمة، وخصوصاً بعد أن وعى الأنصار للمخاطر المحدقة بهم، وأصبحوا إذا أحدث عبدالله بن أبي حدثاً كان قومه هم الذين يعاتبونه  ويأخذونه ويعنّفونه، وحينها قال (ص) لعمر بن الخطاب: «كيف ترى يا عمر; أما والله لو قتلته يوم قلت لي: إقتله، لأرعدت له آنُفُ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» .
 
الفتنة بين الأوس والخزرج
كانت بين الأوس والخزرج العديد من المعارك والحروب يقتتلون فيها قتالاً شديداً الى أن هدى الله تعالى قلوب بعضهم للاسلام، فأسلموا، وسألوا رسول الله(ص) أن يخرج معهم الى المدينة وقالوا: «إنّه لم يصبح قوم في مثل ما نحن فيه من الشرّ، ولعلّ الله أن يجمعنا بك، ويجمع ذات بيننا، فلا يكون أحد أعز منها»، فقال لهم رسول الله(ص) قولاً جميلاً، ثم انصرفوا الى قومهم فدعوهم الى الاسلام، فكثر حتى لم تبقى دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر حسن من ذكر رسول الله، وسألوه الخروج معهم وعاهدوه أن ينصروه على القريب والبعيد والأسود والأحمر .
وحينما هاجر رسول الله(ص) الى المدينة أصبح الأوس والخزرج القاعدة الصلبة للاسلام ولرسول الله(ص) فتوحدوا تحت رايته، وانتهى الصراع الدائر بينهم، وتوجهوا جميعاً لمواجهة المشركين وأعداء الدين.
ولم يرق لليهود إتحاد الأوس والخزرج فبدأوا يتآمرون على زرع الفتنة الى أن نجحوا في اثارتها، فقام أحدهم بتذكير القبيلتين بقتلاهم في الجاهلية، وذكّرهم بالاشعار التي قيلت في حينها، فتنازع الفريقان وحملوا السلاح وخرجوا للقتال، فلما سمع رسول الله(ص) بالأمر; خرج اليهم فيمن معه من المهاجرين فقال: «يا معشر المسلمين! الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للاسلام... وألّف بين قلوبكم؟»، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً .
فقد أسرع رسول الله(ص) لعلاج الأزمة وإنهاء الفتنة، ولولا حكمته وتدخله المباشر لحدث القتال، ولبقيت آثاره قائمة بتغلب التعصب والثأر على المفاهيم والقيم الاسلامية، ولأستمر القتال بينهم وخصوصاً إذا استمر اليهود والمنافقون في تأجيج نار الفتنة التي سرعان ما تتأصل وتتجذر لتأكل الأخضر واليابس، وتفتت وحدة المسلمين.
 
     اعتراض الانصار على توزيع الامتيازات المادية قسّم رسول الله(ص) غنائم حنين على المؤلفة قلوبهم وكانوا من رؤساء القبائل التي أسلمت مؤخراً، ولم يعط للانصار أي شيء منها، وجد هذا الحيّ من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت القالة، حتى قال قائلهم: «لقي والله رسول لله(ص) قومه»، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: «يا رسول الله إنّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسّمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحيّ من الأنصار شيء».
قال رسول الله(ص): «فأين أنت من ذلك يا سعد؟».
قال: «يا رسول الله، ما أنا إلاّ من قومي».
قال(ص): «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة».
فأتاهم رسول الله(ص)، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار: ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها عليّ في أنفسكم؟ الم آتكم ضُلاّلاً فهداكم الله، وعالةً فأغناكم الله، وأعداء فألّف الله بين قلوبكم!».
قالوا: «بلى، الله ورسوله أمنُّ وأفضل».
ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟».
قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المنّ والفضل».
قال(ص): «أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصُدِّقتم: أتيتنا مكذِّباً  فصدّقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فأويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألّفت بها قوماً ليُسلموا، ووكلتكم الى اسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله الى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شِعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهمّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار.
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: «رضينا برسول الله قسماً وحظاً».
وبعد قول رسول الله(ص) تفرّق الأنصار، وانتهى القيل والقال، وخرجوا من عنده(ص) وهم مستسلمون لموقفه، ومطيعون لقراره عن قناعه ورضىً لاعن جزع واضطراب، فاستطاع بحكمته أن يتجاوز الأزمة، ولم يدخل معهم في حوار يبيّن لهم صلاحيته كنبي وكحاكم في توزيع الأموال، ولم يحاسب المعترضين أو يحذّر منهم، أو يحكم عليهم بمعارضته وتمرّدهم على أوامره، ولم ينبزهم بالكفر أو الفسق لعدم الانصياع الى أوامره، وانما خاطبهم برفق وبيّن لهم دورهم في حركة الجهاد، وبيّن لهم المصلحة العليا من جرّاء توزيعه الغنائم، ووجههم نحو المفاهيم والقيم المعنوية، وربّاهم على التعالي على أثقال الدنيا وزينتها ومغرياتها، فانتهت الأزمة بقناعة الأنصار بانّه(ص) لم يقدّم هؤلاء بالعطاء بعنوان إنتمائه اليهم، وانما بعنوان تأليف قلوبهم للاسلام.
 
 
صلح الحديبية
صالح رسول الله (ص) قريشا وتنازل لهم عن بعض الامور تقديرا للمصلحة العامة فلم يدرك كبار الصحابة هذه المصلحة فاعترضوا عليه اعتراضا شديدا وعصوا اوامره في مورد الحلق والتقصير وهي سنة في الحج  وصرح احد الصحابة انه لو حصل على انصار له لنقض الصلح بعد ان واجه رسول الله معترضا بالقول لماذا نعطي الدنية في ديننا وامام هذا الاعتراض خاطبه رسول الله برفق وبين له الحكمة من الصلح الا انه لم يقتنع وبقي معارضا لحين تبين الحقيقة حينما تلى الصلح الانتصار الكبير وهو فتح مكة
      استيعاب الاعتراض
منح(ص) حقّ حرية التفكير وحق ابداء الرأي للجميع وفق متبنياته في تحرير العقل والفكر باقامة الحجة والبرهان، فلا يمنع أن يكون الانسان حراً في التعبير عن رأيه عن طريق الحوار، وللانسان حق الاعتراض فلا قمع ولا ارهاب فكري وان كان المخالَف هو رسول الله(ص) ـ مع ايماننا بحرمة مخالفته والاعتراض عليه ـ وقد وجد البعض مجالاً متسعاً للمخالفة والمعارضة.
وقد راعى رسول الله(ص) المواقف والآراء المخالفة والمعارضة له، واستوعب متبنّيها من أجل هدايتهم وتربيتهم وإصلاح آرائهم ومواقفهم ما دامت منطلقة من قلة الوعي وعدم إدراك الحقائق، أو منطلقة من رواسب الجاهلية، أو من حالة ضعف طارئة أو متجذرة.
ففي معركة بدر قال رسول الله(ص): إني قد عرفت أنّ رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً ولا حجة لهم بقتالنا، فمن لقي منم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله; فانّه خرج مستكرهاً».
فقال أبو حذيفة: «أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته للألحمنّه بالسيف».
فاستقبل رسول الله(ص) هذا القول والاعتراض الشديد برحابة صدر ولم يرتّب أي أثر أو ردّ  فعل سلبي، وحينها تراجع أبو حذيفة عن مقالته وقال: «ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، لا أزل منها خائفاً إلا أن تكفّرها عني الشهادة» فقتل يوم اليمامة شهيداً .
فقد راعى رسول الله(ص) لحظة الضعف البشري  التي إنتابت أبا حذيفة، والناجمة عن رواسب الجاهلية أو الناجمة عن عاطفته نحو والده الذي لم يسلم أو الذي قتل أو سيقتل في المعركة.
وبعد معركة حنين جاء ذو الخويصرة الى رسول الله(ص) فقال: «اعدل، فانّ هذه قسمة ما أريد بها وجه الله».
فقال رسول الله(ص): ويحك فمن يعدل ان لم أعدل، خبت وخسرت ان لم أعدل».
ونهى من أراد من أصحابه قتله( ) .
وكان يوزّع الغنائم في أحد المعارك، فقام اليه رجل فقال: «اعدل» فقال رسول الله(ص): لقد شقيت إذا لم أعدل».
وقال آخر: ما اُريد بهذه القسمة وجه الله».
فقال رسول الله(ص): «رحم الله موسى! قد أُوذي بأكثر من هذا فصبر .
وأدركه إعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة أثرت حاشية الرداء بعنقه، ثم قال له: «يا محمّد مر لي من مال الله الذي عندك»، فالتفت اليه رسول الله(ص) فضحك وأمر له بعطاء .
وعن عبدالله بن عباس أنّه سمع احد الصحابة يقول: «لما مات عبدالله بن أبيّ دعي رسول الله(ص) للصلاة عليه، فقام اليه فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحوّلت حتى قمت في صدره، فقلت: يا رسول الله أتصلّي على عدوّ الله عبدالله بن أبي بن سلول القائل كذا يوم كذا؟ اعدّد أيامه، ورسول الله(ص) يبتسم، حتى اذا اكثرت، قال: يا عمر، أخرّ عليّ، انّي قد خيرت فاخترت») .
ولمّا صالح رسول الله(ص) المشركين في الحديبية، لم يبق إلاّ كتابة الكتاب، فوثب الصحابي الى رسول الله(ص) فقال: «يا رسول الله، ألسنا بالمسلمين؟».
قال رسول الله(ص): «بلى».
قال الصحابي: «فعلام نعطي الدنيّة في ديننا؟».
فقال رسول الله(ص): «أنا عبدالله ورسوله، ولن أخالف أمره ولن يضيّعني».
ولقي الصحابي من القضية أمراً كبيراً، وجعل يردّ على رسول الله(ص) الكلام، ويقول: «علام نعطي الدنية في ديننا؟».
قال ابن عباس: قال لي ... ـ وذكر القصة ـ ارتبت إرتياباً لم ارتبه منذ أسلمت إلا يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة من القضية لخرجت») .
فقد استقبل رسول الله(ص) جميع الآراء والمواقف المخالفة والمعارضة له برحابة صدر وان كانت المخالفة والمعارضة له معصية إلا أنه أراد تربية المعترضين بالحكمة والموعظة الحسنة ليدركوا عظمة الاسلام وعظمة الرسول القائد، وليدركوا أخطاءهم في التصور واضطرابهم في التصرف فقد منحهم الفرصة لتوجيه سلوكهم ومواقفهم وممارساتهم ليرتفعوا الى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم. 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=3954
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28