الذي رآها ورآى طفولتها التي تحملها بجسدها الغض،يصيبه العجب حين يسمع أن هذه البنت الصغيرة أنجبت أربعة اطفال من قريبها الذي تزوجها وهي مازالت تحمل دميتها بين يديها،ضفيرتها الصغيرة مازالت تحمل رائحة المرحلة الإبتدائية، ربما أطفالها الذين كبروا معها أصبحوا أصدقاءها في هذا الزمن المر،لاأدري سبب طلاقها من قريبها السيد(إحنه ابّخت جده) وزواجه السريع من إمرأة أخرى في غضون أسابيع قليلة، بينما بقيت هذه المرأة الصغيرة تحت سطوة اخوتها الفقراء في مدينتهم التي تؤذّن بالفقر والضيم كل يوم،أراد أخوتها التخلّص منها، فقاموا بتزويجها من رجل كبير هربت منه بعد عدة ايام وتركت كل حقوقها الشرعية في بيته،يوم طالبت اخوتها ان ترى اولادها، رفض زوجها السابق ذلك وهدد اخوتها بانهم سوف يتحملون اي ضرر يصيب اولاده،لهذا آثروا الابتعاد عن الشر والغناء له، حتى عمتها العلوية كانت أقسى من الصخر معها، هذه الطفلة الصغيرة وجدت نفسها فائضة عن الحاجة في حياة متخمة بالكامل، اخوتها لن يتحملوها وهي تشعر انها تشكل عبئا اشبه بكَونية طحين اسود على اخوتها، زوجها السابق يرفض ارسال اولادها الاربعة لرؤيتهم، الجميع غافل عنها، لااحد يشعر بهذا المخلوق الصغير، في لحظة يأس وحزن لايعلمه سوى الله...وبكل هدوء من يسير الى منصة الاعدام....سكبت 5 ألتار من النفط الابيض على راسها فتناثر النفط على جسمها الصغير، اتيقن ان زواجها مر أمامها بسقوط اول لتر من النفط، وربما دخل اللتر الثاني الى مسمات جلدها وهي تتذكر وجوه اولادها الاربعة، ربما في اللتر الثالث مر وجه زوجها الشايب ببرودة الموت التي كانت بانتظار النار...هكذا بكل ، وربما في اللتر الرابع حضر وجه عمتها العلوية الحاقدة عليها بسبب او من دون سبب ،وربما في اللتر الخامس اغرقها الحزن فلم تستطع العودة عما قررته بينها وبين نفسها، لايوجد هناك حل لك ايتها الفقيرة في هذا الزمن الكلب...هكذا ببساطة.....أقنعت حمدية نفسها بانها ستعيش طويلا مع حزن وضيم لاتتحمله فأشعلت عود ثقاب واحد أمام صدرها فاشتعلت النار فيها .
قبل إسبوع واحد، رق قلب اهل زوجها عليها فسمحوا للاطفال بزيارتها للمستشفى لانهم يعلمون انها سوف تموت، النار الذي اشتعلت في نصف جسدها الاعلى تركته عبارة عن لحم مشوي، اطفالها الذين حضروا لزيارتها في المستشفى هربوا من أمهم حين رأوها عبارة عن "دمية بلاستيكية مايعة!"، حين رأتهم يهربون منها اغلقت عينيها وماتت.
قبل ثلاثة ايام، فارقت الحياة هذه الطفلة وتم نصب مأتم لدى اخوتها الذين وقفوا لتقبّل التعازي بمن فرحوا بفراقها، لانها ربما كانت مطلّقة، ولانها لم تصبر على زواج ثان، وربما لانها طالبت برؤية اولادها، وربما لانها لم تكن بهيمة مثلهم جميعا، هذه الطفلة الغضة اغمضت عينيها بعد هروب اولادها منها،وقبلها هرب زوجها منه، وبعدها هروبها من زوجها الثاني، لهذا ربما اختارت اقرب طريقة للهروب من الحياة.
نامي ايتها الصغيرة، قلبك الصغير ليس باستطاعته حمل همك العراقي الاسود، سوف ابحث لك عن دمية تليق بضفيرتك المحترقة لتنام قربك، ربما يقولون انك اذنبت حين احرقت جسدك، لكنني معك ان حزنك اكبر من ان يتحمله عارنا جميعا، اغفري لنا نحن الذين تعرفنا على حزنك بعد أن أسدلت الستارة وخرج الجمهور من ساحة العرض وبقيت وحدك هناك: جسد محترق، واولاد صغار يهربون من أمهم، وشوارب طويلة وغتر بيض ملفوفة تتقبل التعازي بموتك والتهاني بالخلاص منك!.