• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السائرون إلى طريق الفتح .
                          • الكاتب : حسن الهاشمي .

السائرون إلى طريق الفتح

 
الأمواج البشرية الدافقة، رجال ونساء، أطفال وشيوخ، معافين ومعاقين، شباب ويافعين، شيوخ وعجائز، إلى أين هم ذاهبون؟! لا يعيق حركتكم حر ولا برد، نصب ولا تعب، مرض ولا إعاقة، عمل ولا وظيفة، نعم إنهم سلكوا طريق الفتح وهم يعلمون أنهم ليسوا ببالغيه.
لعله يصيبهم رذاذ ما بلغ إليه أولئك القديسون الذين ضحوا في حضرة القديس الأكبر، نعم إنهم هائمون على وجوههم في الفلوات والصحاري والوديان والسهول والجبال لا يعيقهم عن لقاء المحبوب عائق طبيعي أو إصطناعي أو إرهابي، أنى لهم بهذه العوائق وهم قد تعلق قلبهم بالحبيب فلا يرون مشقة ولا نصبا ولا تعبا ولا ألما ولا جرحا، فالشوق واللقاء وزيارة الحبيب أنستهم كل تلك المتاعب والآلام، بل إنها تتحول إلى لذة في هذا الطريق اللاحب.
إنهم سائرون إلى أقدس مكان على وجه الأرض، إنهم سائرون إلى العزة والكرامة، إنهم سائرون إلى أبي الضيم ومكسر الأصنام البشرية ومقوم الدين وحافظ الشريعة، ولولاه ولولا تضحياته لما بقي في الإسلام إلا أسمه ولا القرآن إلا رسمه.
نعم إنهم على طريق الفتح وليس بالغيه لماذا؟! لأنه كتب الحسين بن علي عليه السلام إلى محمد بن الحنفية، أما بعد: فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام.
تتضمن هذه الرسالة الموجزة أربع قضايا أساسية في ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وهذه القضايا هي:
1ـ حتمية الشهادة لمن يخرج مع الإمام الحسين عليه السلام.
2ـ مفهوم الرسالة واضح وهو من لحق بالإمام الحسين عليه السلام في هذه الثورة يدرك الفتح.
3ـ العلاقة بين الفتح والشهادة، حيث لا ينال الفتح إلا بالشهادة.
4ـ لن يتكرر هذا الفتح في التاريخ مرة أخرى.
إن من يقرأ سيرة الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى كربلاء المقدسة من دون مسبقات ذهنية لا يشك في إن الحسين عليه السلام لم يكن يطمع في مسيرته هذه بالحكم والسلطان، وكان يرى إنه لا سبيل له للقضاء على فتنة بني أمية التي طالت هذا الدين وهذه الأمة، إلا بقتله وقتل من معه من أهل بيته وأصحابه، وكان يعرف هذه الحقيقة بوضوح، وهذا ما كان يخفى على أولئك النفر الذين كانوا ينصحون الحسين عليه السلام ألا يغتر بكتب أهل العراق ودعوتهم له، ولم يكن بوسع الحسين عليه السلام أن يفصح لهم عما يراه ويعرفه.
إن الإمام لا يريد بالفتح هنا الفتح العسكري الميداني، فقد كان الإمام أخبر بالحالة السياسية في العراق من أن يتوقع فتحا عسكريا أو يغتر بالذين كتبوا إليه بالمجيء والنصرة.
إذن الإمام يريد بالفتح معنى آخر، أقرب إلى المفاهيم الحضارية منه إلى المفاهيم العسكرية، إن الإمام يجد إن بني أمية قد عملوا على استعادة الجاهلية إلى الإسلام، وبهذا فقد كان همّ الإمام في هذه المرحلة الحساسة من التاريخ إلغاء الشرعية عن دولة بني أمية، وفعلا وبعد واقعة الطف سحب الإمام بساط الشرعية الدينية في الحكم من بني أمية وبني العباس فلم يعد بعد ذلك للهوهم وطربهم واسرافهم وظلمهم وعدوانهم خطر على الإسلام مهما بلغ أثره التخريبي على المجتمع الإسلامي يومذاك، فإنه ألغى عن الحكام من بعده خلافة الرسول وأمرة المؤمنين، ولم يأخذ الناس عنهم دينهم كما كانوا يأخذون عن الخلفاء من قبلهم، ولم تعد لموقع الخلافة القدسية كما كانت لها قبل واقعة عاشوراء، ولم يعودوا في نظر المسلمين غير حكام من عامة السلاطين، والحكام يظلمون ويسرقون ويحسب ذلك عليهم لا على دين أو مذهب.
وكذلك أعاد الإمام الحسين عليه السلام بثورته روح الجهاد والمسؤولية والمقاومة إلى الناس، وهز الضمير الإسلامي هزة عنيفة وأعطاها صدمة قوية أعادها إلى وعيها وإرادتها وعزمها وقوتها على مر التاريخ.
إن ما طلبه الإمام في ثورته التصحيحية هذه لن يتم إلا ببذل الدماء الغزيرة والعزيزة والتضحية المأساوية الفريدة بنفسه وأهل بيته وأصحابه، حيث إن الحركة التي أقدم عليها الحسين عليه السلام، تستجمع كل الشروط التي يطلبها الله تعالى من عباده ليهبهم النصر والفتح، وهي الإيمان والإخلاص والتقوى والجهاد في سبيل الله ونوعية الرجال الصادقين مع أنفسهم ومع الله تعالى.
وإن هذا الفتح لن يكون إلا بفتح الضمائر والقلوب والعقول وتحريرها من سلطان التبعية لبني أمية، وتحرير الإسلام من حركة التحريف والتشويه التي تجري في حضور السلاطين باسم الإسلام، ومن خلال موقع خلافة رسول الله.
تبين من كل ما سبق إن هذا الفتح الذي أجراه الله تعالى على يد الحسين عليه السلام وأنصاره لن يتكرر مرة أخرى في التاريخ، وفتح عاشوراء فتح ليس بعده سقوط، بالرغم من الانتكاسات التي ضربت المسلمين لاحقا، لأن هذه الانتكاسات إنما حصلت بعد خروج الإسلام من مضايق التاريخ وتجاوزها، وانتشر على وجه الأرض، فلم تعد لهذه الأحداث خطر على كيان الإسلام، حيث إن ثورة عاشوراء كانت البوصلة التي توجه الأحرار إلى الصراط المستقيم وتميزه عن زيغ الحكام الذين يتمشدقون بالإسلام زورا وبهتانا.
نعم هذه الجموع المليونية بالرغم من إن فيهم الغث والسمين من الناحية الإيمانية والاعتقادية، بيد إنهم جميعا في ضيافة الحسين عليه السلام، وإنهم جميعا في محطة الرحمة الإلهية التي جعلها الله تعالى في ركب وسفينة هذا الإمام الهمام، يغترف منها العارفون كل حسب فهمه وإخلاصه ونيته وثباته، نعم الإمام يزداد غبطة وسرورا وابتهاجا عندما يرى السائرين في طريقه هم سائرون على نهجه المبارك، لنسعى جاهدين باتحاد الطريقين لعله نقترب من طريق الفتح الذي خطه سيد الشهداء بدمه المبارك.


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : سجاد الموسوي ، في 2013/12/16 .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

لااقول اكثر سوى طيب الله انفاسك وادام اقلامك وكتاباتك الجميلة والمعبرة والحقيقية.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40612
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28