• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نقابيّون مثالات...!!! .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

نقابيّون مثالات...!!!


تعرّفتُ إلى نقابة المعلّمين وأنا معلّمٌ منذ ستّ سنوات. كنتُ يومها في مطار بيروت أنتظر شقيقي العائد من رحلةٍ سياحيّة، عندما التقيتُ به، رجلاً في الستّين من عمره، ينتظر وزوجتَه ابنتهما العائدة من تخصّصها الجامعيّ في الخارج. وفي تعارفنا سألني عن عملي في الحياة. ولمّا عرف أنّي معلّم، راح يسألني عن تفاصيلَ خاصّة، شعرتُ من خلالها، وللوهلة الأولى، أنّه فضوليٌّ وحشريّ. ولكن! عندما وصلنا إلى نقطةٍ معيّنة، قال: انتبه، يجب أن "تضمّ خدماتك" وإلاّ خسرتَ من تعويضكَ ثلاث سنوات. وأخذ ورقةً من جيبه ودوّن ما يجب عليّ تأمينه من مستندات، ثمّ كتب رقمًا هاتفيًّا لآنسةٍ مضيفًا شفويًّا: - قلْ لها من قِبلي.
وبفضل هذا الأستاذ الكريم، "ضممتُ خدماتي" وسوّيتُ وضعي في صندوق التعويضات. والأهمّ من ذلك، عرفتُ أنّ لي حقوقًا ومستحقّات. وبفضله أيضًا صرتُ رسولاً بين الزملاء، لحقوقهم، وتوعيتهم على ما لهم وما عليهم!
في مرحلةٍ لاحقة، وفي تردّدي على مركز النقابة في فرع جبل لبنان الذي أنتمي إليه، تعرّفتُ الحالة النقابيّة في أوجهها الحقيقيّة. وكانت تلفتُني ظاهرةٌ في المسؤولين النقابيّين، قلَّما علّقوا عليها أهميّةً تُلحظ. كلّ واحد منهم معلّم، قضى يومَه التعليميّ في المدرسة، يدخل صفّه ستَّ أو سبعَ ساعات، ثمّ تراه في النقابة حاضرًا، البسمة على وجهه والهدوء يتملّكه. يستقبل الزملاء في تشكّياتهم ومشاكلهم، يحتمل أحيانًا كثيرة إزعاجاتهم التواصليّة بسبب الهموم التي يحملونها. ثمّ ينتقل إلى اجتماع الفرع، ويشارك فيه من موقعه المسؤول بوعيٍ تامّ وجهوزيّة دائمة. كلّ هذا بمجّانيّة مطلقة وفرحٍ مستمرّ!
هكذا تعرّفتُ الوجه النقابيّ للمعلّم! خدمة الزميل، وهمّ حقّه وملاحقته عنه ولأجله. وكم من حقوق حُصِّلت بفئةٍ قليلة من الزملاء النقابيّين والناشطين في النقابة، استفاد منها الجسم التعليميّ بأسره وهو غافلٌ عمّا يحصل، وغير مدركٍ لِما جرى في سبيله! والجدير ذكره هنا أنّ حقًّا لمعلِّم لم يُهدَ إليه، بل اكتُسب بالملاحقة النقابيّة والحركات المطلبيّة والضغط المتواصل!
زميلي المعلِّم، أحبِبْ نقابتك "كرمالك". أَحبِبْها لأجلك! لأجل إفادتكَ أنت وحقوقكَ! أحبِبْها لأنّها تخدمكَ بصدق، وهي أكثر من يخدمك!
إنّي لا أُنكِر فضل مدرستي عليّ، وأنا أعيش من خيرها، من أجلِ ما أجنيه لها في طلاّبي الموكلين إلى رعايتي ومخزونيّ المعرفيّ. وهنا أدعوكَ إلى بذل ذاتٍ هو في صميم هويّتكَ المعلّميّة. وعلى هذا تتّكل عن حقّ مؤسّستُكَ التربويّة. فأنتَ المربّي طلاّبَها على القيم الإنسانيّة ، والمدرِّس عقولَهم الفكرَ العلميّ والأدبيّ. أدعوكَ إلى عطاءٍ كامل يعبّر عن مواهبيّة الأستاذ فيك ويقدّم للمدرسة ما ترجوه منك.
ومع ذلك، كن واعيًا! تعرف ما لكَ لإنسانيّتكَ من ضمانات، حتى "تبقى واقفًا". حتى تستطيع أن تجابه عاتيات الزمن وصعوبات الظروف القاهرة. كن واعيًا لِما لكَ من تأمينات تقي صحّتكَ وتُعيل أبناءك!
كنْ واعيًا أنّكَ لن تكون معلِّمًا صالحًا إذا لم تكن إنسانًا مرتاح البال والجسد! كن واعيًا أنّكَ لن تكون رسولَ حياةٍ كريمة إذا كانت حالكَ ذليلة!
إنّي أقرّ هنا بحقّ، أنّ كلّ ما عرفتُه عن حالي، وما أدركتُه من حقوقي، وما جعلني أدفع زملائي إلى وعي أوضاعهم، هو ما لقيتُه أنا من نقابيّين استشرسوا في سبيلي، واستبسلوا لأجل عيشٍ كريم يضمن لي ولكلّ معلّم، كرامةَ الإنسان الذي أنا، ورفعةَ الرأس التي تُبقيني مربّيًا ومثالاً في أَعيُن تلاميذي، بل قلْ أولادي، وأهليهم!

                                                        

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=40690
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29