• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العرب بين جرة الزيت وبراميل النفط .
                          • الكاتب : د . حامد العطية .

العرب بين جرة الزيت وبراميل النفط

     الأعرابي وجرة زيت، حكاية قصيرة للصغار، علق الأعرابي أول جرة زيت في خيمته، وجلس تحتها يحلم، واحلام اليقظة رخيصة، لا تستهلك سوى القليل من الوقت والجهد الدماغي، بالحلم تكاثرت نعاجه، وتحولت خيمته إلى قصر منيف، وصار له أجراء ينفذون أوامره، ولا يكتمل حلم الأعرابي من دون ولد واحد أو أكثر، يرثون ثروته ويتباهى بهم ويقدمون له فروض الطاعة والاحترام، وإن لم يفعلوا ضربهم بعصاه، وهي التي يهش بها على غنمه وله بها مآرب أخرى، لكن عصاه أصابت الجرة فانكسرت وساح منها الزيت وتبددت أحلام الأعرابي.
هل تعلم العرب من هذه الحكاية حكمة حسن التصرف والتدبير؟
    العرب اليوم أحسن حظاً من أعرابي الحكاية، بفارق كبير، غالبيتهم اغناهم الله عن الرعي، وبدلاً من جرة زيت واحدة رزقهم بمليارات البراميل من النفط، ومن دون عناء، وها قد مضى نصف قرن على استخراج نفط العرب، وما جنوه منها يعد بالترليونات من الدولارات، ولكن النفط مورد ناضب، وسيأتي اليوم الذي سيستخرج فيه آخر برميل أو شحنة غاز من الدول العربية، وقد يكون هذا اليوم بعيداً في حسابات بعض الحكومات العربية الحريصة على تبديد مخاوف شعوبها، لذا يلاحظ بأن تقديراتها لاحتياطياتها تزداد عاماً بعد عام، ولكن يرى بعض الخبراء بأن المتبقي من هذا المورد قد لا يدوم لأكثر من نصف قرن آخر، أي أن النفط العربي قد بلغ منتصف عمره، في حساب السنين لا الكميات، ومن غير المعروف إن كان سعره سسيبقى عند مستواه المرتفع حالياً أم يتجه للانخفاض، كما لا يستبعد اكتشاف مصادر جديدة للطاقة تقلل من اعتماد دول العالم على النفط.
   لعل أفضل قياس لاستفادة الدول العرية النفطية من هذا المورد الثمين هو مدى نجاحها في تقليل اعتمادها عليه، وهو مؤشر ذو دلائل إيجابية متعددة، أولها أن قيادات هذه الدول ونخبها الإدارية والاستثمارية واعية لحقيقة كون هذا المورد ناضب مهما بلغت تقديرات احتياطياتها منه، كما يدل على نجاحها في اسثمار عوائده في تحقيق التنوع الاقتصادي المرغوب والتنمية الاقتصادية المستدامة وبالتالي إيجاد موارد مالية بديلة للصرف منها على أوجه النفقات الحكومية والاستثمار، لذلك يمكن اعتبار هذا المؤشر بحد ذاته ولأغراض هذا المقال المحدودة كافياً للحكم على مدى نجاح الدول العربية النفطية في الاستفادة من هذا المورد للمديين القصير والطويل في نفس الوقت. 
     المملكة العربية السعودية أكبر منتج ومصدر للنفط ولديها أعلى احتياطي منه في العالم، ولكن صورة المملكة الاقتصادية قاتمة كما وصفها أحد أفراد العائلة الحاكمة، إذ صدر عن الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود قبل أقل من شهر تحذيراً من مغبة استمرار اتكال السعودية شبه الكامل على عوائد النفط، وأشار إلى أن 92 بالمائة من واردات الميزانية الجديدة تأتي من هذه العوائد، واستنتج بأن الخطة الاقتصادية الآخيرة قد فشلت في تحقيق أحد أهدافها الرئيسية، وفي الوقت الذي بلغت احتياطيات المملكة الاقتصادية مستويات غير مسبوقة ما زال أكثر من نصف مليون شاب سعودي (12 بالمائة ) على أقل تقدير من دون عمل، كما أن الملايين من السعوديين يقبضون إعانات  شهرية من الحكومة السعودية لمساعدتهم في توفير احتياجاتهم المعيشية الأساسية، ويشكل السعوديون الذين لا يمتلكون بيوتاً خاصة بهم أكثرية السكان، وستواجه الحكومة السعودية تحديات أصعب في المرحلة القادمة، نتيجة تنامي عدد السكان وارتفاع مستويات التوقعات والحاجة لإيجاد وظائف جديدة، وقياساً على الأداء الحكومي منذ منتصف القرن الماضي حتى اليوم فإن الوضع يبعث على التشاؤم، مما سيهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للمملكة، وبالتالي يضع ضغوطاً أكبر على أوضاعها الاقتصادية.
     عند ذكر العراق اليوم يرد إلى الذهن الرقم التالي: سبعة ألاف ومئة وأربع وخمسين، ليس هذا معدل الدخل الفردي، بل هو عدد ضحايا الإرهاب في العام المنصرم، أما الدخل الفردي فهو أقل من ذلك بكثير، ولا أظن أن هناك حاجة للاستشهاد بمؤشرات لكي نحصل على صورة دقيقة لأحوال العراق، بإختصار فإن معظم عوائد النفط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بددتها الحكومات العراقية المتعاقبة، وبالذات الحكومة البعثية التي حكمت العراق لمعظم تلك الفترة الزمنية، ويواجه النظام الحالي قائمة طويلة من المشكلات المستعصية في مقدمتها الإرهاب المستديم والفساد المستشري وتبديد العوائد النفطية ونقص الخدمات المزمن والبطالة والفقر، لكن يبدو هذا النظام بطيئاً أو حتى مشلولاً نتيجة المحاصصة الطائفية والقومية والفدرالية التقسيمية والتوافق المستعصي، ويحظى الإرهاب والخلافات السياسية والتحريض الطائفي والتنافس الحزبي بالحصة الأكبر من وقت الساسة ويدفع بالتنمية إلى أدنى قائمة اهتماماتهم، وتبقى العواد النفطية المتصاعدة مجرد علاج أعراض مؤقت لمشكلات العراق وشعبه، فهي المصدر الرئيسي لتمويل النفقات الحكومية والتي يذهب معظمها لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، ولكل هذه الأسباب فإن الخمسين سنة القادمة قد لاتكون أفضل بكثير من المنصرمة، ولكن من المحتمل أن تكون أسوء بكثير لو تدهور الوضع في العراق إلى الحرب الأهلية والتقسيم إلى دويلات غير مستقرة ومتصارعة.     
   بعد عامين على سقوط نظام القذافي يبقى الوضع في ليبيا مضطرباً، إذ ترفض المليشيات التخلي عن أسلحتها والانخراط في العملية السياسية السلمية، كما ظهرت بوادر تصدع في كيان الدولة، وقويت الولاءات القبلية والمناطقية على حساب الانتماء الوطني، وفقدت الحكومة المركزية سيطرتها على جزء كبير من الصادرات النفطية التي توفر 80 % بالمئة من التمويل لنقاتها ومشاريعها، والحاجة ماسة لهذه العوائد لإعادة إعمار ما هدمته حرب إسقاط نظام القذافي والبدأ بتنمية شاملة ومستديمة لتنويع مصادر الدخل الحكومي وحل مشكلة البطالة والتي تقدر  بـ 20 إلى 30 بالمئة.
   البطالة مستشرية في الجزائر أيضاً، وكل عوائدها من النفط والغاز لم تنجح في تخفيض نسبتها المرتفعة (حوالي 20 بالمئة) وأغلب العاطلين من الشباب، وكما في بقية الدول العربية النفطية تتقدم أزمة السكن قائمة الأزمات المزمنة، وهي أحد الأسباب الرئيسية للاضطرابات التي شهدتها الجزائر، كما أن نظامها السياسي لا يعد مستقراً، وما زالت الحكومة تعتمد بنسبة تصل إلى 70 % على عوائد النفط والغاز لتغطية نقات الميزانية السنوية.
    لا تختلف الدول العربية النفطية الصغيرة عن الكبيرة في اتكالها على عوائد النفط والغاز، ونسبتها في الكويت حوالي 80 %، وفي قطر والبحرين 70 %، والحال أفضل نسبياً في الإمارات (40 %) وفي عمان (45 %).
    كان للسودان حقول نفطية لكنها فقدتها بعد انفصال جنوب السودان، وفي اليمن توجد حقول نفطية لكن أنابيب النفط تتعرض بصورة متكررة للتفجير، وفي ظل الوضع السياسي المتأزم يصعب على الحكومة الاستفادة من عوائد هذا المورد الحيوي، وفي مصر أيضاً تتعرض منشآت النفط والغاز للتخريب، وقبل أن يبدأ لبنان بالاستفادة من حقول النفط البحرية لا بد أن تستقر أوضاعه الأمنية والسياسية، وهو أمر بعيد المنال في المدى القريب على الأقل، وفي سورية تتقاتل الفئات المسلحة المعارضة للحكومة للسيطرة على حقول النفط  واستعمال عوائده لشراء السلاح وتهديم ما تبقى من الكيان السوري.
   يصف البعض النفط بأنه نقمة على العرب، إذ وفر لهم مصدراً ميسراً للدخل والثروة، وصرفهم عن النشاط والابتكار، وهو وصف خاطيء لأنه يشبه هذه الأمة بأطفال أفسدهم دلال الوالدين الزائد، والحقيقة أن النفط نعمة كبرى فشل العرب في الاستفادة منها، وهم من جعلها نقمة، يتقاتلون حول السيطرة عليها ويستعينون بالغرباء على بعضهم البعض من أجل ذلك.
   الإعرابي وجرة الزيت ليست مجرد حكاية بل هي تكاد تكون نبوءة حققها العرب بأنفسهم، إذ لم يشفى الاعراب من هوس حب السيطرة، وكل اهتمامهم منصب على امتلاك العصي الكفيلة بردع شعوبهم وجيرانهم، ولم يترددوا في استعمالها مراراً وتكرارا داخل وخارج حدودهم، وقد تبددت مليارات براميل النفط بسبب هوس العرب بالسيطرة وامتلاك العصي وهم مستمرون على هذا المنوال حتى ينضب النفط وبقية الموارد، ولن ينجيهم من المستقبل القاتم الذي ينتظرهم سوى الله وتغيير ما في أنفسهم.
10 كانون الثاني 2014م



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=41485
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 01 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29