منذ نشوء الحياة على الارض عاشت اقوام عديدة ومتنوعة فخلقت الكثير من الثقافات والعادات والتقاليد واسست دول وقسمت الاراضي منها ما تحولت الى مملكة واخرى امبراطورية وبالتالي انشئت الحضارة البشرية فالتأريخ معجم وموسوعة واسعة تتخطى حروفها كلماتها مساحة الكرة الارضية ففيها يكتب المفكرون والفلاسفة والمؤرخون كل شيء حدث في بقعة ما على الارض حتى ولو كانت بحجم نملة تلك البقعة فهناك الحروب والكوارث والمعارك الطاحنة والاختراعات البشرية ونظم المال والاقتصاد وثقافة الشعوب وعاداتها وتقاليدها .....
كل شيء حدث في حضارة عاشت وبقيت اثارها او لم تبقى يدونه التأريخ ولو بسطر يتكون من عدة جمل فالتأريخ يعرف ويعلل ويملأ الصفحات البيضاء بكل ما حدث في الماضي فالحرب العالمية الثانية حدثت قبل عقود من الزمن ولكن كل ما حدث من حروب ومعارك ومجازر وابادات جماعية واحتلال المدن وتصفية ثقافة شعوب دونه التأريخ وبدقة متناهية ووضوح شديد فينقل اللحظات التي تشتعل فيها النيران حدود العالم فالتأريخ يروي سيرة البشرية ونبذة طويلة عن الاحداث التي عاشتها الكرة الارضية بشعوبها فالحضارة الفرعونية مثلها مثل اي حضارة عاشت واندثرت دعائمها وركائزها بقيت لها سطور في موسوعة التأريخ فحياة ملوكهم وحروبهم وصروح الهندسة المعمارية التي صنعوها بقيت اثارها بعد مرور الالاف السنين وما زال التأريخ يكتب عن الفراعنة لكان هنا يطرح السؤال نفسه ؟
هل التأريخ يكتب كل شيء ويدون ما حدث في الماضي ام ما زال هناك اسرار والغاز لم يكشف عنها ؟
فمصير هتلر زعيم المانيا النازية والرجل الذي كاد ان يغير وجه التأريخ ما زال غامضا فهناك الكثير من الروايات والاساطير التي دارت حول مصيره ولكن عقل وفكر وفلسفة الانسان الواعي والمتمدن لم يقبل بهذه الافتراضات المعقدة التفاصيل والثائر العالمي ارنيستو تشي جيفارا قلب موازين الفلسفة الثورية في الكثير من بلدان العالم فقاتل وانتفض وثار وناضل ولكن اي محل جيفارا من الاعراب في التأريخ واين هي انجازاته ودعائم فكره فالتأريخ لم يعطه المساحة الكافية لمعرفة من يكون هذا الرجل الثائر فالتأريخ نسي الكثير من الاحداث والعظماء والاساطير لكي يتكلم عنها ومن عظماء التأريخ الرجل المتميز علي بن ابي طالب الذي يعتبر درع التميز في الحضارة البشرية ففكره المزدهر بالفلسفة والعقلية المثالية في رؤية افق الحياة جعلته من اقوى وانبل واعظم واشجع الرجال في التأريخ البشري لما تميز به عصره وخلافته من رقي الفكر والفلسفة ولكن يبقى علي بن ابي طالب لغزا لم تكشف خفاياه واسراره في موسوعة التأريخ ويبقى رجلا غامضا في الكثير من مراحل حياته فالتأريخ لم يرصد مرحلة شبابه بتفاصيلها الدقيقة ودوره الفكري والفلسفي بين ثقافة قبائل العرب في عصره فلقد كان رجلا من سادة قبائل العرب وتوافرت كل العوامل والاسباب لكي يلتف حوله رجال من قبائل العرب ويقدمون فروض السمع والطاعة له لما يملك من مقومات مميزة في القيادة وتحمل اعباء الفكر والفلسفة الانسانية فالتأريخ لم يكتب عن هذا فمرحلة عصره وتنصيبه خليفة لأمة الاسلام يبقى غامضا وصامتا في سرد الكثير من الاحداث التي وقعت في عصره فلقد كان رجلا عاقلا وراشدا وذكيا الى ابعد الحدود فلملم جراح الدسائس والفتن والمؤامرات التي حدثت في عصره لكي يحولها الى مودة وسلام ووئام بين قبائل العرب ولكن لم يحظى علي بن ابي طالب بنصيبه من الانجازات التي صنعها في عصره ولم يكتب التأريخ عن فكره وفلسفته وعقليته الجبارة في تأسيس مبادىء وقيم ونظم تقوم على اسسها مجتمعات فيها كل مكونات التطور والتكامل .....
فالتأريخ موسوعة لا تخلو من العيوب في اروقتها وزواياها فهو ينقل الحقائق ويصنف الاحداث بتواريخها ويحلل معادلات الحضارة البشرية في مجالات الحياة ولكن احيانا كثيرة ينسى التأريخ ان الحقيقة ليست حلا لمعادلة الحضارة ولكن توثيق الاحداث بدقة ووضوح واستمرارية السرد والنقل وجمع الحقائق هي حل معادلة الحضارة البشرية !
فعلي بن ابي طالب شخصية تأريخية ما زال يلفه الغموض وتحيط به الكثير من الاسرار والالغاز التي لم يكشف عنها برغم انها شخصية عاشت قبل الالاف السنين فهذا ليس معيارا لمعادلة الزمن والوقت لأن التأريخ لا يعترف بمعايير زمنية ومقايسس الوقت لان التأريخ هو من يصنع الزمن والوقت فعلي بن ابي طالب هو رمز التميز في عصره ولكن هل توجد هنالك نهاية لمعادلة التميز هنا يقف القلم حائرا وتتوقف عقول الفلاسفة والعباقرة عن مداعبة الفكر والفلسفة لان التأريخ هو الوحيد القادر على كشف الغموض وحل الاسرار والالغاز التي تحيط بحياة وعصر علي بن ابي طالب ..... درع التميز في الفكر والفلسفة والعقل في عصره .
علي بن أبي طالب ..... الأنسان والرجل المتميز ( 2-2)
علي بن ابي طالب رجل عظيم له بصمته في التأريخ الاسلامي والحضارة البشرية فلقد كان فكره الفلسفي والانساني ضوءا ساطعا في مسيرة الانسان نحو افاق المجد فشخصيته وصفاته واقواله وحياته عبارة عن مجموعة هائلة من القيم والتعاليم الانسانية والاخلاقية فلقد كان انسانا يملك من الحنان والعاطفة والاخلاق ما لم يملكه فلاسفة وعباقرة الفكر والفلسفة ورجل تخشاه قبائل العرب فملامح شخصيته كانت كالضيغم في ساحات القتال وكان مفكرا وفيلسوفا ينسج الحروف والكلمات ليصنع اروع الاقوال التي قيلت عبر تأريخ البشرية .
فمعادلة التميز هنا تنطبق بكل معطياتها واحداثياتها على هذا الرجل الذي احدث في دروب ومسالك الحياة الكثير من التغيرات في حياة الانسان فلقد كان عظيما في خلقه ونسبه وسلالته فقبائل العرب كانت تخشاه بأقواله قبل سيفه لانه كان انسانا تركع له القلوب والعقول فهو نصير الفقراء في عصره والخليفة المتميز في حكمه للأمة الاسلامية فعصره كان المظلة التي تحتضن القيم والاخلاق وكرامة الانسان وحريته فتأريخه فضاء مضيء بنور العلم والمعرفة فلقد كان شاعرا يملك من فصاحة اللغة بحور عميقة ورؤية فلسفية لكل تفاصيل حياة الانسان فيقول سيد التميز علي بن ابي طالب في وصف ( الصداقة )
فلا تصحب أخا الجهل
وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى
حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء
إذا ما هو ماشاه
وللشىء من الشىء
مقاييس وأشباه
قياس النعل بالنعل
إذا ما هو حاذاه
وللقلب على القلب
دليل حين يلقاه
ويصف الرجل المتميز علي بن ابي طالب ( الفرج والشدة ) بهذه الابيات الشعرية
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجها
ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث
يمن به القريب المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت
فموصول بها الفرج القريب
ان هذه الابيات الشعرية ما هي الا سطور تدخل البهجة والسرور والفرح في قلب الانسان وقطرات ندى فلسفية ولدت من رحم بحور اللغة والفكر والرؤية المتميزة لعلي بن ابي طالب وله من الاقوال الفريدة في معانيها والنادرة في تشخيص حياة الانسان فمن الجمل والحكم التي قالها
الشرف بالفضل والأدب لا بالأصل والنسب
المعروف كنز من أفضل الكنوز
احذر صولة الكريم إذا جاع وصولة اللئيم إذا شبع
أخوك من واساك في الشدة
اللسان معيار أطاشه الجهل وأرجحه العقل
من قل صدقه قل صديقه
لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال
الآداب حلل مجددة والفكر مرآة صافية
فهذه الحكم والجمل الفائقة الدقة في وصف حالة معينة وغيرها من الاقوال التي نسبت لهذا الرجل المتميز علي بن ابي طالب اصبحت اسس ودعائم لحياة الانسان يعرف من خلالها كيف يصون لسانه ويهذب اخلاقه ويعلم ابناءه المعرفة ويجرد العقل من الخيال لتوضح الرؤية السليمة لواقع الحياة
فعلي بن ابي طالب عاش حياته وهو يحتكم الى العقل والقلب في رؤية الامور والاشياء ويرشد الناس ويعلمهم فهو رجل غير عادي عاش في زمن غير عادي توافرت فيه كل مقومات وعوامل التميز فمن هذا المنطلق كانت حياته منذ نعومة اظفاره وصولا الى حكمه الامة الاسلامية خالية من الشوائب والرواسب فلقد كان انسانا ورجل متميز في الافعال والاقوال ويعتبر تأريخه صفحة مشرقة انارت طريق الحضارة البشرية .