• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أبراهيم وذكرى مدينته حلبجة .
                          • الكاتب : عباس العزاوي .

أبراهيم وذكرى مدينته حلبجة

 مازلت اتذكر كأنه الامس حين التقيت بأبراهيم الجاف ذلك الشاب الكردي الطيب والهادئ في احد معسكرات الجيش العراقي في الجنوب بعد ان وضعت الحرب العراقية  ـ الايرانية احمالها وموتها العابث الذي استمر طويلا دون جدوى ... جاء من شمال العراق يحمل في قلبه الصغير هموم كبيرة تنوء الجبال من ثقلها وقساوتها ...جاء ليخدم الوطن , ويؤدي خدمة العلم في الجيش العراقي" الباسل" الذي اخمد انفاس اخيه الرضيع في مهده وباقي افراد اسرته .....الا هو وامه الذين كانوا في زيارة لخالته في مدينة اخرى  بمحض الصدفة ...او ربما ادخرهم الله ليحكوا لنا فاجعة حلبجة المؤلمة حتى لاندعي الجهل بما حدث هناك بين جبال كردستان العراق.
 
  الله.... ياأبراهيم...  ياصاحبي كم كنت كبيراً وصلباً رغم صغر سنك وانت تقص عليُّ احداث حلبجة المروعة... بلغة عربية متعثرة لم التفت اليها قدر اهتمامي وولوجي في عالمك المرّ وانت تنفث زفراتك الحارقة بين الحين والاخر..... كان مسترسلا وكأنه يتكلم مع نفسه في حديثة عن مدينته الجميلة التي زارها الموت البعثي في يوم اسود وجال بين ازقتها الضيقة يزرع الرعب والموت اختناقاً ....ويقطف زهورها الصغيرة بارادة سادره ...... كان صوته مرتجف وخائف وهو يتنقل بين الاحداث المخيفة التي شهدها بعد عودته.... يفتق بشغف صبياني جراح قلبي ويغرز كلماته عنوة فيها حول ماجرى في ذلك اليوم اللعين!!
 
سألني ببراءة لااستطيع نسيانها .. بعد ان مال براسه مستغرباً.... حين رأى دمعة انحدرت على خدي دون ارادة مني..... شنو كاكا عباس انت يبجي؟ ....... وهل ماتسرده علي ياصديقي من ألم وموت يدعو لغير ذلك؟
 لم يكن يصدق او يعتقد ان هناك من يتحسس جرحه الغائر!!!.ولااعرف كيف وثق بي في زمن الغدر والخيانة, زمن الخوف الهستيري من مقاصل وزنازين الحكومة البعثية.
 
بعد ان انقضت طقوسنا الحزينة في استذكار ماحدث.... سألته عن جرأته في البوح ...ولي انا بالتحديد!!! ... بجريمة ارتكبتها الحكومة البعثية وتحاول جاهدة التستر عليها بل وتعاقب من يتحدث فيها!!!  فقال لي وهو يجول براسه يمنة ويسره...ليتأكد ان لااحد يسمعنا.. ارجوك لاتخبر احد انا لااعرف كيف شعرت برغبة في الحديث معك في هذا الموضوع.
 
بعد فترة طويلة غاب ابراهيم من المشهد اليومي في وحدتنا العسكرية ولم اعرف ماحل به.... ولكنه ظل في ذاكرتي كجرح قديم بنتوءه المتصلب...اتذكره كلما مر أسم مدينته المنكوبة...  ربما يكون الان قد اكمل الاربعين من عمره .... إن هو نجى من جحافل الموت العراقي التي جاءت بعد ذلك!!!  
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=4279
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28