• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : ليتها تعود .
                          • الكاتب : مصطفى غازي الدعمي .

ليتها تعود

كنت في ظلمات ثلاث وأخبرتني أمي حسرةً أن أبي فارق الحياة أنا طفل ولد دون أن يرى وجه أبيه فإرادة القدر شاءت ذلك لكني لست يتيماً أو لم أشعر بذلك والسبب  أمي أو .. من وهبتني السعادة والحياة سمها ما شئت فهي كل شيء .. لطالما رعتني وتحرص على سلامتي حرص الغريق على ما تبقى له من هواء فأنا كل ما لديها وهي من أختار هذا، فلا أزال أذكر كم طلب منها أن تعيش لنفسها وتبدا حياتها من جديد وكانت دوماً ما تقول ولدي صبر هو حياتي ولا أزال أذكر دموعها وصراخها حينما فقدتني في سوق مدينتنا كانت تركض دون وعي وعندما رأتني احتضنتني وكأنها تريد أن تدخلني بين أضلاعها...
مرت السنين والأيام وكبرتُ وحان لأمي ان تفرح بزواجي وعندما أخبرتها أني قررت ذلك قامت من مكانها وهي تبكي بدموع الفرح وقالت كم انتظرت هذا اليوم وكانت أسعد من في الكون يومها لا أزال أذكر زغاريدها التي وصلت عنان السماء فرحاً...
صار لي أطفال وهي ترعاهم كما فعلت معي بالضبط وهم يحبونها كثيرا وكيف لا وهي ملاك السماء الذي يفيض حباً ووداً رغم أن سنين التعب أخذت منها الكثير وأوجاعها زادت نتيجة ما بذلت من جهد كبير من أجل تربيتي وفي الفترة الأخيرة كنت كثيراً ما أترك العمل وأعود الى البيت بفعل أتصال من زوجتي أو أحد أطفالي يخبرني بأن أصحب الجدة للطبيب أو أن صحتها تدهورت
ومنذ أسبوعين تقريباً كنت عائداً من الدوام بسيارتي وفتحت المذياع وكان هنالك لقاء مع مدير مركز رعاية المسنين في مدينتنا كان يتحدث عن الخدمات والرعاية الصحية الجيدة التي يقدمها العاملون للمسنين في المركز فراودتني تلك الفكرة اللعينة ... نعم سأدع أمي هناك فهم سيرعونها جيداً 
لم أنم ليلتها كنت أفكر في الطريقة التي سوف أخبر أمي بما يجول في خاطري وأخيراً خطرت ببالي فكرة نعم سوف أخبرها بأني سوف أخذها بجولة وفعلاً فعلت وأركبتها السيارة وسرنا حتى توقفنا أمام المركز سألتني أمي أهذا المكان الذي يوضع فيه المسنين ممن لا أهل لهم؟.. قلت نعم فسألتني ثانيتاً ولماذا نقف هنا؟ وحينها أطرقت برأسي الى الأرض.. ما الذي سأقوله وبصوت مرتجف أمي سوف أدعك هنا لعدة أيام ثم سوف أعود وأخذك فهم سوف يهتمون بك جيداً لم تتفوه امي بكلمة
 نزلنا من السيارة ودخلنا المركز واستقبلنا المدير ملأت بعض الأوراق وقد أعطيتهم رقم تلفون خاطئ حتى لا يتصلوا بي باستمرار وأعلم أن أمي لن تدعهم يفعلون ذلك أبداً فانا أعرف جيداً حجم ما تملك من كبرياء وهي لن تعطيهم رقمي الصحيح.
 أدرت وجهي وخرجت ولا أزال أذكر دمعة أمي التي تعلقت بأكُفِ أهدابها حتى لا تسقط حزناً أو لعلها توهمني بأن الأمر لا يحزنها كثيراً
وصلت البيت ولم يكن الأمر أهون من سابقه فأطفالي يسألون أين جدتنا وكان (علي) ذي العشر سنين أكثرهم إلحاحا أبي أين جدتي فأنا لم أرها منذ الصباح قلت لهم أنتم تعلمون بمرضها وصحتها التي لا تستقر على حال سألني علي بكل قلق هل جدتي بخير ؟ هل هي في المستشفى ؟ دعنا نذهب اليها يا أبي فلن أنتظر حتى الصباح.. 
حاولت أن أجعلهم يهدئون وأجبته لا يا ولدي فهي بخير ولكني وضعتها في مركز رعاية المسنين وهم سيهتمون بها جيدا، نظر لي علي وعيناه كليهما غضب .. أبي أن لم أرى جدتي في البيت غداً أعدك اني سوف أرميك عندما تكبر في ذلك المركز تفرق عني الجميع حتى زوجتي لم تتفوه بكلمة وكان صمتها أقسى من كل الكلام.
قلت في نفسي سيعتاد الجميع على هذه الحال وخصوصاً أني قررت أن أخذهم بنزهة خارج المدينة لعلهم يكفوا عن هذا الأمر وافقوا على أمل أن يجعلوني أعيد النظر في قراري ومرت ثلاثة أيام على سفرنا ونتيجة لإصرارهم قررت أن أعيد والدتي بعد أن نعود مباشرة وقد سعد الجميع بهذا الأمر ذهبنا سوية الى المركز والتقينا المدير فاستقبلنا حاملاً مصائب الدنيا على صفحات وجهه .. 
أرجوك أخبرني هل أمي بخير فأجابني بأنها تعرضت لأزمة قلبية منذ يومين وتوفيت والمركز بعد أن عجز عن الاتصال بكم ولم يجد أحد في المنزل عند مراجعة العنوان قام بمراسيم الدفن لكنها أوصتني بوصية قبل الوفاة..
 قالت أرجوك أخبر ولدي أن لا يحزن فما زلت أمه التي لا تريد ألا سعادته ...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=43274
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28