• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قصر الإمارة قصر الدماء وعِبرة البناء .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

قصر الإمارة قصر الدماء وعِبرة البناء

 في سنة (17) للهجرة وبعد عودته من فتح المدائن أمر سعد بن أبي وقاص أبا الهيجاء الأسدي بتخطيط الكوفة، فخططها، وخطط المسجد الأعظم، وبنى لسعد قصرا بحيال المسجد؛ فشيده وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيته. ثم إن بيت المال نقب عليه نقبا وأخذ من المال، فكانت هذه أولى بوادر سوء طالع القصر.
فكتب سعد بذلك إلى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) ، فكتب إليه عمر: أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار، واجعل الدار قبلته، فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل؛ وفيهم حصن لمالهم. فقال دهقان من أهل همذان يقال له: روزبه بن بزرجمهر: "أنا أبنيه لك وأبني لك قصرا فأصلهما ويكون بنيانا واحدا". فخط قصر الكوفة، ثم أنشأه من نقض آجر قصر كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة.
قصر الإمارة هذا قاد العراقيين خاصة والأمة عامة إلى الخبال، وفسخ عرى الألفة والوحدة بين المسلمين، وزرع الكره والبغضاء بينهم، بسبب الدماء التي أريقت فيه، ولذا رفض الإمام علي بن أبي طالب (ع) أن يسكنه يوم كان أميرا للمؤمنين، وخليفة للمسلمين، وقائدا للأمة؛ وسكن في دار بسيطة مؤجرة تعود على أخته أم هاني.
قصر الإمارة بقعة أرض ماجت فيها الدماء ولم تجف، عن عامر بن أبي عامر، قال: كنا في مجلس يونس بن عبيد، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه، يعنون دار الإمارة، قتل بها سبعون ألفا. فسألت يونس، فقال: نعم من بين قتيل وقطيع، قلت: من فعل ذلك؟ قال: زياد ابن أبيه وابنه عبيد الله وسمرة بن جندب[1]
وكان الطابع الدموي للقصر سببا في هدمه ليس لحقن الدماء، وإنما لخوف السلطان أن يوضع رأسه في موضع الرؤوس التي قطعت، إذ  جاء في كتب التاريخ أن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي جلس ووضع رأس مصعب بن الزبير بين يديه، فقال له عبد الملك بن عمير: يا أمير المؤمنين، جلستُ أنا وعبيد الله بن زياد في هذا المجلس ورأس الحسين بن علي بين يديه، ثم جلستُ أنا والمختار بن أبي عبيدة فإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يديه، ثم جلستُ أنا ومصعب هذا فإذا رأس المختار بين يديه، ثم جلستُ مع أمير المؤمنين فإذا رأس مصعب بين يديه، وأنا أعيذ أمير المؤمنين من شر هذا المجلس. فارتعد عبد الملك فرقا وخوفا وقام من فوره وأمر بهدم القصر [2]
كل تلك الفظائع حدثت بمدة لم تتجاوز الثلاث سنوات فقط، جاء في تذكرة الخواص: أن كل تلك الرؤوس حصدت بمقدار ثلاث سنين من عمر دولة المسلمين[3]
فضلا عن القصر وشره تحول مسجد الكوفة، وتحولت المدينة ذاتها إلى آية وعلامة من علامات الظهور، قال الإمام علي (ع): "إذا هدم حائط مسجد الكوفة، مؤخره مما يلي دار عبد الله بن مسعود فعند ذلك زوال ملك بني فلان، أما إن هادمه لا يبنيه[4] ليصبح القصر والمدينة (الكوفة)  من علامات الظهور المقدس، وروى المجلسي في البحار، في باب علامات ظهور المهدي المنتظر: عن إسحاق يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول للناس: "سلوني قبل أن تفقدوني لأني بطرق السماء أعلم من العلماء، وبطرق الأرض أعلم من العالم... ألا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فتشغر برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موتها وحياتها، وتشب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض"... إلى أن قال: "ولذلك آيات وعلامات، أولهن: إحصار الكوفة بالرصد والخندق، وتخريق الزوايا في سكك الكوفة، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وكشف الهيكل، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز، القاتل والمقتول في النار، وقتل سريع وموت ذريع، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام، وقتل الأسبع المظفر صبرا في بيعة الأصنام"... إلى أن قال: "ويبعث مائة وثلاثين ألفا إلى الكوفة وينزلون الروحاء والفاروق، فيسير منها ستون ألفا حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود (ع) بالنخيلة، فيهجمون إليهم يوم الزينة وأمير الناس جبار عنيد يقال له: الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتلُ على جسرها سبعين ألفا حتى يحتمي الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد، ويسبي من الكوفة سبعين ألف بكر، لا يكشف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل ويذهب بهن إلى الثوية - وهي الغري - ثم يخرج من الكوفة مائة ألف ما بين مشرك ومنافق، حتى يقدموا دمشق لا يصدهم عنها صاد - وهي إرم ذات العماد - وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختومة في رأس القنا بخاتم السيد الأكبر [5]
وبعد كل هذه السنين الطوال بقى أثر وأساس دار الإمارة في الكوفة شاخصا يذكر العراقيين بما مر على أجدادهم الأول من ضيم وقسر وشدة على أيدي أخوتهم، ربما ليخفف عنهم ما يمر عليهم اليوم من ظلم ذوي القربى.

هوامش
[1] سير أعلام النبلاء، الذهبي،ج4،ص 332 ـ 333
[2] تاريخ الخميس، حسين بن محمد بن الحسن الدياربكري، ج 2 ، ص 309 والصواعق المحرقة، ابن حجر، ص 198
[3] تذكرة الخواص، سبط بن الجوزي، ص 260
[4] الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج ٣ ، ص 1163
[5] بحار الأنوار، المجلسي، ج ٢٥ ،ص ٢٧٢ - ٢٧٤ حديث ١٦٧
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=43583
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19