بسم الله الرحمن الرحيم
من قال أنّ الأمور اختلطت وتضببت دروبها في عيون السائرين؟
الحق أبلج والباطل بيّن.. والحياة والهلاك على بيّنة..
ولم يكن علماؤنا قديما ليختلفوا حول عدو يهودي أو صليبي يغزو بلاد المسلمين ويقصف قراهم ومداشرهم.. كما لم يكن أجدادنا ليفعلوا ذلك .. لكنّ الدين تأخّر في حساب المصالح ، والمروءة تبخّرت قيمها في أنوف الرجال، فصار النهار بحاجة إلى دليل.
ولم يكن بوسعنا أن نطعن في قرار أي شعب عربي إذا قرر أن يصلح من أوضاعه أو يحتج للحصول على حقوقه، فذلك من حقه الذي تكفله الشرائع .. بل إن مواقفنا كانت دائما في صف أمتنا وشعوبنا، لكن حين يصل الأمر إلى تجاوز القيم والدين والثوابت باسم المصلحة السياسية ، فهذا ما لا يجب السكوت عنه أو مباركته.
إنّني أقول للمسلمين في ليبيا، ولإخواني في الشرق الليبي أنكم لستم تحت راية الحق إذ أنتم تحت راية الصليب وفي صفه..
لأنه..لا الصليب ولا المجلس المؤقت يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ..هؤلاء معروفون ومكشوفون وهم يقاتلون من أجل مصالحهم.. وفي الحديث " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليه.
إنني أسأل:
هل تنطبق على المسلمين في الشرق الليبي أحكام الشريعة التي توجب الجهاد ضد العدوان والتدخل الصليبي العسكري ضد شعب مسلم؟
أم أنّ المسلمين في الشرق الليبي قد أُعفوا من هذا الواجب الديني وصار بإمكانهم الاصطفاف مع العدو الذي يقصف بلادهم وشعبهم بالطائرات؟
وهل يمكن للمجلس المؤقت في ليبيا أن يفتي لنا في كفر الجيش الليبي وبالتالي إهدار دمه شرعا لصالح طائرات الصليب؟
وهل يدري المسلمون في ليبيا أنّ استقدام العدو الصليبي مقابل في طرف الاستهجان والحرمة لوجوب الجهاد لطرده؟
وهل يعلم المسلمون في ليبيا أنّ تخلف نفر من الصحابة في غزوة تبوك استدعى هجر النبي صلى الله عليه وسلم لهم والتفريق بينهم وبين زوجاتهم والتغليظ عليهم، وأن التولي يوم الزحف من أعظم الكبائر، فكيف بالذي يساعد العدو الصليبي على الدخول إلى أرض المسلمين؟
ألا إنّ الأمر عظيم، وهو مساس بأصل العقيدة والتوحيد لأنه متعلق بالولاء واستحلال دم مسلم لسيف مشرك محارب.
ووالله إنّ من مات ومقر بجواز دخول المشركين المقاتلين الصليبيين إلى أرض
إن قتال التحالف العسكري الغربي واجب أصلا انطلاقا من احتلاله للعراق وأفغانستان ومساعدته على احتلال فلسطين والمسرى، فكيف تستدعى جحافل هذا العدو نفسه لتسليمها بلدا آخر؟!
ألا إنها فتنة، ومن قضى في مواجهة العدو الصليبي فهو بإذن الله شهيد قائم بواجب الشرع، ومن قضى تحت راية الصليب فإن الأمر خطير شرعا، نسأل الله العافية والمعافاة.
إننا هنا نتوجه إلى إخواننا المسلمين الذين يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، أما هذا المجلس المؤقت فقد تبيّن أنّه مجرد لعبة في يد الغرب، ولا احتكام له إلى شرع الله تعالى.
ثم هل تدري المعارضة الليبية أنّ التحالف الصليبي العسكري لا يقدّم خدمة تكلّفه ملايير الدولارات بالمجان، وأنّ فاتورة كبيرة تتضخم يوميا في انتظار أن يدفعها الشعب الليبي على امتداد السنوات القادمة كما هو الشأن بالنسبة للعراق؟
وهل يدري المجلس المؤقت أنّ فرنسا وبريطانيا وأمريكا ستكون هي الحاكم الفعلي لليبيا أمام ضعف هذا المجلس وما أبداه من البساطة في التفكير السياسي.؟!
وهل يدري المجلس أنّ الأنظمة العربية الخليجية التي يستعين بها هي ذاتها منبوذة في بلدانها وهي ذاتها تفتح أراضيها للقواعد العسكرية، وليست هذه المهمة في الاستعداء ضد ليبيا غريبة عنها،فقد استعدت الصليب من قبل ضد العراق فدمرته.
ومثلما فعلت دول الخليج العربي بالعراق من استعداء للغرب واستقدام له وتآمر على البطل العربي المسلم الشهم صدام حسين، فإنها تعيد اليوم الكرّة مع الشعب الليبي.
المؤامرة على العراق بدأت بفتوى دينية تجيز "الاستعانة بالعدو"، (ظرفيا)، فهل توقف الأمر فعلا عند الاستعانة الظرفية؟أم أن العراق إلى اليوم يذوق من ويلات هذا العدو ما يذوق؟
وهل تستطيع تلك الدول التي تآمرت على العراق أن تطلب اليوم من الاحتلال الغربي مغادرة العراق الجريح ؟ أم أن مهمة تلك الدول هي فقط أن تستقدم العدو ولا يهمها بعد ذلك ما يحدث؟
كنا نظن أن أنظمة الخيانة العربية قد استوعبت الدرس مما حدث للعراق، لكننا اكتشفنا فجأة أنها لاتزال مستعدة لتسليم أي شعب عربي ومسلم آخر للمحرقة.
لذلك لا بد من إسقاط الجامعة العربية التي تحولت بحق الفيتو وأغلبية أنظمة الخيانة إلى مستجلب للوباء والبلاء الصليبي إلى المنطقة ..
فهل تستطيع قطر والسعودية والجامعة العربية أن تدعو إلى إعلان حظر جوي على الأراضي الفلسطينية التي يتعرض أهلها للتنكيل؟وهل تستطيع الرياض والدوحة المشاركة في ضرب دولة إسرائيل كما هي متحمسة اليوم للعب دور في ليبيا؟
لقد باركنا ووقفنا مع الثورة المصرية واليمنية والتونسية ، لكن لو أنّ المصرين استقدموا عدو الإسلام ساركوزي لما باركنا ذلك..
هل نفعل مثلما فعل الشيعة حين أقروا عمل عملائهم في العراق؟ أم أن واجبنا هو الإنكار لنقول: يا سالم الشيخي ويا علي الصلابي ويا كل داعية وعالم بالشرع ،كان الأولى بكم وطائرات الصليب تحوم فوق مساجدكم أن تعلنوا الجهاد لتطهير فضاء المآذن من رجس الصليبية، وبعدها ليكن لكم ما تشاؤون من الثورة والاحتجاج.
كان ذلك سيحسب ويكتب لكم لو أنكم فعلتموه..
لو كان في المجلس المؤقت خير لأعلن النفير ضد قوات الصليبيين متمسكا بخيار احتجاجاته بعد ذلك .وكنا سنحترم فيه ذلك..
لكننا نعرف المجلس المؤقت ونعرف مقدار التزامه بالدين وبالقيم هو الذي ألقى نفسه في أحضان فرنسا ..
فرنسا التي نعرف في الجزائر جيدا حقيقتها، إجرامها، نواياها.. تاريخها الأسود..
لقد تحركت إيرينا بوكوفا مديرة منظمة اليونسكو لتناشد التحالف العسكري الغربي والجيش الليبي تجنب قصف المواقع الأثرية في ليبيا، لكنّ علماء المسلمين لم يتحركوا ليدعوا طائرات الصليبيين إلى تجنب المساجد والمسلمين..
كان يمكن أن نقتنع بوجهة نظر حاكم السعودية وحاكم قطر لو أنّ قاعدة السيلية الأمريكية التي دمرت العراق لم تكن فوق الأراضي القطرية.. ولو أنّ قاعدة الظهران لم تكن فوق أراضي الحرمين الشريفين.
إننا نعلم جيدا أنّ ليبيا ستتحول إلى عراق ثان.. والمجلس المؤقت الليبي هو النسخة الأخرى للجلبي وعلاوي والحكيم والصدر في العراق..
إننا ندعو حزمة متزامنة من الواجبات على كل طرف:
ندعو النظام في ليبيا إلى وقف عملياته العسكرية.
وندعو الشارع في الشرق الليبي إلى إعلان الجهاد ضد أعداء الأمة الصليبيين، لئلا تبقى تلك وصمة عار في جبين شعب ما كان عمر المختار فيه سيرضى بالاستنجاد بالصليبيين مهما كان.
وندعو العرب والمسلمين جميعا إلى اتخاذ موقف جاد في مواجهة العدوان الصليبي والتحرك ضده ،وإلا فإن جميع شعوبنا ستكون عرضة لما حدث في العراق ويحدث في ليبيا.
وندعو علماء وحكماء الأمة إلى المسارعة بعقد اجتماع عام طارئ لبيان حرمة تحويل ثورات الشعوب إلى ثغر يدخل منه الاستعمار إلى ديارنا.
كما ندعو أهل العلم والوعي والحكمة إلى وجوب التدخل في ليبيا لجمع أهلها على كلمة سواء في مواجهة العدوان وإعلان الجهاد الشرعي ضد جحافل الكفر التي تفكر الآن بالتدخل البري وتدنيس بلاد أسد الصحراء عمر المختار رحمه الله ..
كما ندعو جميع شعوبنا إلى وقفات حازمة أمام السفارات والشركات الفرنسية والبريطانية والأمريكية وطردها وإنهاء تواجدها.
كما نحذر الدول العربية أنها ستكون تباعا هدفا للخيانة الخليجية التي مرد القوم عليها وعرفت عنهم.. وليبيا مجرد مقدمة..فهل سنقتل الفتنة في مهدها أم أننا سنشارك بصمتنا وقعودنا في انتشارها والسماح بمرورها واستشراء سمها؟!
إنني أدعو جميع العلماء والدعاة والمثقفين والأدباء والكتاب والإعلاميين إلى الانضمام إلى هذا المسعى الذي سيكون امتحانا لكل مسلم وعربي صادق..فقد نختلف مع الحكام ونحتج ونطالب بزوال أنظمة ،لكننا لن نعمد أبدا ومهما كان إلى الاستعانة بالكفار وإدخالهم إلى بلادنا ليقصفوا أرضنا وليبيدوا أهلنا وليستحوذوا بعد ذلك ولسنوات على حقوق شعوبنا باسم فاتورة التدخل..
ويا للعار ..
حرب البسوس أقرب إلى قلبي من أبرهة وهو يحاصر مشركي العرب ليدمر الكعبة.
حرب البسوس بين عربي وعربي أهون من فيلة الغريب تداهم أرضنا..
يا للعار..
متى كان الجزائر مقتنعا أن ساركوزي فرنسا يمكن أن يكون خيّرا؟
متى كان الليبي مقتنعا أن الحل بيد الفاشيست؟
متى كان العراقي بعد المرارة التي ذاقها مؤمنا أن يد أمريكا خضراء؟
يا للعار..
أو لنقل..يا للردة..
محمد جربوعة
24 مارس 2011م
ملحق/ فتوى المحدث الشيح أحمد شاكر رحمه الله:
قال الشيخ أحمد شاكر في كتابه كلمة الحق ص 126-137 تحت عنوان (بيان إلى الأمة المصرية خاصة وإلى الأمة العربية والإسلامية عامة):
”أما التعاون مع الإنجليز, بأي نوع من أنواع التعاون, قلّ أو كثر, فهو الردّة الجامحة, والكفر الصّراح, لا يقبل فيه اعتذار, ولا ينفع معه تأول, ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء, ولا سياسة خرقاء, ولا مجاملة هي النفاق, سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء, إلا من جهل وأخطأ, ثم استدرك أمره فتاب واخذ سبيل المؤمنين, فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم, إن أخلصوا لله، لا للسياسة ولا للناس.
وأظنني قد استطعت الإبانة عن حكم قتال الإنجليز وعن حكم التعاون معهم بأي لون من ألوان التعاون أو المعاملة, حتى يستطيع أن يفقهه كل مسلم يقرأ العربية, من أي طبقات الناس كان, وفي أي بقعة من الأرض يكون.
وأظن أن كل قارئ لا يشك الآن, في أنه من البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أو دليل: أن شأن الفرنسيين في هذا المعنى شأن الإنجليز, بالنسبة لكل مسلم على وجه الأرض, فإن عداء الفرنسيين للمسلمين, وعصبيتهم الجامحة في العمل على محو الإسلام, وعلى حرب الإسلام, أضعاف عصبية الإنجليز وعدائهم, بل هم حمقى في العصبية والعداء, وهم يقتلون إخواننا المسلمين في كل بلد إسلامي لهم فيه حكم أو نفوذ, ويرتكبون من الجرائم والفظائع ما تصغر معه جرائم الإنجليز ووحشيتهم وتتضاءل, فهم والإنجليز في الحكم سواء, دماؤهم وأموالهم حلال في كل مكان, ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون, وإن التعاون معهم حكمه حكم التعاون مع الإنجليز: الردة والخروج من الإسلام جملة, أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه.
وما كنت يوما بالأحمق ولا بالغر, فأظن أن الحكومات في البلاد الإسلامية ستستجيب لحكم الإسلام, فتقطع العلاقات السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية مع الإنجليز أو مع الفرنسيين.
ولكني أراني أبصر المسلمين بمواقع أقدامهم, وبما أمرهم الله به, وبما أعدّ لهم من ذل في الدنيا وعذاب في الآخرة إذا أعطوا مقاد أنفسهم وعقولهم لأعداء الله.
وأريد أن أعرفهم حكم الله في هذا التعاون مع أعدائهم, الذين استذلوا وحاربوهم في دينهم وفي بلادهم, وأريد أن أعرفهم عواقب هذه الردة التي يتمرغ في حمأتها كل من أصر على التعاون مع الأعداء.
ألا فليعلم كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أنه إذ تعاون مع أعداء الإسلام مستعبدي المسلمين, من الإنجليز والفرنسيين وأحلافهم وأشباههم, بأي نوع من أنواع التعاون, أو سالمهم فلم يحاربهم بما استطاع, فضلا عن أن ينصرهم بالقول أو العمل على إخوانهم في الدين, إنه إن فعل شيئا من ذلك ثم صلى فصلاته باطلة, أو تطهر بوضوء أو غسل أو تيمم فطهوره باطل, أو صام فرضا أو نفلا فصومه باطل, أو حج فحجه باطل, أو أدى زكاة مفروضة, أو أخرج صدقة تطوعا, فزكاته باطلة مردودة عليه, أو تعبد لربه بأي عبادة فعبادته باطلة مردودة عليه, ليس له في شيء من ذلك أجر بل عليه فيه الإثم والوزر.
ألا فليعلم كل مسلم: أنه إذا ركب هذا المركب الدنيء حبط عمله, من كل عبادة تعبد بها لربه قبل أن يرتكس في حمأة هذه الردة التي رضي لنفسه, ومعاذ الله أن يرضى بها مسلم حقيق بهذا الوصف العظيم يؤمن بالله وبرسوله.
ذلك بأن الإيمان شرط في صحة كل عبادة, وفي قبولها, كما هو بديهي معلوم من الدين بالضرورة، لا يخالف فيه أحد من المسلمين.
وذلك بأن الله سبحانه يقول (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وذلك بأن الله سبحانه يقول (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وذلك بأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ) وذلك بأن الله سبحانه يقول (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
إلا فليعلم كل مسلم وكل مسلمة أن هؤلاء الذين يخرجون على دينهم ويناصرون أعداءهم، من تزوج منهم فزواجه باطل بطلاناً أصلياً، لا يلحقه تصحيح، ولا يترتب عليه أي أثر من آثار النكاح، من ثبوت نسب وميراث وغير ذلك، وأن من كان منهم متزوجاً بطل زواجه كذلك وأن من تاب منهم ورجع إلى ربه وإلى دينه، وحارب عدوه ونصر أمته، لم تكن المرأة التي تزوجها حال الردة ولم تكن المرأة التي ارتدت وهي في عقد نكاحه زوجاً له، ولا هي في عصمته، وأنه يجب عليه بعد التوبة أن يستأنف زواجه بها فيعقد عليها عقداً صحيحاً شرعياً، كما هو بديهي واضح.
ألا فليحتط النساء المسلمات، في أي بقعة من بقاع الأرض ليتوثقن قبل الزواج من أن الذين يتقدمون لنكاحهن ليسوا من هذه الفئة المنبوذة الخارجة عن الدين، حيطةً لأنفسهن ولأعراضهن، أن يعاشرن رجالاً يظنونهن أزواجاً وليسوا بأزواج، بأن زواجهم باطل في دين الله، ألا فليعلم النساء المسلمات، اللائي ابتلاهن الله بأزواج ارتكسوا في حمأة هذه الردة، أنه قد بطل نكاحهن، وصرن محرمات على هؤلاء الرجال ليسوا لهن بأزواج، حتى يتوبوا توبة صحيحة عملية ثم يتزوجوهن زواجاً جديداً صحيحاً.
ألا فليعلم النساء المسلمات، أن من رضيت منهن بالزوج من رجل هذه حالة وهي تعلم حاله، أو رضيت بالبقاء مع زوج تعرف فيه هذه الردة فإن حكمها وحكمه في الردة سواء.
ومعاذ الله أن ترضى النساء المسلمات لأنفسهن ولأعراضهن ولأنساب أولادهن ولدينهن شيئاً من هذا.
ألا إن الأمر جد ليس بالهزل, وما يغني فيه قانون يصدر بعقوبة المتعاونين مع الأعداء، فما أكثر الحيل للخروج من نصوص القوانين, وما أكثر الطرق لتبرئة المجرمين, بالشبهة المصطنعة، وباللحن في الحجة.
ولكن الأمة مسؤولة عن إقامة دينها، والعمل على نصرته في كل وقت وحين، والأفراد مسؤولون بين يدي الله يوم القيامة عما تجترحه أيديهم، وعما تنطوي عليه قلوبهم.
فلينظر كل امرئ لنفسه، وليكن سياجاً لدينه من عبث العابثين وخيانة الخائنين. وكل مسلم إنما هو على ثغر من ثغور الإسلام، فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله. وإنما النصر من عند الله، ولينصرن الله من ينصره“
أهـ كلامه رحمه الله. |