أعرف أن أحدا لن يستجيب لدعوتي هذه لابسبب رغبة العراقيين بالحياة وحبهم للدنيا الفانية ..وهو أمر صحيح .لكن لأنهم يعيشون خلال هذه الليال العشر الاخيرة من أب اللهاب وهي عشرة مختلفة عن العشر الاخيرة من رمضان التي ينتظر الناس فيها نزول شآبيب الرحمة الآلهية .السبب يعود لان الجو( يكسر) بحسب الثقافة العراقية ويخف فيها لهب الصيف المرعب حيث يقول المثل الدارج..آخر عشرة من آب تفتح على الشتا باب..لايعود الانسان فيها يفكر بالخلاص لأن حاجته الى الماء والكهرباء تقل فيها..
شاهد العراقيون عشرات الحيتان وهي تندفع نحو شواطئ بحار ومحيطات في أنحاء من العالم برغبة محمومة لتموت على الكثبان بينما يحاول متطوعون أعادتها قسرا الى المياه المتلاطمة بموج كالجبال ودون معرفة الأسباب التي تدفعها لطلب الموت! وقد تكون أسبابا موضوعية مرتبطة بطريقة حياتها في أعماق البحار.
أنا تابعت أخبار البغال التي تنتحر برمي نفسها من اعلى الجبل حين تنزعج من أوامر الجنود أو الفلاحين الذين يضايقونها بالأحمال ولاترضى لكرامتها أن تجترح وفي أحيان تسحب معها الفلاح أو الجندي الى الموت الذي لابد منه.
وكان نوع من البغال حين يمر بأزمة نفسية نتيجة مخالفة يتصرف بطريقة ترد له الشعور بالكرامة.ومن الأمثال على ذلك أن بغلا خالف القطيع الذي كان معه على الجبل فماكان من الضابط الكبير إلا أن يأمر بأعطاء حصة من الطعام كاملة لجميع البغال بإستثناء البغل المخالف الذي شعر بوقع الاهانة ولم يقترب من الطعام حتى جئ له بحصة كاملة أسوة ببقية البغال..والمعروف ان وزارة التجارة العراقية ماتزال لاتمنح الحصة الغذائية كاملة دون أن يرد أحد منا على ذلك..نحن نقبل بكل شئ حتى لوكان مشوها كما فعل احد العرسان عندما طلبوا اليه معاينة الفتاة التي إختاروا له وقال..أنا أقبل بكل شئ..
ومن الشواهد على كرامة البغل انه كان دائما مايقول عندما يسأل عن ابيه.. خالي الحصان لأنه يستحي ان يقول :أن أبي هو الحمار .وكما هو معروف فإن البغل هو نتيجة علاقة جنسية بين الحمار والفرس .
لاأجد بين الناس في كثير من البقاع أنهم يثأرون لكرامتهم. وصارت الكرامة والدين والاخلاق والحرية مجرد أوصاف وأوهام وحكايات لاأحد يعبأ بها أو يقيم لها وزنا.
البعض منهم خامل عن كرامته المهانة حتى لو حرم من أبسط الحقوق بينما المتسلط لايهتم لأنه إستمرأ إذلال الساكتين عن حقهم ..
ولاأدري على من ينطبق مثل السخلة والخروف ؟على الساكت أم المستهين بالكرامات ؟.إذ يروي الراوي أن سخلة وخروفا ذهبا الى النهر ليجتازا الى الضفة الاخرى.ورفع الخروف إليته كي لاتتبلل وهنا ضحكت السخلة وعيرته بإنكشاف عورته .فرد ضاحكا ..طبعا الخروف لايضحك! وقال ..أنت مكشوفة العورة على الدوام ولم يعيرك أحد وأنا كشفت عنها كي لايصيبها البلل ..يالك من حمقاء..
هادي جلو مرعي
|