• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التحزب الديني بين الحُلم والواقع .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

التحزب الديني بين الحُلم والواقع


ما من شك في أنّ الإسلام السياسي لم يفِ بوعوده، وأنّ تحديات المرحلة التي يمر بها المجتمع التونسي من بين مجتمعات أخرى تتطلب أن تنتقل الفكرة الإسلامية من قفص الحزب المركّز على الدين لتذوب في رحاب المجتمع بتمامه وكماله، وأنّ هذا المنهج الاندماجي سيجسد المعاني الأصلية للإسلام على غرار استيعاب الاختلافات الفكرية والإيديولوجية والمذهبية من أجل تحقيق حدّ أدنى من الوحدة المجتمعية وتسهيل عملية التغيير السياسي والتقدم الاجتماعي.

لتبسيط مشكلة معقدة مثل مشكلة الإسلام السياسي حريّ أن نسأل: ما وجه الشبه بين الحلم والمغامرة الحزبية الدينية، وما هي شروط التوظيف الناجع للإسلام لكي يتحرر من زنزانة الحزب الديني ويستعيد حركته الطبيعية فيكون محركا صالحا لدخول المجتمع العربي الإسلامي العصر من الباب الكبير؟

إنّ التحزب الديني بمثابة تمثُّلٍ لحلمٍ نائم أكثر منه تمثُّلٌ لحلمٍ يقظٍ من شأنه أن يكون مبعثا على الحركة الهادفة والناجعة. وربما ينطبق عليه ما قاله سيغموند فرويد عن الحلم النائم، مما يستميلني لتعريف التحزب الديني بأنه "تحقيق مقنّع لرغبة مكبوتة".
بهذا المعنى يتضح أنّ تشبثَ الحزب الديني بالحلم النائم قد حمَل هذا الحزب على أُخذ شروط الحلم النائم على أنها نفس شروط الحلم اليقظ الحمالة لبذور التجسيد في الواقع. فكانت النتيجة أن تحوّل الحلم النائم، على عكس كل السنن والنواميس، إلى واقع ملموس ولكنه بطبيعة الحال واقع هجين: كوارث واقعية (سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية وأمنية وغيرها) تجسدت في مشهد فوضوي شبيه برؤيا الحلم المزعج أكثر منه بمشهد لكارثة معروفة ولو كانت هذه الكارثة اسمها الزلزال أو الحرب.
في ضوء هذا إنّ المطلوب إنجازه اليوم كتهيئة لظروف الرقي والتقدم باعتماد الدين الحنيف كمحرك وظيفي هو حسن استخدام نظريات المفكرين الإسلاميين المعاصرين حتى لا يذهب كلامهم سدى. لكن هذا لن يحصل من دون وعي بأنّ الرغبة في توظيف الدين الحنيف في السياسة بما يكفل التقدم العلمي والرقي الاجتماعي والنهوض الحضاري إنما هي حلمٌ لكن يشترط أن تكون حلما يقظا لا حلما نائما.
حين يتحقق هذا الوعي ستتضح الرؤية بشأن مكونات هذا الحلم ومنه سترتسم أدوات تحقيق الرغبة، لا سيما أنّ العلم الحديث قد أثبت أنّ لـ"الصورة المستقبلية" السبق على "الفكرة المشَكِّلة للحاضر" (نظريات إيليا بريغوجين في الفيزياء وفي الفلسفة بخصوص "سهم الزمان").
بالمحصلة إنّ الحلم ببديل حضاري "إسلامي" (بالمعنى التاريخي) عن المشروع الغربي السائد أمرا مشروعا للمجتمع العربي الإسلامي كافة، لا حكرا على طرف دون آخر أو خلطا بين حلم نائم وحلم يقظ أو استبدالا لحلم نائم مكان حلم يقظ.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=44309
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19