التحركات الجماهيرية التي بدأت في تونس ومصر وامتدت الى جميع البلدان العربية بصورة متفاوتة احدثت تغييرا عميقا في وعي المواطنين وبنية المؤسسات الدولة ، اي ان العالم العربي بدأ مرحلة جديدة على اساس الديمقراطية الدستورية الحقيقية 0 يظهرهذا التغيير سريعا في بعض الانحاء ويختمر في انحاء اخرى لتعزيز دور المواطنة ومشاركة اوسع للناس في تقرير مصائرهم وحرياتهم وصنع مستقبلهم . 

الحكام والقوى الحية والفاعلة في المجتمعات تقرأ الاحداث والتطورات وتتأثر بتضاريس وامواج الحراك الاجتماعي والعقلاء والحكماء من يقدمون على الاصلاح والتغيير قبل ان يجبروا عليه او يسبقون تفاقم الاوضاع واتساع الشروخ والتصدعات في النظم السياسية والاجتماعية ، فتكون المعالجة مقبولة واقل ايلاما من وصولها الى طريق مسدود من التغييرات التي اضافتها الثورة المصرية هي تحديد فترة الرئاسة لمنع تكوّن الدكتاتوريات وهذه مادة دستورية في جميع النظم الديمقراطية الحديثة . 

وقد برزت الى سطح المطالب في الشرق الاوسط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في محاولة من التنظيمات السياسية آنذاك للانتقال خطوة الى الامام في مأسسة الدول والانظمة ، ولكن لم تأخذ طريقها الى التشريع بسبب من وقوف الرؤساء والملوك العرب وقادة المجتمع المدني منها . 

الآن مبدأ تحديد فترة الرئاسة اخذ يشق طريقه كرها وطوعا او ايمانا بتعميق الديمقراطية وتوسيعها واللحاق بالركب العالمي . 

بلادنا ليست استثناء من ذلك ، وعلى لجنة التعديلات الدستورية ان تضمن تعديلاتها هذا المبدأ ، بل لابد ان يمتد الى القوى والاحزاب اذا كانت جادة في توسيع الديمقراطية داخل تنظيماتها . 

وفي هذا الخصوص احيي اعلان الرئيس بارزاني بعدم الترشيح الى دورة ثانية وافساح المجال لسياس آخر لقيادة الاقليم . الاعلان يدلل مرة اخرى على حكمته وعقلانيته ، وان بقاء تأثيره ودوره في الشأن العام لايرتبط اطلاقا بالمنصب الرسمي الذي يتولاه هذه المبادرة سيتذكرها العراقيون بكل مكوناتهم وانتماءاتهم له ويحفظون له مكانته في وجدانهم وتاريخهم ، ويضربون بها مثلا للذين يريدون حقا مصالح البلاد العليا وبناء الدولة الحديثة .