• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وقفة بين يدي صلح الحسن (ع) .
                          • الكاتب : ابو فاطمة العذاري .

وقفة بين يدي صلح الحسن (ع)

 

 علينا ان نعرف صلح الحسن (ع) الصلح العظيم ونتائجه الكبيرة التي تحققت للإسلام والمسلمين وجذوره ومعطياته وما قدمه من مقدمة مهمة لانجاز الثورة الحسينية
تسلّم الإمام الحسن(ع) الخلافة حيث كانت البلاد التي تعج بالفوضى والاضطرابات، لا سيما من معاوية بن أبي سفيان، الذي استأثر ببلاد الشام فجمع الثروة والقوة وجهّز الجيوش لمقارعة الإمام الحسن(ع) .
أدرك الإمام الحسن(ع) منذ الأيام الأولى لخلافته أن معاوية يحاول الإيقاع به وكتب إلى معاوية \"أما بعد، فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء، وما أوشك ذلك، فتوقعه إن شاء الله وبلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذو الحجى\".
لعب المنافقون في الكوفه الدور الكبير في إصدار إشاعات تطيح العقيدة المرتبطة بعلي وأولاده (ع) و خيانه بعض زعماء العشائر للإمام الحسن (ع) مما دعا لنشوء عشرات الإشاعات التي صدرت ضد الحسن (ع) .
كان الحسن قد عزم على محاربه معاويه فجهز جيشه من ناحيه العدد والعده ولكن هل سيبقى الجيش على ما هو عليه ؟ وهل سيمتد معاويه في داخل الكوفه ويسمم عقول بعض اهلها ؟
قام الحسن(ع) بحملة واسعة من فارس وخراسان واليمن والحجاز والكوفة والعراق، فبعث بعدد من رسله إلى حكام هذه المناطق يطلب منهم الاستعداد للقتال، وأرسل إلى معاوية كتاباً آخر ينصحه فيه ويبصره عواقب الأمور، ويدعوه فيه إلى الابتعاد عن الحرب والقتال لحفظ الأمة وصيانتها وقد جاء في كتابه:
\"من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن الله جلّ جلاله بعث محمداً رحمة للعالمين ومنّة للمؤمنين..
ثم قال : فاليوم فليتعجب المتعجب من توبتك – توثبك - يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله(ص) ولكتابه...
ثم كان قوله(ع): \"فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين\".
ثم قال:  \"وإن أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين\".
استنفر الإمام الحسن(ع) الناس للقتال، وأعلن الجهاد حيث قال: \"أما بعد، فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً\"، ثم قال لهم: \"اصبروا، إن الله مع الصابرين. إنه بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنا أزمعنا المسير إليه فتحرك، لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون\".
كان معاوية قد قام بالدس إلى القادة والأمراء في جيش الحسن(ع)، يمنّيهم بالأموال والعطايا والجاه والمناصب إذا ما ابتعدوا عنه فقبل هذا العرض كثيرون والتحقوا بمعسكر معاوية.
يؤكد التاريخ أن جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السر، واستحثوه على المسير نحوهم، ووعدوا بتسليم الحسن(ع) إليه عند دنوهم من عسكره.
بدأ الحسن(ع) يجمع جيشه في الوقت الذي كان فيه معظم ذلك الجيش ينطوي على اناس ركيكي العقيده وركيكي الايمان وقد شهد انسحابات كثيرة وانقلابات عديدة
فمثلا انسحب عبيد الله عباس لمعاويه ومعه عدد كبير من داخل جيش الامام الحسن (ع) وكان قد بعثه الحسن(ع) على قيادة جيش من اثني عشر ألفاً نحو معاوية، بينما توجه هو بجيش إلى المدائن وأقام معسكره هناك، فأرسل معاوية موفداً إلى عبيد الله خفية يعرض عليه ألف ألف درهم (مليون درهم) إن قبل أن ينفض يديه من هذه الحرب، على أن يدفع له نصف المبلغ في معسكره، إذا أتى إليه، والنصف الآخر في الكوفة، فالتحق بمعسكر معاوية كما يذكر التاريخ .
تسمم فكر الجيش (الحسني) مما جعله يتناثر تناثرا لاحدود له اذ لم يبق للحسن سوى اعداد ليست كافيه ابدا لأن يحارب بهم الامام الحسن .
اذن ماذا كان المفروض ان يصنع الحسن (ع) هل يبيد جيشه( المقصود بجيشه فقط المخلصين وهم اللبنة الاولى للتشيع ) بحرب محسومه من اول وهلة وينتهي وجود الشيعه في ذلك ؟
من هنا نعلم انه قد دفع الحسن الى الصلح اندفاعا وكان قراره صائبا جدا.
صلح الحسن كان القرار الوحيد امام الامام الحسن (ع) فلا بد له من اتخاذه للتحقيق المصلحة الالهية ورعاية المصلحة العامة وكان الصلح وثيقه عقد بينهما على شروط قيد بها الحسن معاويه  تقيدا فعليا .
اهم الشروط كما ينقل التاريخ هي:
وكان من بنوده:
ـ تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة نبيه (ص) وبسيرة الخلفاء الصالحين.
ـ أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن(ع) فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين(ع)، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.
ـ أن يترك سب أمير المؤمنين(ع) والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكره إلاّ بخير.
ـ أن يكون الناس آمنين حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وشيعته آمنين على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه.
ـ  أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من بيت رسول الله(ص) غائلة سواء سراً وجهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
وما إلى ذلك من أمور وردت في مصادر أخرى كالاتي:
جرى الصلح في ( مسكن ) 26 ربيع الثاني 41 هجرية وجاء في بنوده من كتب التاريخ :
1-    تسليم الامر الى معاوية على ان يعمل بكتاب الله و سنة نبيه ص و سيرة الخلفاء الصالحين ( بحار الانوار)
2-    ليس لمعاوية ان يعهد بالامر الى احد من بعده والامر بعده للحسن ( الاصابة– تهذيب التهذيب) ، فان حدث  به حدث فالامر للحسين . وقد انفرد جمال الحسيني في عمدة الطالب  بهذا الراي.
3-    الامن العام لعموم الناس الاسود والاحمر منهم على السواء فيه ، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم ، وان لا يتبع احدا بما مضى ، وان لا ياخذ اهل العراق بأحنة ( مقاتل الطالبيين – الاخبار الطوال للدينوري)
4-    ان لا يسميه امير المؤمنين ( ابن الجوزي في تذكرة الخواص)
5-    ان لايقيم عنده للشهادة ( اعيان الشيعة للامين )
6-    ان يترك سب امير المؤمنين (اعيان الشيعة للامين) وان لا يذكره الا بخير (مقاتل الطالبيين)
7-    ان يوصل الى كل ذي حق حقه ( الفصول المهمة لابن الصباغ )
8-    الامن لشيعة امير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه ( تاريخ الطبري – اعيان الشيعة)
9-    يفرق في اولاد من قتل مع ابيه في يوم الجمل وصفين الف الف درهم ويجعل ذلك من خراج دار ابجرد ( تاريخ دول الاسلام - البحار)
10-  ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة ( تاريخ دول الاسلام) ويقضي عنه ديونه ويدفع اليه في كل عام مائة الف ( جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام)
11- ان لايبغي للحسن بن علي و لا لأخيه الحسين ولا لاهل بيت رسول الله ص غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احد منهم في افق من الافاق ( النصائح الكافية– بحار الانوار)
 
ولننضر في مجمل الشروط لنرى
1- ان لا يسب علي (ع) على المنابر:
شرط الامام الحسن (ع) على معاويه ان لا يشرع بسب الامام علي (ع) على المنبر ابدا وبذلك يبقى اسم علي (ع) في حفظ عن السباب وعلي طبعا يجسد الحق (علي مع الحق والحق مع علي) .
2- ان لا يقتل أي رجل شيعي من شيعة أهل البيت في كل مكان وبهذا عمد الامام الحسن (ع) لحفظ شيعه علي(ع) الذين يعتبرون هم الكتله الصالحه الداعية الى الصراط المستقيم وهو علي (ع)
لقد جسد الحسن في هذا الشرط موقف ثابت حيث علم ان معاويه سيوغل بدماء شيعه ابيه لكنه اراد ان يضع الرأي العام امام امرين مهمين هما:
(ا) - كون الخليفه الممثل للرسول رجل دموي كما سنرى
(ب) - كون الخليفه رجل لا يلتزم شرطا في حقن الدماء التي اعتبرها الحسن دماء حرام لانها دماء مسلمه زكيه وهذا ينقل العقل الجمعي فورا الى عظمه تلك الدماء .
اما باقي الشروط ..
3-اذا مات معاويه تتحول الخلافه للامام الحسن(ع) او الحسين (ع) بعد الحسن وهذا يعني ان الحسن وضع معاويه في زاويه ضيقة جدا يعبر بها عن ضعف معاويه وشده حرصه على الجاه والشهره حتى يعرف الرأي الحر ان ما يقصده معاويه فقط الحكم.
كذلك عبر الحسن على ان حاله الصلح حاله استثنائيه مستقطعه اما بعد هلاك معاويه الطماع بالجاه والشهره فأن الامور تعود لمجراها فخلافه محمد (ص) تعود لمجراها الطبيعي .

معاوية وعدم التزامه بالعهد والميثاق
معاوية إنسان لا يعرف الإسلام ولم يحمل أي شيء من أخلاق الإسلام حتى ذهب بعض المؤرخين الى انه ملحد على مارواه المغيره ابن شعبه ( مفتيه الرخيص ) من انه غضب لما سمع اسم محمد على الاذان لانه يبغض بقاء ذكر محمد(ص) في فم التأريخ لان محمد عدوه.
ارغمهم الامام الحسن(( حسب الوضع )) الى شروط رائعة في الصلح كان ينضر اليها (( معاويه الدنيوي )) انها صفقه رابحه يحصل بها على الكرسي او العرش ويحكم لكن ينضر ((الحسن الاخروي )) هي خطوه وقفزه بالامه نحو التطلع الى المواجهه الحره الفكريه ضد الانحراف في الدين ومن هنا يعتبر الحسن (ع) قد مد يده للقناع للاوجه الامويه ليري الرأي العام لأمه النبي (ص) الحقيقه الصريحه لمعاويه واشباهه على مر العصور .
لم يلتزم معاويه بشروط الصلح حيث افصح قائلا في الكوفه وبمشهد من اهلها :
(( يا أهل الكوفه ،أتروني قاتلتكم على الصلاه والزكاه والحج وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم وقد اتاني الله ذلك وانتم كارهون ..... الن قال :
وكل شرط شرطته فتحت قد متي هاتين ))
وقد عبر عن نواياه حينما عقد الصلح فقال لما تم له الصلح (( رضينا بها ملكا ))
اعرب معاويه عما في داخله من بواعث نفسيه حيث انه لم يضع في خاطره انه يقاتل لصلاه او صوم او حج لانه لم يقس مقايسه في جنب الله بل كان همه هو الجلوس على كرسي الحكم والتحكم بألامر والتسلط على رقاب المسلمين .
من جانب أخر فمعاويه اعلن انه لا يحترم عهد ولا يحترم شرط ابدأ لذلك اعلن معاويه ان كل شرط تحت قدميه ثم اردف (( رضينا بها ملكا )) نعم فياليها  من صيغه وقحه معبره عن الصراحه الملعونه نعم معاويه يعلن انه ملك
لقد عرف الحسن ان معاويه رجل غادر لا يرعى لله حرمه فأعطاه ان يطلق لسانه بما ينم عما ينبع به ذاته فأدلى للرأي العام ان معاويه مجرد ملك وعلى لسان معاويه نفسه (( والاعتراف سيد الادله)) .
لنرى مافعل معاويه ازاء الشروط وكيف نقض كل شروط العهد (الصلح):
1- سب علي(ع) :
اعلن معاويه سب علي (ع) على المنبر حتى احصي ( 70) الف منبر وعشره تسب الامام لكن شاء اصبع السماء ان يتدخل فيرفع علي (ع) كلما سبه ساب وكلما شتمه شاتم .
وابدع الامام الحسن بدوره في ان يضع هذا الشرط ليسحب الانضار حول قضيه هامه هي اسم علي وبذلك عرف الناس علي (ع) وبدأ الناس يتعرفون شيئأ فشيئأ على علي (ع) حتى بعد مرور الايام كان الناس يجلسون تحت منبر الساب وهم يعرفون انه كاذب وهو يعرف ( الساب ) انه يكذب وبذلك يكشف الحسن غطائين :
(ا) - غطاء بني اميه ويبين ان هؤلاء اناس مضلين للحقيقه غير صحيحي المبدأ محرفي الكلام
(ب)- الغطاء عن علي (ع) حيث ابرز اسمه وكان دور الائمه ( السجاد والصادق والباقر ) كبيرا بمدارسهم في تبين ما هو علي وبتجسيد شخصيه علي (ع) حتى الى ان وصل الامر لينقلب الحال انقلابا جبارا فيقوم خليفه اموي بمنع سب علي (ع) من على المنبر الا وهو (عمر بن عبد العزيز).

2- قتل الشيعه :
شن معاويه حمله لا مثيل لها في التأريخ على شيعه علي ومعاويه رجل له دهاء حيث كان لا ينفذ العمليات بنفسه بل نفذها عماله في الامصار خاصه ( زياد بن سميه ) الذي ضرب ارقام قاسيه في التأريخ في قتل الشيعه  المخلصين لعلي(ع) وكذلك سمره بن جندب في البصره الذي قال كما نقله ابن الأثير في الكامل 1/165 (( لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا ))
ويصور لنا ذلك الوضع بأكمله الامام الباقر (ع) حيث قال (( وقتلت شيعتنا في كل بلده وقطعت الايدي والارجل على الضنه وكل من يذكر بحبنا والانقطاع الينا سجن او نهب ماله او هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد الى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين(ع) ))

أدى  لتعريف الرأي العام شده الاستهتار الأموي في سفك الدماء البريئة وشده استهانة معاوية في سفك الدماء حيث استهدف معاوية العلماء البارزين الذين في قتلهم اجراما واضحا
هذه المجازر تعتبر ثورات متلاحقه لان معاويه لو لم يحس ان اولئك المقتولين لهم ثقل وتاثير في العامه .

الشرط الأخر ...
3- اذا مات معاوية يعود الامر لمجراه للحسن والحسين :
وضع الإمام معاوية في زاوية محصورة من حيث يدري وما يدري حين اثبت ان حكم معاويه انما هو دنيوي و طارئ مما يجعل ألامه تنتظر موت معاويه بعد ان رأت ألامه ما رأت من معاويه جعلتها تحقد عليه .
معاويه لا يفي بشرط ابدا وعين ابنه يزيد خليفة
ومن يزيد ؟
فاجر مجاهر للفسق شارب الخمور ومستهتر.
أراد الحسن ان يوصل ألامه ان معاوية يحكم على الكرسي ببطشه وضلمه اما الحسن فيحكم فكر الآمة وقلوب الناس و المجتمع  الإسلامي.
كشف الحسن عن القناع الأموي وأعلن بشكل لا يحمل الشك ان معاوية حاكم جائر لا يعرف سوى كرسي الحكم في الشام هذا ساهم في تنميه الاتجاه ضد معاويه وانقلاب نحو اهل البيت (ع)

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=444
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 08 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19