• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السيدة الزهراء هوية تجمعنا في تراثنا العربي(*) .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

السيدة الزهراء هوية تجمعنا في تراثنا العربي(*)

لا أريد التحدث عن سيرة حياة السيدة الزهراء (عليها السلام) لأنها تكاد تكون معروفة للجميع، وسأستغل الوقت لأتحدث عن مكانة الزهراء عند الأمة وتراثها، فهو أحد أسباب فرقتنا التي أدت إلى تناحرنا وتقاتلنا.
المشخص أن التراث العربي والإسلامي ما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتناولها بالدرس لدرجة أن المهتمين وضعوا كتبا وبحوثا حتى في (آداب الخلاء) إلا أنه أعرض نتيجة الضغوط السياسية عن قضايا مهمة، كان لها لو نالت اهتماما أن تسهم في تفريغ شحنات الشد بين فرق المسلمين، وتسهم في توحيد الأمة. 
 
ولا يخفى عليكم  أن السياسة لعبت دورا كبيرا في تفكيك مفاصل الجسد الإسلامي بعد أن نزت على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) 
وقد تكون حرب مانعي الزكاة ومن بعدها واقعة الجمل هي التي هيئت الأجواء لهذا التغيير بعد أن غُمس السيف المسلم بالدم المسلم. وبعد أن قُتل الكثير من الصحابة بيد الصحابة، ثم جاءت صفين لترسم الحدود الحقيقية بين الدين والسياسة، وهنا انتصرت السياسة على الدين وحولت منهج الحكم الإسلامي إلى إسلام سياسي.
إن الفوضى في إنتاج الخطاب الديني، ثم تحويل الخطاب إلى نصوص شكلية فارغة بعيدة عن مضمون الدين،  نجح في تحويل الدين إلى مفاهيم سياسية، ولاسيما بعد أن اكتسبت الفوضى قوة دافعة بظهور حاكميات قوية، وهنا تمظهر الجانب الديني في الجانب السياسي وحولت السياسة إلى دين.
 
ولا يخفى عليكم أن الأديان السماوية في طريق تحريرها الإنسان من الظلم الاجتماعي ومن خلال رفضها سيطرة النظام العبودي؛ حررت أو دعت إلى تحرير المرأة من خلال سلسلة معارك ومواجهات مع الوثنية والموروث، مما حول المرأة إلى كيان يحمل نفس منزلة الرجل، وربما أكثر.! ومن هنا جاء الدور الريادي للسيدة الزهراء، تقدست صورتها. يقول عباس محمود العقاد: "في كلِّ دين صورة للأنوثة الكاملة المقدسة، يتخشع بتقديسها المؤمنون، كأنما هي آية الله فيما خلق من ذكرٍ وأنثى، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جَرَم تتقدّس صورة فاطمة البتول" 
إن هذه النظرة النخبوية يَطلق عليها البعض اسم: (الطابق العلوي) وإن كان الحديث في الإسلام عن (الطابق العلوي) قد جاء للتدليل على وحدة المشروع الإلهي، فإنه تحول في فكر الباحثين المعاصرين إلى مركز نخبوي انتقائي. فهم ربطوا بين تخصيص الطابقَ العلويَّ مِن أبنية الزقوراتِ القديمة إلى الآلهة، و اختيار نبي الله موسى التكلم مع الرب سبحانه في أعلى جبلِ طورِ سيناء، وإسراء سيدنا محمدا إلى السماء. 
إن الطابق العلوي بمفهومنا الإسلامي هو الدرجة النخبوية الرفيعة التي يرقى إليها نخبة المؤمنين من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. ومن هنا جاء اعتقادنا أن السيدة الزهراء إنما رقت إلى مركز العلياء بصدقها وتفردها، لأن الله تعالى خصها بالسيادة فهي بصريح الحديث النبوي (سيدة نساء العالمين). ومن هنا جاء حضورها الدائم في حياة المسلمين. وكان لهذا الحضور أثرا واضحا انعكست صورته في تراثهم الفكري والأدبي. فالمسلمون المفعمة قلوبهم بمحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وجدوا في السيدة الزهراء أنموذجا فريدا للمرأة المسلمة والقدوة الحميدة لا يمكن تجاوزه أو إغفاله، أو عدم التحدث عنه. 
نعم حاول الحراك السياسي الطائفي إثارة جدل عقيم حاول من خلاله سلب حبها من قلوب بعض المسلمين من خلال تقليل أهمية دورها وتضخيم أدوار أخريات أقل همة منها؛ في منحى سياسي الهدف، طائفي المنهج، مشكلين بذلك كيانا أخذ جانبا من جوانب الصراع.  إلا أن المسلمين ذوي النوايا السليمة اكتشفوا المؤامرة.
ومن هنا جاء الاهتمام الأدبي بالزهراء. فضُمنت كلماتها وأقوالها وسيرتها في: القصة والرواية، الأمثال والحكم، الشعر، السيرة والترجمة. ثم بسبب المكانة العلمية والمنزلة العظيمة للسيدة؛ جاءت دراسة التراث الفاطمي، دراسة خطبها وأقوالها، والأثر الذي تركته أحاديثها وأقوالها في الناس.
 
ولم يبخل المسلمون ـ من أغلب المذاهب ـ بجهدهم في ذكر محامدها وفضائلها. وفي (الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء) أفرد إسماعيل الأنصاري الزنجاني المجلد الثالث والعشرين للحديث عن الكتب المؤلفة عنها مبتدئ بكتاب سليم بن قيس مارا بكتاب محمد بن سيرين مسترسلا بالحديث إحصائيا عن أسماء ومواضيع ولغات الكتب التي ألفت بحقها (عليها السلام) فوجد أنها كتبت بتسعة وعشرين (29) لغة حية. ووجد أتباع المدارس الإسلامية والأديان السماوية يشتركون في هذا الفضل المنيف والعمل الشريف. نعم كانت الغلبة لأتباع مدرسة أهل البيت لكنك تجد أكثر من أربعة وأربعين (44) اسما من أسماء كبار كتاب مدرسة الخلفاء من القدماء والمعاصرين يؤلفون بحق الزهراء، وأكثر من تسعة عشر (19) كاتبا من أتباع الديانة المسيحية يكتبون ويؤلفون للزهراء، فضلا عن انضواء كتب التاريخ والسيرة والطبقات والفضائل على كثير من أخبارها، فضلا عن ذلك هناك آلاف القصائد والأقوال والأمثال والقصص وغيرها من فروع الأدب تناولت سيرة السيدة الزهراء بالحديث.
 
ومع ذلك هناك اليوم من يمتعض من ذكرها بقصيدة أو بعمل أدبي، وهذا مخالف لتعاليم الإسلام، بل ومخالف لطبيعة النفس البشرية المجبولة على الاجتماع، إذ لا يخفى أن هواة لعبة كرة القدم شكلوا روابط تشجيع فتحول حبهم إلى هوية تجمعهم ومثلهم باقي الهوايات، كل هؤلاء حولوا حبهم المشترك إلى هوية تجمعهم دون أن تؤثر على معتقداتهم الفردية حيث احتفظوا بخصوصياتهم لأنفسهم وأشتركوا في عمومية الحب المشترك لشيء اختاروه بإرادتهم وقناعتهم. فما بال المسلمين يدَّعون جميعهم أنهم يحبون السيدة الزهراء، ولكنهم يرفضون أن يحولوا حبها إلى هوية تجمعهم، وحبها من أقدس الهويات؟
إننا لو نجحنا في تأسيس رابطة لحب الزهراء تجمعنا شيعة وسنة وعربا وأكرادا كما نجح شباب العالم في تأسيس رابطة حب فريق برشلونة أو ريال مدريد لتحولنا إلى صوت هادر تخشاه الأصوات الأخرى، فلا تدفعه إلى المجهول نتيجة الضعف والخمول. تعالوا لنتحد على حب فاطمة بمناسبة ذكرى استشهاد الزهراء فاطمة بنت سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) فقلبها الذي وسع الإسلام يسعنا جميعا أخوة متحابين.
 
(*)  محاضرة ألقيتها في المركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة؛ في واسط يوم الخميس 3/4/2014 بمناسبة ذكرى وفاة السيدة الزهراء (عليها السلام)



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=44718
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 04 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28