• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المجتمع الأسير .
                          • الكاتب : بوقفة رؤوف .

المجتمع الأسير

 النظام يسترق المجتمع ويجعل منه مجتمع أسير فذلك هو الشرط الوحيد للحفاظ على نفسه حتى لا يغيره أو يسقطه ولكن في نفس الوقت يعرف أن الأسير قد يثور على سيده وينتفض لذلك وجب عليه وضع المجتمع في سجن مفتوح , كما اهتدت حدائق الحيوانات لطريقة حتى تخلص حيواناتها من الاضطرابات السلوكية ومنحها سعادة وهمية وذلك بتوفير حرية خادعة بمحاكاة وسط طبيعي عن طريق ما يعرف بحدائق المساحات المفتوحة والتخلص من الأقفاص التي تشعر الحيوان بالقيد والسجن فتجعله مضطرب عصبي المزاج عدواني , أما الحدائق المفتوحة فهي تتوفر على مساحة  اكبر لكنها محدودة ومعلومة و مسيجة فيحسب الحيوان نفسه حر باعتبار ما أمامه من مشرب ومأكل وعدم وجود قيد أو حاجز يمنعه من المضي أماما ولو مضى قليلا لاصطدم بالحاجز لكن لا حاجة له بالمضي لتوفر المأكل والمشرب.
وحتى لا يشعر المجتمع بأسره استثمر النظام في الحرية الفردية وجعلها الأساس والمرتكز مضفيا عليها هالة من القداسة والمجد عن طريق التركيز عليها بصورة نمطية مقولبة إعلاميا وثقافيا وفكريا حتى أصبحت الحريات الفردية تحل محل الحرية , وكلما زاد شدة اسر المجتمع زاد تمجيد الحريات الفردية , لتصبح هي أفيون المجتمعات الغربية بعد ان أفاق المجتمع من تأثير التدين الكنسي الذي يثري رجال الكنيسة ويفقر الشعب , وان كان الملوك الغربيون سابقا يسيطرون على شعوبهم بصكوك الغفران , فان الأنظمة الغربية تسيطر على شعوبها بالحريات الفردية
وفي المجتمعات العربية وبعد أن بدأت الشعوب العربية صحوة ضميرية من الدين السلطاني , كان البديل جاهز عند الحكام العرب وهو إبقاء الشعوب تحت نفس السيطرة وذلك بتغيير الأداة فقط وهذه الأداة نفسها مستوردة من الغرب وهي الحريات الفردية .
والحريات الفردية ليست مشكلة في حد ذاتها ولا تطرح أي إشكال تصادمي , بل المشكل المطروح هو أن تستخدم كحلوى لإغراء طفل صغير ليسير رفقة شخص غريب إلى وجهة مجهولة . فالنظام يمارس فن الإغراء والإغواء بالحريات الفردية ليبقي المجتمع في أسره دون تبين منه ففي كل لحظة إفاقة جماعية أو محاولة صحوة اجتماعية للتحرر من أسر النظام يقوم النظام بالزيادة في التنويم المغناطيسي الجمعي عن طريق الرفع في سقف الحريات الفردية وجعلها قضية الساعة تتصدر الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات  , فنجد سلم الحريات الفردية الذي يرتفع مع الأيام وكل ما تظهر فرصة للإنعتاق تظهر درجة جديدة من الحرية الفردية , فتجد في أسفل السلم مثلا حرية المرأة في الخروج ثم حرية المرأة في اللباس ثم حرية المرأة في العلاقات ثم حرية الإجهاض ثم حرية الزواج المثلي ثم حرية التعري الكلي في بعض الأمكنة , ثم حرية التعري الكلي في كل الأمكنة ثم الزواج بكل شيء حيوان او جماد ...
وقد مزج وعجن النظام الغربي في خبث بين الحريات الفردية والتحلل والتفسخ وذلك بعد أن حقق المجتمع الغربي حرياته الفردية الطبيعية والفطرية فكان لا بد له من الالتفات إلى الحرية الجماعية فاختيار من يحكمه عن بصيرة لا بدافع عاطفي لحمايته من مخاوف مصطنعة في مخابر النظام 
لذلك انتقل النظام الغربي من الحريات الفردية الفطرية الى حريات فردية تفكيكية , تفكك المجتمع وتفكك القيم الإنسانية في الفرد الغربي , وكلما كان المجتمع مفكك , غريزي يسهل توجيهه والتحكم فيه ويصبح مجتمع أسير ...
وقد أخلط بعض المفكرين المسلمين بين العلمانية كنظام مدني وبين الحريات الفردية التفكيكية التي هي أداة النظام للتحكم بالمجتمع وحسبها عن جهل احد إفرازات العلمانية ,فحرمهما معا وحاربهما معنا لاعتقاده أن العلاقة بينهما كعلاقة الدال على المدلول وتم تشجيع هذا الرأي الديني بمباركة من بعض الأنظمة العربية التي مازالت تستعبد مجتمعاتها باسم الدين , أما المجتمعات العربية التي أصابتها صحوة فكرية جعلتها تستفيق من الدين ألأفيوني لتتحول إلى الدين الثوري فقد سارعت أنظمتها بالمزايدة في الحريات الفردية , محاربة الدين الثوري بالحريات الفردية منتحلة هي العلمانية والعلمانية منها بريئة كما أن الدين الحق بريء من الأنظمة المدعية الإسلام والإسلام منها بريء فالإسلام جاء لتحرير الفرد والمجتمع كما أن العلمانية جاءت لتنظيم الفرد والمجتمع.
                    
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=45432
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 04 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29