• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أناهادي العتاك .
                          • الكاتب : هادي جلو مرعي .

أناهادي العتاك

 في رواية عبد الرحمن منيف ( شرق المتوسط) يتذكر البطل الهارب عبر البحر وهو يتأمل زرقة الماء والسماء على سطح السفينة اليونانية المتجهة غربا، وجوده في السجن تحت التعذيب في بلاد تعودت الدكتاتورية والركون الى الظالمين الذين يتحكمون بمسيرة البشرية في هذا الجزء الموبوء من العالم، يتذكر كيف كان يتحمل الضرب المبرح والكلمات النابية وسطوة الجلادين، كان (هادي) يقول لهم، عليكم أن تتحملوا الضربات الأولى من الجلادين، ثم سرعان ماتتعودون وتنتهي المشكلة .

في رواية أحمد سعداوي الحائزة على جائزة البوكر مؤخرا ( فرانكشتاين في بغداد) يختلف دور (هادي) الذي يتحول من بطل مقاوم الى تاجر متنقل يبحث عن بقايا الأشياء، وقد يوهمنا أنها أشياء ذات قيمة وهي ليست كذلك في الحقيقة، أو إنها ذات قيمة محدودة، وربما كانت تلك القيمة مرتبطة بتفاهة المجتمع الذي يتقبل الأشياء كمسلمات لأنه مجتمع جبان لايمتلك القدرة على المقاومة وهو يتصنع البطولة فيضطر للهروب من جبنه وخذلانه ودونيته الى خيالات بعيدة فيتصنع البطولة ويصنعها كما في سلوك (هادي العتاك) في رواية سعداوي الذي يجمع بقايا الأجساد المتناثرة بفعل التفجيرات الإرهابية التي تضرب بغداد، وتحيل ناسها الى مجموعات من البشر الوجلين يترقبون الموت وينتظرونه دون كلل، فليس لهم من شغل وهم عاطلون عن العمل بإستثناء الإنشغال بالمخاطر المحتملة والموت القابع في الزوايا.

هادي البطل في رواية منيف يشدني إليه برغم إنه لم يكن البطل المعلن في الرواية، وكان غيره الذي يستذكر وهو على سطح السفينة المتجهة غربا، ولهذا لم أعد أذكر إسمه، وإنشغلت بالبطل الحقيقي الذي عرفته يواجه التعذيب وذل الزنازين ويوجه المعتقلين ويعلمهم الصبر في مواجهة الجلاد لكي يتحملوا حتى تحين الفرصة ليغادروا السجن وهو ماحصل بالفعل للهارب الى الغرب في رواية منيف. في رواية سعداوي يعوض (هادي) جبنه بصناعة بطل مفترض من بقايا الأجساد المتناثرة في الطرقات ليقتنص البطولة بالإنتقام من المجرمين الذين يراهم يفعلون مايشاؤن في بغداد، ثم يختارون أهدافا جديدة بحسب المزاج، وكل الذين يسيرون في الطرقات ويجلسون في المقاه، أو الذين يتسكعون بلا عمل والعاطلون، وبقايا الهياكل البشرية أهداف محتملة للوحوش التي يريد الوهم الذي صنعه (هادي) أن ينتقم منهم ليس فقط لمن قتل وتناثرت أعضاؤه، بل للأمهات الباكيات والزوجات والحبيبات والأصدقاء والأحبة الذين يصيبهم وجع لايحتمل لفقد الأعزة.

أنا (هادي) البطل الحقيقي في رواية منيف ( شرق المتوسط) وأنا (هادي) العتاك في رواية سعداوي ( فرانكشتاين في بغداد) وأنا في الحالين عشت تجربة الدكتاتورية الغبية والفوضى الأغبى ومازلت أجوب الشوارع في المدينة بحثا عن وهم، وأتسكع ليلا في دروب قريتي البائسة المسماة السعادة، ولاأجد شيئا، وأحلم بشارع مفتوح، ومعبد، وبإتجاهين، أحلم أن يسقط النظام الذي يسمونه السابق وهو في الحقيقة سابق ولاحق. مبروك لك جائزة البوكر ياأحمد سعداوي، صوتك يشجيني وأنت في عرض النهر.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=45814
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28