من خيراً من أبواق القلندرين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات /40 ـ41.
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) البقرة /165 .
(أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )الحجرات / 13 .
أني نظرت إلي الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوبا
فإذا ذهب إلي القبر فارقه المحبوب...!
فجعلت الحسنات الحبيب فإذا دخلت القبر دخلت معي ..كما قال تعالى في بعض عباده المؤمنين :
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) البقرة /165 . وهؤلاء لا يحبون إلا الله ، لا يختلط حبهم له بحب غيره ولا يتغير ،يحبون الله بأرواحهم وقلوبهم ، بل بالله لله ، لا تتغير محبتهم لكونها لا لغرض ،ويبذلون أرواحهم وأنفسهم لوجهه ورضاه ويتركون جميع مراداتهم لمراده ويحبون أفعاله وإن كانت بخلاف هواهم ، ونعم ما قيل في هذا الصدد :
حبيب لست أنظره بعيني ... وفي قلبي له حب شديد
أريد وصاله ويريد هجري ... فأترك ما أريد لما يريد .
وهذه الصفة للذين أفرغوا شواغل القلب من الهوى..! وجدوا في العمل والمعرفة واستعدوا للآخرة ، ولهذا السبب قالت زليخا ليوسف عليه السلام عندما عاتبها بحق التقصير معه ...! مجيبة له ( قائلاً يا رسول الله ! إنما كنت أحبك قبل أن أعرف ربك ، فأما إذ عرفته فلا أؤثر على محبته محبة من سواه ، وما أريد به بدلا ) .وأن عجز بعض الناس عن القيام بحق المحبة هو ضعف المعرفة .
أني نظرت إلي قول الله تعالي: ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات / 40ـ 41.
فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت علي طاعة
الله، لإحياء المحبوب والمنسوبين له ، وبغضت أعداء الحبيب
تعظيماً للمحبوب وإجلالا له ، وهيبة منه وغيرة على سره ، فإن الحب سر من أسرار المحبوب ، فلا ينبغي إفشاؤه ، وأجهدت النفس أن احظي بالحصول المعرفة والمحبة التي تنبغي أن تكون له سبحانه .ونعم ما قيل في هذا الصدد :
لا تخدعن فللمحب دلائل .. ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمر بلائه .. وسروره في كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولة .. والفقر إكرام وبر عاجل
ومن الدلائل أن يرى من عزمه .. طوع الحبيب وإن ألح العاذل.
أني نظرت إلي هذا الخلق فرأيت أن كل من معه
شيء له قيمة حفظه حتي لا يضيع ثم
نظرت إلي قول الله تعالي: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ )المحل /96. فكلما وقع في يدي
شيء ذو قيمة وجهته لله ليحفظه عنده ، فهذه التجارة المربحة تمسكت بقوله تعالى : " يرجون تجارة لن تبور ، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" .وما قاله خير الثقلين أبو الزهراء البتول رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه السلام : والذي بعثني بالحق [ نبيا] إن من يدع الدنيا ويقبل على تجارة الآخرة ، فإن الله تعالى يتجر له من وراء ، قال تعالى : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ".
ووفقت أن قوله الحق "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه".
أني نظرت إلي الخلق فرأيت كل يتباهي بماله أو
حسبه أو نسبه ثم نظرت إلي قول
الله تعالي: (أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )الحجرات / 13 . فعملت
في التقوي حتي أكون عند الله
كريما، ونعم ما قيل في هذا الصدد :
والحزم تقوى الله فاتقين ... ترشد وليس لفاجر حزم
والمرء أكثر ما يعاب به ... خطل اللسان وصمته حكم.
أني نظرت في الخلق وهم يطعن بعضهم في بعض
ويلعن بعضهم بعضا وأصل هذا كله الحسد
ثم نظرت إلي قول الله عز وجل: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )الزخرف /32.
فتركت الحسد واجتنبت الناس وعلمت أن القسمة من
عند الله فتركت الحسد عني ،لأن الحسد يأكل الأيمان كما تأكل النار الحطب.وأن أول من قتل وأقتل من جراء الحسد وقابيل قتل أخوه هابيل .ولعلمي أن الحسد وباء ونعم ما قيل في هذا الصدد :
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت .. أتاح لها لسان حسود
لو لا اشتعال النار فيما جاورت ..ما كان يعرف طيب عرف العود
لو لا محاذرة العواقب لم تزل .. للحاسد النعمى على المحسود.
أني نظرت إلي الخلق يعادي بعضهم بعضا ويبغي
بعضهم علي بعض ويقاتل بعضهم بعضا
ونظرت إلي قول الله تعالي(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا )فاطر/6. فتركت عداوة
الخلق وتفرغت لعداوة الشيطان وحده ، خوفاً من الوقوع في الغرور كما قال أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب كرم الله وجهه ورضوان الله عليه : ((( وأنكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم وعيوبكم وراء ظهوركم تلمون من أنتم أحق باللوم منه ، فأي دعاء يستجاب لكم مع هذا وقد سددتم أبوابه وطرقه ؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم وأخلصوا سرائركم وأمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم دعائكم . ولهذا السبب تفرغت لعداوة الشيطان .
أني نظرت إلي الخلق فرأيت كل واحد منهم يكابد
نفسه ويذلها في طلب الرزق حتي انه
قد يدخل فيما لا يحل له.
ونظرت إلي قول الله عز وجل: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا )هود /6 . فعلمت
أني واحد من هذه الدواب فاشتغلت بما لله عليّ
وتركت ما لي عنده ، لقول أبي عبدالله رضوان الله عليه أنه قال : أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لأخرتك كأنك تموت غداً .ونعم ما قيل في هذا الصدد :
يا من بدنياه أشتغل وغره طول الأمل .. الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل .ولهذا السبب اشتغلت فيما يرضي الله، ويصف بعض الصالحين اختيار الموت على الحياة في رضا الله ..!أذل الحياة وذل الممات ؟! وكلا أراه طعاما وبيلا ..فإن كان لابد من أحدهما فسيري إلى الموت سيرا جميلا.
ونعم ما قيل في هذا الصدد :
فمن الذي يخفى عليك .. إذا نظرت إلى قرينه
رب امرئ متيقن .. غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه .. فابتاع دنياه بدينه .
أني نظرت إلي الخلق فرأيت كل مخلوق منهم متوكل
علي مخلوق مثله , هذا علي ماله
وهذا علي ضيعته وهذا علي صحته وهذا علي مركزه .
ونظرت إلي قول الله تعالي (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )الطلاق /3 . فتركت التوكل علي
الخلق واجتهدت في التوكل علي الله. إذن لنكون أخوة ونتصافح ونتعانق وبالسواد نتعاون للبناء والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب المربي
behbahani@t-online.de
|