• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : على الطاولة المجاورة .
                          • الكاتب : اسراء البيرماني .

على الطاولة المجاورة


قصة قصيرة
 
كانت تألف ذلك الركن بشغف .. اعتادت ان تأتي لترمي بحقيبتها الأنيقة على تلك الطاولة وتستغرق في الكتابة على حاسوبها المحمول ... ركن يطل على شارع عريض اكتظ بالمارة و ثمة واجهات أنيقة تعرض فساتين بيضاء وأخرى فساتين للسهرة .. نافذتها المعهودة مثل كل مرة تستقبل وحدتها على شرائط ستائرها المنسدلة و طاولة حمراء .. رمت بكنزتها الثقيلة على كرسي مجاور واستغرقت في الكتابة .. تتسرب الكلمات الى عروقها فتبحر بأشرعة قديمة .. يقذف بها الموج الى ساحل بعيد حيث انتشرت هناك أولى صدفات خيالاتها المعتقة برائحة الرمل ... سطورها في تتابع فيبدو أنَّ الركن هادئ في نهار شتائي قصير فلم يسمع الا صوت أزرار الحاسوب التي عبثت بها أناملها الباردة ... تبحث عن أشعة الشمس من بين أشرطة الستائر المنسدلة فتستدعي النادل ليزيحها لها ... تستطرد بهدوء :-
- ارغب بكوب من الكاكاو الساخن .
- أمرك .
تغيب بين خيالها و السطور فينعدم إحساسها بالزمن و المحيط فلا شيء يغريها كانسيابية أناملها و تتابع أفكارها المكتظة بالشخوص فحيوية خيالها الخصب تقلها الى مرافئ و جسور من الخشب الندي حيث يعبث بها المدُّ و الجَزر .. فكوب الكاكاو الساخن يبرد وتنحسر أشعة الشمس الباهتة فتودع نافذتها بهدوء .. فما زالت تحدق بشاشة الحاسوب من خلف نظارة طبية و تستغرق في الكتابة ...
تستفيق من غيبوبة السطور المنسابة على صوت جهوري قديم .. كانت قد تسللت نبراته الى أذنها فبدا لها مألوفا... صوت ينبعث من كوة الماضي !!
يتسلل الى الأسماع بعبث معهود فتبحث عنه بين أجندات قديمة خلف عليها الزمن التراب ..
كان صوته !!
كانت تجلس قبالة النافذة فتخلفه ورائها فتنعكس صورته أمامها على الزجاج .. لا يزال كعادته !!
مضت السنوات سريعا و لم يتغير .. شخصيته المستلهمة من شرق عقيم منقرض.. تهكّمه بالمحيط .. رجولته التي لا يراها الا في طباع متسلّطة و صوته المتحشرج المشوب بدخان السجائر ..
تدور عينيه في المكان كأنه يبحث عن شي .. يشعل سيجارة و يطفأ أخرى .. يجري اتصالا هاتفيا حاميا مع احدهم و ينهي آخر .. يستدعي النادل فيطلب الغداء ... فكان كما العادة يطلب أصنافا شتى و يكتفي بصنف واحد ..
حاولت أن تستعيد ذاتها المشوشة و تستجمع الكلمات لتبحر في السطور فوجدت أن الأمر متعذّر نوعا ما !!
فبدأت تجهز نفسها للمغادرة .. الكنزة البنية الداكنة تعلق بأحد الكراسي فتحدث صوتا .. يلتفت لها فتلتقي العينان ... ماض قديم وثمّة ذكريات تتبعثر على صدغيهما هنا و هناك .. الا انه لابد من غياب ...
كان يود أن يستوقفها الا أنّ شيئا ما يحول دون ذلك .
قدماها يلتهمان المسافة كمهرة رشيقة فلا تخلّف وراءها الا ألماً في قلبه و كوب كاكاو بارد


كافة التعليقات (عدد : 4)


• (1) - كتب : علي طالب ، في 2014/05/19 .

قصة جميلة حملتنا بعيدا عن الواقع الذي نعيشه

• (2) - كتب : سرى بهاء ، في 2014/05/18 .

سلمت اناملك

• (3) - كتب : محمد رعد ، في 2014/05/18 .

تعابير جميلة جداً

• (4) - كتب : اسراء البيرماني ، في 2014/05/18 .

امتناني لحضراتكم و الى استاذي القدير د. سعد الحداد



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=46107
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28