• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : المقامة الادبية بين الماضي والحاضر .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

المقامة الادبية بين الماضي والحاضر

ظهرت المقامة الادبية كفن رفيع من فنون الادب وصنوفه المتنوعة , وجاء هذا اللون الادبي الجديد في ذلك الزمن  ,  واخذ ينافس ويزاحم صنوف الادب العربي باشكاله المعروفة والمشهورة , جاءت المقامة النثرية   ,  نتيجة لتأثير اسلوب ( ابن المقفع ) في كتابه ( كليلة ودمنة ) وكذلك من اسلوب الادبي لجاحظ في كتابه ( البخلاء ) , ومن حكايات الف ليلة وليلة ,في سردها القصصي ,  لذلك بزغت المقامة واكتمل بناءها وابتكارها الادبي بشكل  الكامل  , في القرن الرابع الهجري , في العصر العباسي . وقد برز في هذه الصنعة الادبية الجديدة ( بديع الزمان الهمذاني ) الذي اشتهر في مقاماته التي وصلت الى الرقم ( 52 ) مقامة ادبية , وسار عليه الاخرون , ومن ابرزهم ( الحريري ) . والمقامة : تعني المجلس , وهي حكايات خيالية تلقى في المجالس , لتطرب السامعين وتشوقهم في , بلاغتها الادبية واللغوية , وحتى الشعرية , في سردها النثري , الذي يعتمد على الصنعة اللغوية واللفظية البديعة  , وكذلك في حرفة لغة السجع , وتألق الحروف ونحتها والتلاعب بها , ويتسم هذا الصنف الادبي , في حكاياته , على البلاغة اللغوية المطعمة , بالشطارة والفطنة والحيلة والدهاء , ومزوقة بتشويق الفكاهة والنكت والطرائف المسلية . وللمقامة ثلاثة اركان رئيسية , لايكتمل بناءها إلا بها وهي :  

1 - الرواي : لكل مقامة لها راوٍ معين ومحدد . مثلاً . في مقامات بديع الزمان الهمذاني , هو ( عيسى بن هشام ) وكذلك في مقامات الحريري , هو ( الحارث بن هشام ) 

2 - البطل : في مقامات الهمذاني هو ( ابو الفتح الاسكندري ) وفي مقامات الحريري هو ( ابو زيد السروجي ) . 

3 - النكته : لتشويق والتسلية , وجذب انتباه السامعين والجالسين في المجلس , او مايسمى بملح الحكاية  . 

واخذت  المقامة الادبية بعد ذلك  , بين المد والجزر في العصور اللاحقة , حتى كادت  ان تنحصر , في الادب العربي وصنوفه , رغم ان المقامة , اثرت في الادب الغربي وخاصة في كتاب ( الكوميديا الالهية ) لكتاب دانتي , لكن استطيع ان اقول انحصرت وكادت ان تغيب من اشراقات الادب العربي وصنوفه , واعتقد حسب رأيي بانه يعود سبب الاضمحلال والانحسار  , بان هذه الصنعة , تعتمد اضافة الى الموهبة الادبية , فانها بحاجة الى ادوات رئيسية اخرى  مكملة , لذلك يتوجب على  صانعها ,  ان يملك قاموس ادبي ولغوي ثري وواسع   , حتى  يتيح له ان يتحرك في  مساحات واسعة , من فن الاناقة اللغوية , وفي ان التلاعب بلغة السجع ,  وحرفة التلاعب في الحروف  , ثم بشكل المقامة  القديم , لايتلائم مع متطلبات المجتمع الحديث والمعاصر , لذلك لم يتجاسر احد من الادباء والكتاب , ان يغور  غمار هذا الصنف الادبي , فغاب دهراً طويلاً من التداول والتناول والمتابعة  , في الساحة الادبية العراقية وحتى العربية , لانه بحاجة ماسة الى التطوير والتغيير في الهيكل العام والخاص  , بحيث تصبح المقامة تتلائم مع متطلبات الادب الحديث وضروراته الحياتية  الملحة , وان يخرج من عباءة الهمذاني والحريري . لذلك ظلت المقامة الادبية في زاوية منسية , كأنها صارت من اطلال الماضي , وبعيدة عن متناول القارئ , وكاد ان يغطيها الغبار بالنسيان  . لولا جهود ومحاولات الحثيثة والمثابرة في عطاءها في اقتحام هذا اللون الادبي الصعب , الذي اعاد له الحياة والحيوية . على يد الاديب القدير ( زاحم جهاد مطر ) . الذي احدث شبه انقلاب عام في شكل ومضمون المقامة الادبية القديمة , والبسها لباس جديد وحديث , وفق معطيات الادب المعاصر , الذي يلائم مقتضيات المرحلة الحيايتية , التي تمر بها الحياة العامة , واحدث تغيير شامل في اركان المقامة الثلاثة ( الراوي والبطل والنكته ) وحولها من حكايات خيالية بالتشويق والتسلية , الى سلاح فعال يجابه تناقضات الواقع السياسي والحياتي , ومقارعة الشوائب في المجتمع السوداء  , من التعامل السياسي المزيف والفاسد , وتمادى اكثر في مقارعة الفساد والاحتيال , وتلاعب باكثر مهارة وحرفة في التلاعب في الحروف ونحتها , واعطاءها النغمة الموسيقية الملائمة والمناسبة . والتفنن باكثر جرأة بلغة السجع وتطويرها بالزجم الكبير من المفردات اللغوية ,ان هذا التغيير الشامل , يعتبر طفرة نوعية كبيرة في ادب المقامة الحديثة , وقفزة نوعية في تطوير الاساليب القديمة , بأدوات حديثة ومعاصرة , هو يصب في تطوير الادب العربي بصورة عامة , ان هذا الاسلوب الادبي الجديد , الذي يسمى المقامة السياسية المعاصرة , تنتمي الى رائدها وصانعها الجديد والوحيد  , الكاتب القدير ( زاحم جهاد مطر ) ولم يشاركه ان ينافسه في الريادة احد , وتقريباً بشكلها الجديد , غائبة من الاوساط الادبية والكتاب , ومن النشاطات الثقافية , ومن الاعلام بكل صنوفه , لكنه الآن  يفتح الباب مشرعاً للاقلام الادبية الواعدة ,  التي تبحث عن كل جديد , يشبع رغبتها في التطوير الابداعي . واذا سمي مجيء الشعر الحر , بالثورة الادبية على الاساليب القديمة والكلاسيكية , واشتغلت الاوساط الثقافية في التنافس على الريادة , بين ( السياب ) و( نازك الملائكة ) , بينما انحصر الريادة على المقامة السياسية المعاصرة على شخص الكاتب ( زاحم جهاد مطر ) دون غيره , لذلك يستحق الدراسة والتحليل والتشخيص , لان هذا الابداع او الوليد  الجديد , لايقل اهمية عن ولادة الشعر الحر , الذي كتب عنه اطنان من الكتب والدراسات والمقالات من مختلف الكتاب والنقاد , بمختلف مشارفهم وتوجهاتهم السياسية , واشبعوا الشعر الحر , بالعناية والاهتمام والمتابعة , وتحدثوا عن كل زاوية منه , بأدق التفاصيل , وهذا يحذوني الامل من المعنيين على شؤون الادب واصنافه , ان يحظى الكاتب القدير ( زاحم جهاد مطر ) بالاهتمام والمتابعة والدراسة القيمة والموضوعية . وأملي كبير من اجل الابداع الاصيل . 

وللمقارنة بين المقامة الادبية القديمة والحديثة , اخترت للقارئ قطعتين من الحريري والهمذاني . 

مقامة الحريري

 

حدّثَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ قالَ: لمّا اقتَعدْتُ غارِبَ الاغتِرابِ. وأنْأتْني المَترَبَةُ عنِ الأتْرابِ. طوّحَتْ بي طَوائِحُ الزّمَنِ. الى صنْعاء اليَمَنِ. فدَخَلْتُها خاويَ الوِفاضِ. باديَ الإنْفاضِ. لا أمْلِكُ بُلْغَةً. ولا أجِدُ في جِرابي مُضْغَةً. فطَفِقْتُ أجوبُ طُرُقاتِها مِثلَ الهائِمِ. وأجولُ في حَوْماتِها جَوَلانَ الحائِمِ. وأرُودُ في مَسارحِ لمَحاتي. ومَسايِحِ غدَواتي ورَوْحاتي. كريماً أُخْلِقُ لهُ ديباجَتي. وأبوحُ إلَيْهِ بحاجتي. أو أديباً تُفَرّجُ رؤيَتُه غُمّتي. وتُرْوي رِوايتُه غُلّتي. حتى أدّتْني خاتِمَةُ المَطافِ. وهدَتْني فاتِحةُ الألْطافِ. الى نادٍ رَحيبٍ. مُحتَوٍ على زِحامٍ ونَحيبٍ. فوَلَجْتُ غابةَ الجمْعِ. لأسْبُرَ مَجْلَبَةَ الدّمْعِ. فرأيتُ في بُهْرَةِ الحَلْقَةِ. شخْصاً شخْتَ الخِلْقَةِ. عليْهِ أُهْبَةُ السّياحَةِ. وله رنّةُ النِّياحَةِ. وهوَ يطْبَعُ الأسْجاعَ بجواهِرِ لفظِهِ. ويقْرَعُ الأسْماعَ بزَواجِرِ وعْظِهِ. وقدْ أحاطَتْ بهِ أخلاطُ الزُّمَرِ. إحاطَةَ الهالَةِ بالقَمَرِ. والأكْمامِ بالثّمرِ. فدَلَفْتُ إليهِ لأقْتَبِسَ من فوائِدِه. وألْتَقِطَ بعْضَ فرائِدِه. فسمِعْتُهُ يقولُ حينَ خبّ في مجالِه. وهَدَرَتْ شَقاشِقُ ارتِجالِه. أيّها السّادِرُ في غُلَوائِهِ. السّادِلُ ثوْبَ خُيَلائِهِ. الجامِحُ في جَهالاتِهِ. الجانِحُ الى خُزَعْبِلاتِه. إلامَ تسْتَمرُّ على غَيّكَ. وتَستَمْرئُ مرْعَى بغْيِكَ? وحَتّامَ تتَناهَى في زهوِكَ. ولا تَنْتَهي عن لَهوِكَ? تُبارِزُ بمَعصِيَتِكَ. مالِكَ ناصِيَتِكَ! وتجْتَرِئُ بقُبْحِ سيرَتِك. على عالِمِ سَريرَتِكَ! وتَتَوارَى عَن قَريبِكَ. وأنتَ بمَرْأى رَقيبِكَ! وتَستَخْفي مِن ممْلوكِكَ وما تَخْفى خافِيَةٌ على مَليكِكَ! أتَظُنُّ أنْ ستَنْفَعُكَ حالُكَ. إذا آنَ ارتِحالُكَ? أو يُنْقِذُكَ مالُكَ. حينَ توبِقُكَ أعمالُكَ? أو يُغْني عنْكَ ندَمُكَ. إذا زلّتْ قدَمُكَ? أو يعْطِفُ عليْكَ معشَرُكَ. يومَ يضُمّكَ مَحْشَرُكَ? هلاّ انتَهَجْتَ مَحَجّةَ اهتِدائِكَ. وعجّلْتَ مُعالجَةَ دائِكَ. وفَلَلْتَ شَباةَ اعتِدائِكَ. وقدَعْتَ نفْسَكَ فهِيَ أكبرُ أعدائِكَ? أما الحِمام ميعادُكَ. فما إعدادُكَ? وبالمَشيبِ إنذارُكَ. فما أعذارُكَ? وفي اللّحْدِ مَقيلُكَ. فما قِيلُكَ? وإلى اللّه مَصيرُكَ. فمَن نصيرُكَ? طالما أيْقَظَكَ الدّهرُ فتَناعَسْتَ. وجذَبَكَ الوعْظُ فتَقاعَسْتَ! وتجلّتْ لكَ العِبَرُ فتَعامَيْتَ. وحَصْحَصَ لكَ الحقُّ فتمارَيْتَ. وأذْكَرَكَ الموتُ فتَناسَيتَ. وأمكنَكَ أنْ تُؤاسِي فما آسيْتَ! تُؤثِرُ فِلساً توعِيهِ. على ذِكْرٍ تَعيهِ. وتَختارُ قَصْراً تُعْليهِ. على بِرٍ تُولِيهِ. وتَرْغَبُ عَنْ هادٍ تَسْتَهْدِيهِ. الى زادٍ تَستَهْديهِ. وتُغلِّبُ حُبّ ثوبٍ تشْتَهيهِ. على ثوابٍ تشْتَريهِ. يَواقيتُ الصِّلاتِ. أعْلَقُ بقَلبِكَ منْ مَواقيتِ الصّلاةِ. ومُغالاةُ الصَّدُقاتِ. آثَرُ عندَكَ من مُوالاةِ الصَّدَقاتِ. وصِحافُ الألْوانِ. أشْهى إلَيْكَ منْ صَحائِفِ الأدْيانِ. ودُعابَةُ الأقْرانِ. آنَسُ لكَ منْ تِلاوَةِ القُرْآنِ! تأمُرُ بالعُرْفِ وتَنتَهِكُ حِماهُ. وتَحْمي عنِ النُّكْرِ ولا تَتحاماهُ! وتُزحزِحُ عنِ الظُلْمِ ثمْ تغْشاهُ. وتخْشَى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ تخْشاهُ! ثمّ أنْشَدَ   :

ومقامة من الهمذاني  

 

 المقامة البغدادية 

حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعْهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:

 

أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ *** لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ

 

وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ *** فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=46603
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 06 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19