• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المنهج التواصي .
                          • الكاتب : بوقفة رؤوف .

المنهج التواصي


المنهج التواصي هو المنهج المؤسس للحضارة وفي نفس الوقت الحارس للقيم الحضارية , ويقوم على شقين , مثله مثل الجسم الذي يقوم على قدمين , ان اختفت احد القدمين اصاب الجسم خلل و ان لم يسقط أصابه عرج خفف من سرعة تقدمه نحو الهدف وقلل من قوة توازنه وصموده في المواجهة والتحدي
والشقين هما : الحق والصبر
ولا يمكن تخيل أحدهما دون الأخر في الصرح الحضاري , فالحق مر لا تطيقه النفس دون مجاهدة وتحمل وجلد والحق في ذاته كفكرة مجردة مثله مثل الباطل فالعلاقة بينهما علاقة جدلية في نفس العالم يكملان بعضهما في تناقض بالسلب والإيجاب في ذات الخلية و لا يحدث التمايز بينهما إلا في النفخة الأولى حين ينفخ في روح الفكرة عن طريق اللغة فينفصل الحق عن الباطل ليتجسدا بعد ذلك في ثقافة المجتمع عن طريق السلوك 
فيختلف تفاعل النفس البشرية مع الحق عن تفاعلها مع الباطل باعتبار أن الباطل يوافق هواها ,أما الحق فيكون ثقيل بسبب مخالفته لطبعها , لذلك كان البناء صعب والهدم سهل
والطبيعة الإنسانية باعتبارها حيوانية تركن للباطل لأنها مجبولة على الفساد والقتل , لذلك كانت دائما نسبة ضحايا الإنسانية من بني جنسهم أو من إخوتهم في الإنسانية أضعاف ضحايا الطبيعة حتى قيل أن عدو الإنسانية الوحيد هو الإنسان والحل من منع الإنسانية من أذية نفسها هو تفعيل المنهج التواصي بشقيه التواصي بالحق والتواصي بالصبر
وفي عالم الفكر توجد نواة أحدية هي الحق يدور في فلكها كل الأفكار كالسالب حول الموجب أو مثل السالب كتجلي للحقيقة الأحدية المطلقة الكاملة قبل أن يتشكل بروح اللغة فيفصل بين الحق والباطل ليتجسدا كليهما في سلوكيات البشر
فيكون الإنسان هو الباطل وتكون الإنسانية هي الحق
وسنقتصر على مفهوم الحق من خلال سورة العصر التي أمرتنا وبينت لنا وشرحت المنهج التواصي , فالحق هو الإيمان والعمل الصالح بمعنى ان ثقافة الحق تتمثل في ايمان بفكرة الحق وتجسيدها في سلوك الحق  والذي عبر عنه المصطلح القرآني بالعمل الصالح , فثقافة الحق تتكون من ثلاثة ركائز متكاملة تنتج الانسان المتكامل وهي : فكرة الحق (الايمان) وسلوك الحق ( العمل الصالح ) ومنهج الحق أو آليات الحق و المنهج التواصي حيث نكون في خضم سلسلة من التفاعلات التواصية التذكيرية التبينية التوضحية التعليمية التثقيفية لفكرة الحق وسلوك الحق مع بذل الجهد والقدرة وتحمل الصعاب والشدائد والعوائق النفسية والاجتماعية والسلطوية في إطار التواص بالصبر
والمنهج التواصي هو مجموع سلسلة أفعال تتسم بالديمومة والشمولية يحكم مجتمع الانسان المتكامل دون الوقوع في فخ الأدلجة حتى لا ننتج الانسان المأدلج , المقولب في اديولوجية وحدوية حتى ولو كانت هذه الاديولوجية دينية وهذا الخطأ وقعت فيه بعض الدول الاسلامية التي طبقت الاسلام كمنهج حياتي لكنها اقتصرته في أبواب الفقه فقط , فتحول الاسلام على أيديهم من منهج رباني يعلمنا أن نحي في وبإنسانيتنا بكرامة ومساواة  ويبث في نفوسنا الحياة الى قانون عقوبات يبين لنا الجرائم والعقوبات التي تطبق على الضعيف دون الشريف  , اسلام انتقائي يكرس أوضاع قائمة ويعطي لها الصبغة الدينية رغم انها وليدة فكر مضطرب مازال يعاني من هزات ارتدادية في واقع متغير يحاول هذا الفكر حماية نفسه منه عن طريق الأدلجة في قالب واحد ثابت حتى لا يجهد نفسه مع المتغيرات الاجتماعية والدولية
رغم أن التغيير سنة كونية واجتماعية والاسلام كمنهج حياتي يتسم بالمرونة والتكيف مع المتغيرات ولقد علمنا التاريخ ان هناك اديان ولغات ومجتمعات ودول انقرضت لأنها بقت في قالب ثابت , نسجت شرنقة من الاديولوجيا لفت بها نفسها وانعزلت بها عن العالم دون ان تحاول التغير فكانت شرنقتها كفنها وقبرها الذي قبرت فيه .
أما الصبر فلا يعني بمفهومه التراثي الرضا و الخضوع والاستسلام للقضاء والقدر , فنصبح المفعول به الذي يقع عليه فعل الفاعل , بل الصبر المأمورين به هو أن نوصي بعضنا البعض    بالتفاعل مع الواقع المفروض بمحاولاتنا لتغييره , التغيير الممنهج المنضبط المحدد سلفا لا التغيير الارتجالي والانفعالي وخبط عشواء , فالصبر هنا أن نصبر على عملية التغيير والتي هي الجهاد الأكبر .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=46760
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 06 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29