• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : الوحده الوطنية عند الأمام السيستاني .
                          • الكاتب : ابواحمد الكعبي .

الوحده الوطنية عند الأمام السيستاني


 ان خلاصة خلاصات الامام السيستاني في المجال السياسي وفي اطار مفهومه للدولة العراقية تختصر بالآتي: \\\"الدولة يجب ان تكون دولة سماوية موحده للجميع.
هذه اللاهوتية الصافية والاخلاقية العالية في تفكيره السياسي هي امتياز خاص لمن ارتقى في معارج الطوباوية حتى الذروة الاعلى.
مفهوم الوحدة الوطنية الذي احتل الدائرة المركزية في تفكير الامام يتقاطع ومفهوم الهوية والانتماء. فالامام السيستاني مؤمن بالكيان العراقي معلماً حضارياً وقيمة انسانية، مؤمن به كياناً تتجاوز فيه وتتفاعل قيم الاسلام والمسيحية والعروبة الحضارية، مؤمن به كياناً يواجه عنصرية الأعداء، مؤمن به كياناً واحداً بأرضه وشعبه ودولته. فوحدة الهوية والانتماء عنده هي للوطن لا لإقليم جغرافي منه، هي للشعب لا لطائفة منه او فئة، هي للدولة لا لواحدة من مؤسساتها.
وحدة الهوية والانتماء لا تعرف التصنيف او التمييز بين المناطق ولا بين الطوائف ولا بين المؤسسات. مع حفظ حقوق الأغلبية.
الوعي بالهوية يفرض نوعاً من التلازم العضوي بين الذات والوطن. يقول الامام: \\\"انا لا أقبل ان أكون عزيزاً ويكون وطني ذليلاً، ان الوطن على حدّ قوله يعيش في ضمائر أبنائه قبل ان يعيش في الجغرافيا والتاريخ\\\".
الوعي بالهوية يفرض كذلك تلاحماً بين الاحساس بالكرامة الشخصية والكرامة الوطنية:
هذه هي عراقية الامام التامة، فهو لا يعرف أنصاف الهويات والانتماءات، لأنه لم يكن من أهل المصالح الخاصة: يقول الامام الا يقسم الانسان بأعزّ ما يمتلك، هويته وانتمائه؟ سنكون جنود الوطن..
هذا ما يفرضه الوعي بوحدة الهوية والانتماء.
أما عراقية الشيعة فقد اختصرها بالقليل الأقلّ من كلام ذي معان جليلة. يقول: \\\"ان الشيعة كانت منذ أن كان العراق، والشيعة كانت من العراق منذ ان كان، عمّرت سهوله كما عمّرت الجبال، وعصمت جنوبه كما شرقه والشمال. عاشت معه في السرّاء والضراء، فسقت تراب العراق من دم، كما رفعت في سمائه ألوية مجد. شاركت الشيعة في اخضرار العراق، فلم يعتد الجمال، وقادت ثوراته فلم تعتد السيوف.. ان هذه الصفات البهيّة من تاريخ الشيعة في العراق جعلت ميثاقاً عميقاً وأبدياً بينهم وبين العراق لا يتنازلون عنه ولا يتنازل هو عنهم\\\". هذه هي عراقية الشيعة كما رآها الامام،عراقية صافية يضوّئها جرح الفداء: \\\"سلوكنا الحسيني يفرض علينا الدفاع عن ارضنا\\\".
لقد ارتقى الامام بالعلاقة بين الشيعة والعراق الى أصفى درجات التوحد من دون ان يصاب بعقدة الاستعلاء او التشاوف التاريخي على أي فريق عراقي آخر، ومن دون ان يصاب بمرض احتكار الهوية والانتماء، فهو ليس شوفينياً وليس نرجسياً في منهج تفكيره والتصرف. عراقية الشيعة كما رآها الامام في جانب آخر، عراقية متواضعة ومتأصلة في عمق حضارتها، فالمهاجرون الشيعة على حدّ تعبيره، \\\"لا تبهرهم حضارة سوى حضارة العراق\\\".
إيمانه بالعراق يعادل ايمانه بالانسان، هذا الايمان يعطي الهوية بعدها اللاهوتي القيمي، ويلقي على الانتماء هالة قدسية، وهو في مستوياته الثلاثة: اللاهوتية والوطنية والانسانية، يلاحقه أينما كان وفي أي زاوية عاش، فلا خلاص منه ولا مناص الا بالموت او العجز.
لقد شفّ وعيه ودقّ احساسه بالهوية والانتماء حتى بات العراق يسكن عقله وقلبه وضميره وديعة من لدن الله وأمانة من لدن الانسان، عاش في قلق كياني دائم عليه، وأثقلت الوديعة والامانة كاهله.. أوليس القلق الكياني على الوطن هو أعلى مراتب الانتماء اليه؟
عراقية الامام، هوية وانتماء، هي عراقية والعطاء والخدمة: \\\"تحدثوا عني كعظيم إلى جانب العراق العظيم، لكنني ارجو ان أكون خادماً في كيانه وبقائه\\\".
هذا الرجل متجرد تجرد الاطهار والنبيين الذين يؤدون رسالة الخدمة يفيض من الوعي بالهوية وشعور بالانتماء، محبة الوطن تقتل فيهم شهوة الانتقام منه ان جار عليهم أو ضام أوظلم: \\\"نحن لا يمكن ان ننتقم من الوطن\\\"، فالانتماء المتجرد من مأرب أو هوى يجعل المرء غفاراً لمن أساء اليه وآذاه، فالوطن هو \\\"أبعاد وجود الانسان وأساس كرامته ومجال رسالته، تجب حمايته بالأرواح والدماء، والدفاع عنه هو دفاع عن الله وأرض الوطن تعكس السماء\\\".
هذا هو معنى الانتماء في معظم اللاهوت السياسي عند الامام.
انتماؤه الصافي للعراق جعل ولاءه العراقي ولاءً مطلقاً ولكن من دون تحجّر او تعصّب وانعزال، فالتزامه ديني اسلامي، وقيمي انساني. عراقيته لا تناقض اسلاميته تتحرك في أفق انساني رحب ومفتوح، تحترم كل الاديان والحضارات والثقافات وتسعى لخلق التفاعل الايجابي بينها. انه انسان حضاري بانتمائه، وانتماؤه نقيض الانتماءات البدائية المغلقة. انه انتماء الوعي المشفّ والفكر الرحب والروح السمحة، لا انتماء العصبية.
تأسيساً على معنى الانتماء كما نفهمه في رؤية الامام ننظر إلى معنى المواطنة. يقول: \\\"والمواطنون عليهم ان يجتمعوا ويناقشوا ويخضعوا للشرعية ولسلطات الدولة.. ان الادارة العامة للمواطنين، فالمواطنة هي علاقة بين المواطن والوطن، و«الحاجة الى الاوطان ليست ترفاً فكرياً يحددها قانون الدولة القائمة فوق أرضه بإرادة بنيه، وهي علاقة ينظمها مبدأ الحقوق والواجبات التي من أهمها الحقوق والواجبات السياسية. \\\"هل يريدون من الجنوبيين ان يسكتوا على كل هذا الاهمال واللامبالاة ويتحملوا المصائب والموت والدمار وهم يشعرون ويلمسون انهم لا يتمتعون بأبسط حقوق المواطنة وأولاها، خاصة بعدما أدوا في جميع المراحل والأوقات واجباتهم كاملة تجاه الوطن والمواطنين؟\\\".
همّ الإمام في مسيرته النضالية والفكرية هو اشعار الجميع بأنهم أعضاء بعضوية كاملة في جسم الوطن وبنية الدولة. فالعراقيون ليسوا أبناء تابعيات دينية مذهبية وطائفية، بل أبناء جنسية واحدة هي الجنسية اللبنانية، وهم خاضعون لقوانين الدولة العراقية وأنظمتها. \\\"الولاء الوطني لا الطائفي هو الحد الادنى من شروط المواطنية.. يجب ان يعطي الوطن للمواطن اكثر مما تعطيه طائفته، وبذلك نعمق مفهوم الولاء ونعطيه بعداً انسانياً، وحدة الجنسية تفرض وجود قوانين وأنظمة عادلة تحمي المواطن وتوفّر له حقوقه المدنية والسياسية كاملة، والشروط الاجتماعية والاقتصادية الكفيلة بتحقيق الإنصاف وبتأمين المشاركة الفاعلة في صنع القرارات الوطنية\\\". فلنقوّ هذا الاتجاه الوطني الواحد بالمشاركة الحقيقية التي هي الميثاق الحقيقي، وهي المواطنية الصادقة والوحدة الحقيقية. المواطنة تقوم على مبدأ المشاركة وتكتمل بها.
هذا في المبدأ، \\\"اما في الواقع، فلقد أدرك الإمام بعقله العملي وإحساسه الواقعي ان المواطنة في العراق بإمكانها ان تكون كاملة ومتكافئة من دون إلغاء مفتعل للطوائف، وبشرط ألا يشعر المواطن بعجز الطائفة عن ابراز شخصيتها المتكاملة في مختلف ميادين الحياة، بحيث تكون الظهير لأبنائها وموضع اعتزازهم وعوناً لهم في الملمات\\\".
المواطنة في الانظمة الديموقراطية والدول الحديثة التي تحترم حقوق الانسان تنابذ تصنيف المواطنين منذ ولادتهم ولا تجعلهم يدفعون أثماناً أرضية متفاوتة لانتماءاتهم السماوية، وتوجب بينهم العدالة التي تلغي الامتيازات بين مواطن وآخر.
من خلال هذه النظرة الوطنية الشاملة نفهم كلام الإمام على حرمان الطائفة الشيعية، وليس من خلال النظرة المذهبية الضيّقة، وتالياً نفهم كلامه على الطائفية في النظام الديمقراطي.
والمواطنة في فكر الإمام يستدل عليها من مفهومه للوطن. \\\"فالوطن حقّ وواجب ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، والحق من دون واجب صفة للمزرعة، والواجب من دون حق استعمار محض\\\". لقد وجد الامام في الوطن مواطنين عليهم واجبات وليست لهم حقوق، فهم لا يعيشون في وطن بل في مستعمرة. ووجد فيه مواطنين لهم حقوق وليست عليهم واجبات، فهم لا يعيشون في وطن بل في مزرعة. المواطنة الحق ليست في المستعمرة وليست في المزرعة، انما هي في الوطن الذي يعيش فيه المواطنون سواسية في الواجبات وفي الحقوق.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=48242
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29