• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : غزة .. جمرة العرب الخامسة! .
                          • الكاتب : محمد رفعت الدومي .

غزة .. جمرة العرب الخامسة!

الخوف هو أعمق المشاعر الإنسانية ، من أجل هذا كان هو المصدر الجذريّ

للخرافات ، و من أجل هذا ابتكر الآباء الأوائل الكهوف لتحميهم من غضب

الطبيعة و أساليب الكائنات المفترسة ، و هم أيضاً ، و رغبة منهم في حماية

إضافية لا تكلف شيئاً ، ابتكروا الآلهة ليجعلوا منها بطقوس بسيطة يؤدونها

لها دروعاً تحميهم لوقت الحاجة ، لكنها دروع ذهنية بالتأكيد ..

 

مع ذلك ، في كل زمان و مكان ، كان هناك ألوان من التجمعات البشرية

المسكونة بإيقاع غريب ، أشبه بالنبضات المنعزلة ، بعض المنتمين لهذه

التكتلات هم الذين ابتكروا أدوات الصيد ، إذ رأوا أن خير وسيلة للدفاع

الأفضل ، و لتهدئة مخاوفهم من الحيوانات الأقوي هو تبادل المقاعد ، بمعني

آخر ، قرروا معاملة تلك الوحوش كفرائس لا أكثر ، و ما يحدث بعد ذلك

فليحدث ..

 

لسوء الحظ ، أمثال هؤلاء يعيشون دائماً علي هوامشهم الخاصة ، و يتحولون

عادة مع الوقت إلي قوميات خاصة ، و إن قوميات معنوية ، ترفض الذوبان في

الذاكرة الكلية و ترفض حتي تماهي أفكارها مع أفكار الآخرين ، بل و تعمل

علي حماية أفكارها من المد و الجزر ، كالغجر مثلاً ، و كـ " اليهود "

لقرون طويلة و حتي يومنا هذا ، و كـ " بني عامر " في الجاهلية ، و هي

واحدة من أربعة تكتلات قبلية عُرفت بـ " جمرات العرب " ، لأنهم كانوا

يخوضون الحروب دون تحالفات مع أي قبيلة أو قبائل أخري ، و الأهم من هذا ،

لأنهم كانوا ، متي مسَّهم بغيٌ من قبيلة أخري ، مهما كانت قوتها ، لا

يزنون المجازفات و لا يبحثون البدائل قبل الدخول في معركة أكيدة ، و كانت

نتيجة تلك المعركة آخر ما يفكرون به ..

 

و لو كان " بنو عامر " ممن يزنون المجازفات لأعلنوا الاستسلام فوراً حين

تحالفت ضدهم كل القبائل العربية تقريباً في معركة " شِعْب جبلة " ، لكن

ذلك لم يحدث ، بل خاضوا المعركة ببساطة الماء و انتصروا ، و لجلال هذا

الحدث الجلل ، تخيل ، قبيلة تنتصر علي كل القبائل العربية مجتمعة ، صار

يوم " شعب جبلة " هو اليوم الذي تؤرخ به العرب لمناسباتها الخاصة حتي

تواري في ظل تاريخ الهجرة الضخم !

 

و هكذا قوميات معنوية ، تفضل العيش علي هامشها الخاص ، لأنهم الاستثناء

لا القاعدة ، و لأنهم ، بنجدتهم و نبل أفكارهم في الغالب ، يفضحون ضحالة

الآخرين و نذالتهم ، كانوا ، في كل زمان و مكان ، منبوذين ، يحدق الآخرون

النظر إليهم بعيون سرية مزدحمة بالأحقاد ، و يكيدون لهم في الظلمة ، كحال

العاهرات مع ذوات العفة ، و كحال قبيلة " الإمارات " مع " غزة " ، فلقد

عرضت ، قيل ، علي " اسرائيل " ، كما يليق بقبيلة كلاسيكية ، أن تدفع كل

تكاليف الحرب علي هذه القومية ذات الميول التحررية التي تشكل خطراً علي

تراث القبيلة الفاشل ، كما طردت من مضاربها و خيامها الإسمنتية إمام مسجد

اقترف من فوق المنبر الدعاء لأهل " غزة " ، أولئك المنتمين لجماعة "

الإخوان المسلمين " ( الإرهابية ) ، تلك المتهمة بالسعي إلي نيل الحرية ،

و التي تسعي لتقسيم ( الوطن )  ، و هذا خبر أكيد !

 

عن أي عروبة بعد هذا الحدث الجلل يتحدث أصحاب الحد الأدني ؟ ، عن أي

عروبة أيها المغيبين تتحدثون بعدما أطلق الغدر بيننا صيحته ، و صارت

بيننا دماء قديمة و دماء جديدة و دماء تتهيأ للسيلان ، تمد جذورها في كل

مكان ؟

 

ربما اعتقد الذين لا يمضغون الواقع حتي القشرة الأكثر سمكاً أن " غزة "

حين تناصب قوة كـ " اسرائيل " العداء بصدور عارية و مفتوحة علي مصراعيها

لابد أنها مخطئة و غبية و عاجزة عن إدراك الفجوة الفادحة التي تفصل بينها

و بين عدوها ، و هذا الاعتقاد تحديداً يلتحم بالمعني الذي تقصده " حماس "

، فواقع المقاومة لا يعترف بحقيقة الصراع و لا التحديات ، إنه اتحاد بين

الأشياء و الإنسان من خلال المقاومة فقط ، يشعر المقاوم خلاله أنه مسئول

عن كل شئ ، و عن العالم و عن مصيره لا عن نفسه و عن قضيته فقط ، و هنا

فقط ، تلتقي الحياة و الموت في معني واحد ، فكلاهما خطوة علي الطريق ،

هذا ما لا يستطيع أن يدركه الفارغون إلا من المال ، أولئك الإضافيون ،

تلك الزوائد اللحمية علي جسد الدنيا ، و الحشو العفن في فراغات الإنسانية

الذي يمنح الآخرين معني لوجودهم ، و هذه هي فقط سعة موجتهم في محيط

الإنسانية ، تماثيل من رمل معجون ببول الكلاب الضالة و عرق العاهرات

لخصيان براقة لا أكثر و لا أقل ..

 

"غزة " جارتنا ، و " غزة " جمرة العرب الخامسة ، و " غزة " تشتري لنا

بدمها ، كلما تبهت مرايانا ، مرآة جديدة بحجم آلام الثكالي و غضب

الموتورين ، لنري فيها وجوهنا القبيحة و واقعنا العاهر ، و هي توقظ رنين

الأجراس كلما يخفت لتؤكد لنا حتمية استعادة ربيعنا الذي سرقوه بقوة

السلاح ، كما يسرق الشتاء من الأشجار فتنتها ، و جعلوا منه الخريف الأقل

جمالاً عبر العصور ، لكن النار التي ربما تولد الآن في العتمة ، سوف تحرق

كل شئ ، كل شئ ..

 

إن من الضروري أحياناً أن تصدح أصوات البنادق بذبذباتها الحادة لتتفاقم

في العيون هشاشة الخلفية الزائفة للمشهد الفاشل ، و يفصح عن قلبه كل خائن

، هكذا أظن ، و آخر ما أفكر فيه هو أهل " غزة " فالقتل لهم عادة  ، و

لابد للأفكار العظيمة أن تكون آلاماً عظيمة ، و هي في هذا عكس الرغبات

الضحلة للبدو ، و ذيول البدو الخصيان الذين حصلوا علي أجورهم بإفراط ،

فهي محاطة بالفراغ ، و أقل خصوبة من البغال العقيمة ، و لسوف تخيب

مؤامراتهم إن عاجلاً أو قبل حلول عام " 2020 " علي أكبر تقدير ، و لسوف

تذهب خيامهم أدراج الرياح ، الرياح التي تجمع الآن روائح الجبال في زجاجة

" الشرق الأوسط الجديد " ، ولسوف تبقي "غزة "  قومية أنيقة تسمو علي

الذاتية ، أشبه بالأساطير العظيمة الخالدة ..

 

لا شئ يحدث مرتين بنفس الطريقة ، لذلك ، لا تدق طبول الحرب علي " غزة "

هذه المرة ارتجالاً ، حتما سوف يستدير هذا الكلام في عقولنا عندما نأخذ

بعين الاعتبار السياق الزمني و الاجتماعي و الروحي الذي وُلد فيه هذا

الإيقاع الردئ ، إنها طعنة متعددة الأبعاد بمباركة عربية ، و من الداخل

الفلسطينيِّ ، للظاهرة الأردوغانية ،  ظناً منهم أن صمت " تركيا " ، أو

علي الأقل ، شحوب موقفها من هذه الحرب مختلة الموازين ، سوف يوقف زحف اسم

" أردوغان " الأسطوري علي أفكار ممتلكاتهم الخاصة ، أعني نحن ، قطيعهم

الذي يتوارثونه كلباً عن ظهر كلب ، حتي أن اسم " أردوغان " احتل مؤخراً

مرتبة متقدمة بين أسماء المواليد في " غزة " ، و بسبب موقفه من الانقلاب

في " مصر " بطبيعة الحال ، و هذا وهمٌ سوف يتبخر بالتأكيد ..

 

إنه عقاب لـ " أردوغان " قبل أن يكون عقاباً لـ " حماس " علي موقفها من

الثورات العربية ، - أقول " العربية " بحكم شهرتها كمفردة لفظية دالة علي

منطقة جغرافية لا إشارة إلي انتماءات و جذور - ، و بسبب موقفها من

الثورات العربية ، خاصة ثورة " سوريا " ، خسرت "حماس " ، للأسف ، ظهيراً

صلباً ، كنت ، بصفة شخصية ، أتمني ، أكثر من أي وقت مضي ، أن يكسر هذه

المرة حرارة جبهة " غزة " بتسخين جبهة " جنوب لبنان " ، أقصد " حزب الله

" ، لكن ، يبدو أن الممسك بخيوط اللعبة يدرك جيداً أين يضع خطواته ، و

متي يقرر سيولة المشهد من كل جانب ، لعل ذلك أقرب من قعر شيوخ القبيلة

الحمقي ..

 

لا خوف علي " غزة " ، فلا تتباكوا من أجلها ، و لا شأن لكم بها ، إنها

سوف تتجاوز العاصفة ، و لها السابقات ، و سوف ترمم جرحها ، و عما قليل ،

سوف يشاهد العالم علي الشاشات السيد " محمود عباس " في ذكري تأسيس " حركة

فتح " وهو يضع " الكوفية " علي كتفيه ، و من خلفه مفتاح كبير ، يهتف من

فوق المنبر بأبيات درويش :

 

سجِّل .. أنا عربي / و رقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ  / و أطفالي ثمانيةٌ و

تاسعهُم / سيأتي بعدَ صيفْ / فهلْ تغضبْ ؟

 

سجِّلْ .. أنا عربي / وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ / و أطفالي ثمانيةٌ .......

 

الغريب أن العالم كله يعلم أن ابنيه " ياسر " و " طارق " من أثرياءه ، و

أن كليهما باشر تربية كل ثروته الأسطورية من العمل مع اليهود ، أو مع

الأمريكيين برعاية يهودية ، و يكفي أن تعلم أن من بين ممتلكاتهما ، "

سكاي للإعلان " ، و شركة " فيرست أوبشن بروجيكت كونستراكشن مانيجمينت " ،

و  " مجموعة فالكون القابضة " التي تندرج تحتها ، " فالكون للاستثمارات

العامة " وتعمل في مجال الاتصالات ، و " فالكون إلكترو ميكانيك

كونتراكتينج " و مقرها " عمان " و تعمل في مجال المحطات و المولدات

الكهربائية ، و " فالكون جلوبل تلكوم " ، و " فالكون توباكو كومباني "

المتخصصة باستيراد كافة أنواع السجائر الإنجليزية ، و " فيرست فالكون "

للهندسة المدنية و الكهربائية و المقاولات و التجارة و مقرها " قطر " ، و

كذلك " femc " و مقرها " دبي " ،  كل هذا غيض من فيض ، و عليه ، سجِّل ،

هو عربي ، يعمل مع رفاق الكدح في محجر !

 

من الواضح لكل ذي عقل أننا بصدد الحديث عن إمبراطور ، أو تاجر ، لا صاحب قضية !

 

لا تعجبني نظرتهم إلي القطيع ، كيف يتصرفون بهذه السطحية في وقت لم يعد

فيه شئ بحاجة إلي تأويل ، إن علاقة و لو سطحية لهذا الرجل بـ " ياسر

عرفات " تدفع كل عاقل للشك في قضية " ياسر عرفات " نفسه ، و تطعن ظاهرة "

أبو عمار " في الصميم ..

 

الحق بين ، كذلك الباطل ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=48566
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19