• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : استرداد مفهوم المواطنة .
                          • الكاتب : حسين جويد الكندي .

استرداد مفهوم المواطنة

اصبحت اليوم مناهج الاسلام السياسي تحتل مركز الصدارة في المباحث والدراسات السياسية والاجتماعية ,بسبب صعود تياراته الى واجهة العمل السياسي في الدول العربية بصورة مفاجئة بل وخاطفة كذلك , فلم يعهد التاريخ السياسي العربي مثل هذا التغيير من قبل , ففي الوقت الذي كانت فيه الثورات العربية ( اجتماعية ) المضمون والغاية , قام بها مجموعة من الاكاديميين والتنويرين العرب , في محاولة لاسترداد معنى ( المواطنة ) بكل ماتستبطنه من حقوق اهملتها الحكومات الدكتاتورية العربية طوال نصف القرن الماضي , الا ان ماانتهت اليه الثورات كان مغايرا تماما للمقدمات التي انتجت المشروعية الثورية , فمثلا لم تكن مساهمة التيارات السلفية بالثورة في مصر بمستوى تمثيلها السياسي بعد ذلك , ترى ما الذي حدث في فترة الغليان الجماهيري وما هو الدور الذي لعبته وكالات الاستخبارات العالمية والذي غيرت بموجبه الخارطة الثورية وملامح التكوينات السياسية فيما بعد الثورة , بحيث انزوى الاهتمام الاعلامي ( بالشباب ) ـ مفجري الثورة ـ  وتضاءل دورهم بصورة كبيرة في التمثيل السياسي في البرلمانات والحال نفسه في تونس واليمن كذلك  , هذا السؤآل قد نجد له جوابا في المستقبل بعد ان يُفتضح رعاة العملية السياسية الجدد , ولاندري اقريب ام بعيد ذلك اليوم . 
    هذا التقابل بين المقدمة والنتيجة يشير الى حالة الصراع الخفي للوصول الى السلطة والذي ركزت عليه الادبيات الاسلامية المعاصرة كغاية لنظالها ضد الدكتاتورية طيلة الفترة الماضية , ولم تلتفت نتيجة لذلك الى ايجاد نظرة معاصرة للدولة او الوطن او المواطنة , وانما احالت كل تلك القضايا الجوهرية الى مجال العقيدة , فاكتفت بمخرجات السلف ونظرتهم الى تلك المعاني بكل اسقاطات الحقب التاريخية عليها , , ومن هنا كان الفكر هو فكر العقيدة والمواطن هو من آمن بتلك العقيدة , الذي ( يجوز ) له ان يتمتع بكل امتيازات ( المواطنة ) وما سواه فمحروم منها ( مُبعد ) عن نيل سعادتها . 
   ومن هنا كانت ادبيات الاسلام السياسي المعاصر تركز في خطابها على ايجاد مشروعية سيادية عليا لمشروعها الاجتماعي والثقافي الغريب عن تطلعات المواطن العربي , ليس لانه يستبطن بُعدا ايدلوجيا عقائديا يجعل من نموذج السلف في التعامل مع مفاهيم الدولة والوطن والمواطن مرجعا للصياغات الجماهيرية لتلك المفاهيم , بل لانه بات من الواضح ان هذا المنهج خارج الزمن الذي حكم على تلك التجارب بالنجاح في الماضي , ولعل ذلك منها ـ تيارات الاسلام السياسي المعاصر ـ هروبا الى الوراء لتجاوز اشكالية ( الخواء ) المعرفي بتلك المفاهيم المستحدثة , وهروبا من استحقاقاتها الواقعية , والتي كانت سببا لتغيير الانظمة السياسية في ماعرف بـ ( الربيع العربي ) , او لعلها ايقنت بان هناك اشكالية ستحدث نتيجة الاعتماد على هذه ( الإحالة ) الخاطئة للسياسة الاجتماعية على العقيدة , وماستسببه من ارباك في الممارسات التفصيلية للدولة ومؤسساتها , فالنصوص التاريخية بالإضافة الى انها خارج الزمن الذي نحياه اليوم بكل تعقيداته , فهي كذلك تجعل من الدولة واشخاصها فوق ( المواطن ) او معنى ( المواطنة ) لانها تضفي على نماذج العمل السياسي للسلف نوعا من العدالة المطلقة , والتي تنعكس اليوم بهيئآت وأشكال مختلفة منها المطالبة بـ ( الخلافة ) او ( الامارة ) مثلا او رفض التقييم والنقد للمارسة السياسية وغيرهما , اي ان الدولة هي الراعي الذي يُستحسن منه كل شيء درئأً للفتنة وحكومة الهمج الرعاع , في تصريف مبتذل لقول الإمام علي  ( ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم ) , وذلك كما هو ظاهر في الضد مما تهدف اليه الدولة المدنية التي ينبغي ان تكون مُخرجا اجتماعيا للحراك الجماهيري وممثلا له . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=48682
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3