• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حق التاريخ.. حول مواقف المرجعية العليا وصوتها الصادح .
                          • الكاتب : كريم الانصاري .

حق التاريخ.. حول مواقف المرجعية العليا وصوتها الصادح

تسالم  المعرفيّون على أنّ " المعرفة " مستندة إلى القوائم الشهيرة الثلاث :  اللغة ، التاريخ ، الفكر .. كما تسالموا ونظراؤهم على كون التاريخ ليس  مجرّد سردٍ جافّ للأحداث، إنّما هو ضبط برؤية فاحصة وتحليل علمي وقراءة  منهجية ومراجعة غائرة ضاربة في الأعماق ، تستحضر الماضي وتفكّك الحاضر  وتستشرف المستقبل.
وإنّه لمن المؤسف والمؤلم حقّاً أنّ جلّ  مابأيدينا من نتاجات ومدوّنات في علم التاريخ  هي حاصل جهد المناوئ  والمخالف والمعادي الذي راح بسطوة السلطة الحاكمة والإمكانيات الهائلة  يضربنا بسيف الحقد والحذف ضَرْبَ المحرِّف المضلِّل، ولاتزال هذه الذراع  الغادرة تحكم بظلم وتقبّح وجه التاريخ دون أن ننبري لمشروع جادّ يعيد  صياغة التاريخ طبق رؤية مدرسة أهل البيت (ع) رغم تغيّر الظرف الصالحنا  نسبيّاً وتوفّر المستلزمات المطلوبة.
إنّ النقص الكبير الذي نعاني منه في هذا  المضمار الحسّاس شكّل عبئاً ثقيلاً على كاهل الجهد المعرفي  عندنا وحفر  فجوةً فكريّةً طالما حالت بيننا وبين الفهم الدقيق والاستيعاب الصحيح  لمقاصد ومعارف أهل البيت (ع) .. هذا النقص الذي جرّنا وسحبنا طوليّاً بنحوٍ  مماثل إلى التعثّر في التعامل السليم مع العديد من الرؤى والمفاهيم  والقضايا ، منها على سبيل المصداق لاالحصر: مفهوم " المرجعية الدينية "  عموماً من حيث الوجود والامتداد والنيابة العامّة ، ومطالباتها وإيجاباتها  وتوقيتاتها و... على وجه الخصوص.
لاغرو أنّ مراجعة محطّات التاريخ مراجعةً  علميّةً منهجيّةً تكشف لنا حصيلة نوعيّة مؤدّاها :  أنّ الصوت المغرّد خارج  السرب مهما علا وارتفع فهو خافت إزاء صوت المرجعية الدينية الصادح بمصالح  الدين والعباد.
وليس اليوم بمختلف عن الأمس ، فهاهي المرجعية  الدينية العليا تداري وتنصح وتقف على الأخطاء فتعالج وتصحّح وتطرح الحلول  الجليّة والسبل الكفيلة بتغيير الأوضاع صوب الأفضل ، فنادت بمبدأ " القبول  الواسع " و" تدارك الأخطاء " و " عدم التشبّث بالمنصب " و " العمل  بالتوقيتات الدستورية " و" احترام القانون "... مثلما دعت إلى وحدة الصفّ  ونبذ العنف والاصطفاف الطائفي وحماية الأقلّيات الدينية والعرقيّة  ؛ كلّ  ذلك من أجل الخروج من المأزق الحالي وتفويت الفرصة على الغرباء الذين  استغلّوا الوضع الهشّ فتمدّدوا بشكل خطير ومثير.
إنّ مواقف المرجعية العليا ماهي إلّا انعكاس  حيّ للمبادئ والقيم الأصيلة التي أكّدت عليها مدرسة أهل البيت (ع)  المتضمّنة أرقى معاني الحبّ والسلام واحترام كرامة الإنسان وطموحه بحياةٍ  حرّة يسودها العدل والأمان .. تلكم المواقف التي ستبقى محفورةً على صفحات  التاريخ بأحرفٍ من نور .. دونها التشبّث بالمصالح الخاصّة التي سرعان  مايغادرها التاريخ أو يكتبها بأحرف الظلمة والعتمة القاتمة.
ما أجمل الاستماع إلى نداء العقل والحكمة  ،  وما أروع أن يتأمّل من يهمّه الأمر ويمنح الحنكة والذكاء فرصةً قد لا تعوّض  أبداً، فيخرج من ذلّ الرغبة العابرة إلى عزّ الذاكرة الخيّرة بإتاحة  المجال للآخرين كي يأخذوا دورهم في عملية التغييروالتصحيح وتدارك الأخطاء ،  الخطوة التي تعني ترجيح منافع الاُمّة على المنافع الضيّقة والتناغم مع  مطلب المرجعية العليا الذي نال التأييد الكاسح على شتّى الأصعدة والمستويات  .. حينها سيكون للتاريخ وقفة اُخرى يحلّق بصاحبها إلى آفاق الأجيال الآتية بكلّ ألَقٍ وفخر واعتزاز. وللتذكير نقول : إنّ المرجعية الدينية أدّت  وتؤدّي دورها بما تراه في صالح الدين والعباد ، ولن تخسر شيئاً مادامت تقصد  الخير وتعمل من أجله، سواءٌ قوبلت مواقفها بالاستجابة أو عدمها، بخلاف  الذين يجازفون بمنافع الاُمّة وقيمها النبيلة، فإنّهم مهزومون لامحالة ، فقد يخسر الإنسان شيئاً ما ولكن أن يُهزَم فالهزيمة تعني خسران كلّ شيء.وللتذكير أيضاً  بما صدّرنا به البحث  نقول: أنّ ضبط مجريات الأحداث ليس كسابق عهده ، حيث  التقنية الحديثة العالية ومضامير التواصل الواسعة التي جعلت من العالم  قريةً كونيةً واحدة ، قد أعطت وماسواها الفرصة الكافية لتدوين التاريخ  بأوسع مجال من الحرّية ، ولكنّنا لازلنا نراوح مكاننا في واحدٍ من أهمّ  أركان مثلّث المعرفة وأكثرها خطورةً وحسّاسيّة، وحقّ التاريخ علينا أن تنهض  به مشاريع كبرى تقلّص الهوّة العميقة التي تفصلنا عن السطح المطلوب وتحدّ  من النقص  الهائل الذي يشكّل حاجزاً شاهقاً بيننا وبين الكثير من الحقائق   .. آنذاك نستطيع الادّعاء بإمكانيّة منح الفضاءات المعرفيّة نتاجات علميّة  أرقى ورواشح فكريّة أسمى.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=49621
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19