رسالة دكتوراه للاستاذ عباس جعفر الامامي
من مصاديق البحث: تطابق الرؤية البحثية للدكتور الإمامي مع دعوة المرجعية الى الجهاد الكفائي في مواجهة عصابات داعش الإرهابية
محمود الربيعي
المقدمة التعريفية حول الدكتور عباس جعفر الإمامي
يعتبر الدكتور عباس جعفر الإمامي أحد الدارسين في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وهو خريج الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن وعضو مؤسس لمنتدى الوحدة الإسلامية في لندن، ولقد شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات السياسية والثقافية والإسلامية واهتم بحضور العديد من مؤتمرات الوحدة الإسلامية في بلدان مختلفة، وهو مستشار في منظمة حقوق الإنسان لشؤون التركمان في العراق، وله عدة مؤلفات أهمها الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق والتي نال فيها شهادة الماجستير، وأخيراً حصوله على درجة الدكتوراه على أطروحته الموسومة التي تحمل عنوان " الرقابة العامة للمرجعية الدينية في العراق الحديث. وهو "بحث مقارن"، والذي قرأته وطالعته بعناية.
من مصاديق البحث: تطابق الرؤية البحثية للدكتور الإمامي مع دعوة المرجعية الى الجهاد الكفائي في مواجهة عصابات داعش الإرهابية
إن من أبرز النقاط العملية لموضوع بحثه الرائد هو تلاقي الطروحات الواردة في هذا البحث مع آراء المرجعية الرشيدة في مهمة مواجهة الإرهاب، وتطابق الواقع الموضوعي لهما بعد صدور بيان المرجعية المتمثلة بسماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الحسيني السيستاني ( بن محمد باقر بن علي الحسيني ) الذي أوصى بضرورة الجهاد الكفائي ضد الإرهاب وضد عصابات داعش الإرهابية ووجوب الدفاع عن الوطن وعن كافة مكوناته، ومن المناسب أن نذكر تَطَرُقَهُ للشروحات المفصّلة التي بيَّنت الإتجاهات الرائدة للمرجعية في أوقات المحنة سواءاً كان ذلك في ظروف التقية أو في الظروف المناسبة داخل إطار الدولة الإسلامية.
ولقد وجدت أن الدكتور الإمامي قد إعتمد على مختلف المصادر القديمة والحديثة واستعرض آراء المذاهب المختلفة وآراء الكثير من العلماء وتناول مختلف الجوانب الثقافية والدينية والتاريخية، حيث عرض الى ذكر مختلف التطبيقات داخل الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية واهتم بذكر النموذجين البريطاني والتركي إضافة الى النماذج الأخرى.
وقد زوّد الأستاذ الدكتور الإمامي بحثه بالعديد من البيانات الرقمية والتصويرية الإحصائية، وقارن بين النظم الغربية والنظم الإسلامية، وتميز بحثه بالدقة العلمية التي يحتاجها الباحثون والدارسون على أعلى المستويات وبما يوافق الثقافة الأكاديمية على وجه الخصوص، واستعرض في بحثه أنماط قيادات المجتمع الشيعي المعاصر من المراجع كالمراجع الأربعة الشهيرة في مدينة النجف الأشرف وبالخصوص مرجعية الإمام السيد علي السيستاني أدام ظله الوارف، كما تناول ذكر المرجعيات التاريخية في الوسط الشيعي منذ زمن الغيبة وحتى يومنا هذا، وإهتم المؤلف بإلقاء الضوء على تاريخ تطور المرجعية في فكرها السياسي والعلمي والحضاري والمؤسساتي، ولم ينس ذكر المراجع الجهادية التي تميزت بالقيام بالحركات الإصلاحية داخل المجتمع المدني وفي إطار الدولة وسواء كان ذلك في أوقات المعارضة أو أثناء عملية بناء الدولة المستقلة كما ظهر ذلك في مرجعيتي السيد الخميني( روح الله بن السيد مصطفى بن السيد احمد الموسوي )، والسيد الخامنئي ( علي بن السيد جواد ) في إيران، أو مرجعية الشهيدين الصدرين الأول ( محمد باقر بن السيد حيدر بن السيد إسماعيل )، والثاني (محمد ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد مهدي ابن السيد اسماعيل ) في العراق، كما أشار إلى دور القيادات الدينية والسياسية في هذا البلد ومنها دور السيد الشهيد محمد باقر الحكيم ( محمد باقر بن السيد محسن )، وأما في لبنان فاستشهد بكل من الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( بن عبد الكريم بن عباس آل شمس الدين العاملي، أبو إبراهيم الذي ينتهي نسبة إلى الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي )، والسيد محمد حسين فضل الله ( محمد حسين بن عبد الرؤوف فضل الله )، كما تطرق الى ذكر القيادات الثقافية التي تصدت للتأليف والتدريس الموسوعي والأكاديمي كالتي قام بها الشيخ الدكتور محمد صادق الكرباسي صاحب (دائرة المعارف الحسينية) ( محمد صادق بن محمد بن أبي تراب (علي) الكرباسي )، والشيخ محمد مهدي الآصفي، كما أكد على بعض المرجعيات المهمة في حياة الشيعة كمرجعية السيد محسن الحكيم ) هو محسن بن مهدي بن صالح بن أحمد بن محمود بن إبراهيم بن علي ابن مراد بن أسد الله بن جلال الدين بن حسن بن مجد الدين علي بن قوام الدين محمد بن إسماعيل بن عباد بن أبي المكارم بن عباد بن أبي المجد أحمد بن عباد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن السيد إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب(، ومرجعية العلامة الأستاذ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (بن علي أكبر بن هاشم تاج الدين الموسوي )، والسيد محمود الهاشمي ( بن السيد محمد علي الهاشمي الشاهرودي ) وهم من خريجي مدرسة النجف وقم والشيخ محمد رضا آل ياسين (بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ باقر بن الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي )، والسيد كاظم الحسيني الحائري (بن السيد علي بن السيد جليل بن السيد إبراهيم الذي ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ).
واستعرض الدكتور الإمامي الظروف الصعبة التي مرت بها المرجعية وتعدد الأدوار بحسب الظروف والمتغيرات، وأشار الى مرجعية الشيخ كاشف الغطاء (الشيخ محمد حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمّد رضا كاشف الغطاء الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل مالك الأشتر النخعي)، والسيد اليزدي (هو محمد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي الحسني الكسنوي اليزدي النجفي الذي ينتهي نسبه على ما حكاه صاحب الأعيان إلى إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب )، وبَيَّنَ الدكتور الإمامي في معرض رسالته محتوى النصوص المعتبرة التي كانت نقطة إنطلاق لتأسيس المرجعية الدينية التي عنى بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام إستناداً الى أقوال الأئمة عليهم السلام ومنها قول الإمام عليه السلام في تولية المرجع مانصه " من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه على العوام أن يقلدوه"،كما إستند الى قول الإمام الصادق عليه السلام في معرض إجابتة عن سؤال عرض عليه في حالة الخلاف الذي ينشب بين إثنين " قال: ينظران من منكم قد روى حديثاً ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا.. فليرضوا به حكماً. فإني قد جعلته عليكم حاكماً"، وأما بخصوص النصوص الواردة عن الإمام المهدي عليه السلام عجل الله فرجه وما صدر عنه بالتوقيع المشهور الذي أكد فيها على النيابة مانصّه: " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله".
وتطرق الدكتور الإمامي الى الجوانب الإدارية داخل المرجعية وذكر جملة من جهابذة الفقهاء ومفكريهم كالشيخ النراقي (محمّد مهدي بن أبي ذرّ الكاشاني)، والشهيد الثاني (الشيخ زين الدين عليّ بن أحمد الجُبَعي العاملي)، ومرتضى مطهري ( مرتضى محمد حسين مطهري )، والشيخ جعفر السبحاني (جعفر بن محمد حسين السبحاني الخياباني )، والشيخ حسين علي منتظري، وذَكَّرَ برواد المحدّثين ممن كان يحيط بالأئمة عليهم السلام كزرارة بن أعين وهشام بن الحكم، ومن قائمة القدماء من المحدثين والمحققين كالشيخ المفيد (أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان النعمان بن عبد السلام بن جابر بن نعمان بن سعيد العربي العكبري البغدادي النعمان بن عبد السلام بن جابر بن نعمان بن سعيد العربي العكبري البغدادي )، والسيد المرتضى (أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام )، ومحمد بن الحسن الطوسي، والشيخ الكركي (عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمد بن عبد العال)، والمحدِّث المجلسي (محمد باقر بن الشيخ محمد تقي بن مقصود )، والعلامة الحلي (الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي ) والشهيدين الأول (الشيخ محمد بن مكي العاملي) والثاني (الشيخ زين الدين عليّ بن أحمد الجُبَعي العاملي) ، وذكر مصنفات الكتب ومنها الكافي للكليني (محمد بن يعقوب بن إسحاق )، كما تطرق الى ذكر الكثير من المصطلحات الفقهية، كما أن من النقاط البارزة في البحث الموسوعي للدكتور الإمامي التطرق الى الجوانب التاريخية والعمرانية والأكاديمية والى ذكر المساجد والمدارس الدينية المهمة.
وأما بالنسبة للأبواب الأخرى من الرسالة فكان من أهم ماتقدم به من أفكار هو رقابة المرجعية ونظام الوقف في منظور القانون الغربي ونظام الجمعيات الخيرية والنظام الاسلامي على وجه المقارنة من حيث أوجه التشابه والإختلاف، ورقابة المرجعية على أوقاف العتبات الدينية والحقوق الشرعية ومصارفها، والدور الإنساني للوقف والمعاني الفقهية للوقف، وإلى رقابة المرجعية في المجال الفكري والسياسي والأمني والإجتماعي بشكل ملف للنظر، وبيّن إهتمام المرجعية بالمرأة والتنظيمات النسوية والإهتمام بوسائل الإعلام والمنبر الحسيني حيث أشار على وجه الخصوص بعميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتوراحمد الوائلي ( بن حسون بن سعيد بن حمود الوائلي الليثي الكناني ).
ولم ينس الدكتور الإمامي دور المرجعية في العراق في مواجهة النظام العراقي السابق الذي عمد الى إعلان الحرب على المرجعية الدينية في العراق حيث أعدم كل من العالمين الجليلين السيدين محمد باقر الصدر ومحمد بن محمد صادق الصدر وكثير من العلماء واضطهد كبارهم وسجن الكثير منهم وأعدم القسم الآخر.
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور الإمامي ألحق في نهاية كتابه الموسوم الذي نال به شهادة الدكتوراه بعض الملاحق بخصوص ملكية العتبات المقدسة، وقانون إدارتها، وفتاوى مراجع الدين الأربعة حول إدارة الروضتين المقدستين الحسينية والعباسية، وبيان مكتب آية الله السيد علي السيستاني حول اتفاقية إنسحاب القوات الأجنبية من العراق بين الحكومتين العراقية والأمريكية.
وبدورنا نسجِّل أكبر آيات التقدير والتبجيل لسماحة الشيخ الدكتور الأستاذ عباس جعفر الإمامي الذي مزج الفكر السياسي والديني بالوطنية والنضال وهو المعروف بِتَبَنِّيه لمبدأ التسامح والحوار والتعايش الإنساني، ورفضه لكل مصادر العنف والفساد.
وأخيراً نأمل للأخ الدكتور الإمامي تحقيق المزيد من الإنجازات الفكرية والثقافية والى مزيد من النجاحات والمساهمات المثمرة والله ولي التوفيق.
18/08/2014 |