• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من قتل الإمام الحسين عليه السلام؟! ومن قاتل معه؟ حقائق مُغيّبَة تكشف الهوية العقائدية والجغرافية للفريقين (14) .
                          • الكاتب : جسام محمد السعيدي .

من قتل الإمام الحسين عليه السلام؟! ومن قاتل معه؟ حقائق مُغيّبَة تكشف الهوية العقائدية والجغرافية للفريقين (14)

الفصل الخامس
من هم الشيعة ومن هم أهل العداء... حقائق ومواقف

الشيعة في اللغة والاصطلاح
لفظ الشيعة له معنيان ، عام وخاص:
1.    المعنى الأول (العام): ومعناه المشايعة والمتابعة والموالاة، والشيعة هم الأتباع والأنصار، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم بمعنى المناصرة والموالاة كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ)(1)، وقوله تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (2).
وقال ابن منظور: والشِّيعةُ: القوم الذين يَجْتَمِعون على الأَمر، وكلُّ قوم اجتَمَعوا على أَمْر فهم شِيعةٌ، وكلُّ قوم أَمرُهم واحد يَتْبَعُ بعضُهم رأْي بعض فهم شِيَعٌ. قال الأَزهري: ومعنى الشيعة، الذين يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين، قال الله عز وجل: (الذين فرَّقوا دِينَهم وكانوا شِيَعاً)(3) كلُّ فِرْقةٍ تكفِّر الفرقة المخالفة لها، يعني به اليهود والنصارى، لأَنّ النصارى بعضُهُم يكفّر بعضاً، وكذلك اليهود، والنصارى تكفِّرُ اليهود، واليهودُ تكفرهم، وكانوا قد أُمروا بشيء واحد.
والشِّيعةُ: أَتباع الرجل وأَنْصارُه، وجمعها شِيَعٌ، وأَشْياعٌ جمع الجمع، ويقال: شايَعَه، كما: يقال والاهُ، من الوَلْيِ.
 ولا يخفى على اللبيب، أن الشيعة بهذا المعنى هم من بايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السـلام على أنه الخليفة الرابع بعد عثمان بن عفان، ولم يبايعوه على أنه الخليفة الأول بالنص من الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأولئك كثيرون جداً في الكوفة، فها هم أهلها يصلّون خلف أمير المؤمنين علي عليه السـلام، ومع ذلك لمّا نهاهم عن صلاة التراويح بإمام نادوا : "وا سنة عمراه" ، فكذا من بايع الإمامين الحسن والحسين عليهما السـلام من أهل الكوفة وأهل المدينة وبقية الأمصار، وأمّا الشيعة بالمعنى الخاص فقليلون جداً في الكوفة وغيرها، ولا يختلف اثنان في أنهم لا يعتقدون بقول وفعل وسُنة أي أحد غير النبي وأهل البيت عليهم السلام.
2.    المعنى الثاني (الخاص) : ومعناه كل من اعتقد بإمامة علي عليه السـلام وأهل بيته عليهم السـلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص من الله .
قال أبو الحسن الأشعري: وانما قيل لهم الشيعة لانهم شايعوا علياً رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر اصحاب رسول الله (4) .
الشيعة هم : الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته : نصاً ووصية، إما جلياً وإما خفياً، واعتقدوا ان الإمامة لا تخرج من أولاده(5) .
وقال النوبختي: ( الشيعة ): وهم شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام (6).
وقال ابن حزم الأندلسي : ومن وافق الشيعة في أن علياً عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و(آله) وسلم، وأحقهم بالإمامة وولده من بعده، فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك فيما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا ليس شيعياً (7).
قال ابن منظور: وأَصلُ الشِّيعة الفِرقة من الناس، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، ومعنىً واحد، وقد غلَب هذا الاسم على من يَتَوالى عَلِيًّا وأَهلَ بيته رضوان الله عليهم أَجمعين، حتى صار لهم اسماً خاصّاً، فإِذا قيل فلان من الشِّيعة عُرِف أَنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا، أَي عندهم، وأَصل ذلك من المُشايَعةِ، وهي المُتابَعة والمُطاوَعة، قال الأَزهري: والشِّيعةُ قوم يَهْوَوْنَ هَوى عِتْرةِ النبي صلى الله عليه و(آله) وسلم ويُوالونهم(8).
وبعد وضوح أن لفظة الشيعة لها معنيان؛ لغويٌّ عام، واصطلاحيٌّ خاصّ، يتضح: أن من خرج على الإمام الحسين ( عليه السـلام ) لا يَصْدُقْ عليه أنه من شيعته ومتبعيه وناصريه على كلا هذين المعنيين، إذ إن الذي يقاتل الإمام الحسين عليه السلام يخرج عن كونه مناصرا وتابعا له، ولأنه عبد الله الصالح ووليه، فهو واجب الطاعة والإتباع والانقياد.

قلّة الشيعة في الكوفة عام 61هـ
رأينا في الفصل الثاني هذه الحقيقة باختصار، ورأينا أن نزيد ونفصّل هنا ونقول:
لا يخفى أن الكوفة في زماننا الحاضر شيعية محضة، وعرفت بالتشيع في أزمنة مختلفة في التاريخ، ومن هذه الشهرة نَفَذ أصحاب الشبهة، واتّهموا الشيعة افتراءُ عليهم بقتل إمامهم الحسين بن علي (عليه السـلام)!  وذلك لأن المترسّخ في الأذهان أن لفظة أهل الكوفة تساوي لفظة شيعة، وغايتهم من هذه التهمة أن يخلّصوا يزيد وأتباعه ومحبيه، من وصمة العار التي تلاحقهم أبد الدهر، حتى زاد بعضهم بالاتهام، فنصّ على عدم مشاركة أهل الشام واليمن ومصر في قتال الإمام الحسين (عليه السـلام) مع وجود ما يدل على خلافه كما ذكرناه في الفصل الثالث.
ولكن ذلك وحده لا يكفي دليلاً على ما يدّعون بسبب  ما فاتهم فهمه، كما لا يخفى على اللبيب، ولكي تتضح الحقيقة جلياً، علينا أن نعرف مذهب أهل الكوفة في زمان شهادة الإمام الحسين (عليه السـلام)، فلهذا نقول: إن الشيعة بالمعنى الخاص فرقة قليلة جداً في ذلك الزمان، ومع قلتهم كانت طائفة منهم تقطن الكوفة، فهم بالنسبة إلى أهل الكوفة أقلية صغيرة جداً، ومن راجع وتابع سكان الكوفة آنذاك وجدَ هذا المعنى ملموساً، كما شاهدنا في الفصل الثاني.
إن الكوفة بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السـلام)، وانتقال الإمام الحسن (عليه السـلام) منها إلى المدينة المنورة، وفقاً لمعاهدة الصلح، وتسلّم معاوية للسلطة، كانت تحت إمرة بني أمية، وكان هَمُّ معاوية بن أبي سفيان، حينما استتبَّ له الأمر، تفريق الشيعة وإبعادهم عن الكوفة، كما يدل على ذلك كتاب معاوية إلى المغيرة بن شعبة عندما ولاّه الكوفة سنة 41 هــ .
وبعد ذلك جعل معاوية على الكوفة زياد ابن أبيه فلم يترك من شيعة أمير المؤمنين (عليه السـلام) أحداً إلا قتله !! أو عذّبه، أو شرّده! إلا قليلاً ممن لم يُعرف بالتشيع .
وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب (الأحداث)، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة، أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب(يقصدون الإمام علي عليه السلام) وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر، يلعنون علياً، ويبرءون منه، ويقعون فيه، وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد ابن سمية، وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة – وهو بهم عارف لأنه كان منهم (يقصد شيعة بالمعنى العام)أيام علي (عليه السـلام) – فقتلهم تحت كل حجر ومدر !! ، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل !! وسمل العيون !! ، وصلبهم على جذوع النخل، وطرفهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم... (9) .

الحركة الاجتماعية الثقافية السائدة في المجتمع الكوفي
ولو أردنا معرفة المزيد من المعلومات عن مجتمع الكوفة، في عصر ما بعد النبي صلى الله عليه وآله، إلى مقتل الإمام الحسين الشهيد في كربلاء،  نستعرض نتائج بحث في هذا المجال (10) لنستظهر من خلاله النتائج الآتية:
1ـ إن الغاية الاساسية لنشأة الكوفة، هي محطة لاستراحة الجند واحتضانهم وإعادة انتشارهم في الثغور الاسلامية، أو الانطلاق بهم لتكملة ما بدأوا به من مشروع الفتوحات الاسلامية باتجاه الشرق ابتداء من بلاد فارس وحتى بلاد الصين.
2ـ كون الكوفة قاعدة عسكرية فإن ذلك يفرض عليها التنوع العشائري والتنوع العرقي، فقد احتضنت أرض الكوفة العشائر العربية من مكة والمدينة والشام واليمن ووسط الجزيرة والعراق ومنه أهل الكوفة الأصليين، كما ضمت عشائر وعوائل أجنبية وهم الذين عرفوا بـ (الديلم، والحمراء) ومعظمهم من أرض فارس، وقد بلغ أعدادهم في بعض السنوات أكثر من خمسين ألفا.
3ـ هذا التنوع العرقي والعشائري فرض عليها أن تعيش حالة التثاقف التي فرضت بالقوة السلطوية كما فعل معاوية، وبالقوة الاجتماعية لكونها حاضنة للجند.
4ـ قيام السلطة الأموية ممثلة بمعاوية بن أبي سفيان، بممارسة الإفراغ الفكري والعقائدي في مجتمع الكوفة لمدة عقدين من الزمن، ومن خلال منهجين:
 منهج عام: ويشمل الافراغ التوحيدي ممثلا بنقل سجاح التميمية المدعية للنبوة وقومها الى الكوفة، وإطلاق العنان لها فيما تدعو إليه.
ومنهج خاص: ويشمل الافراغ الرسالي ممثلا بفرض بغض علي بن أبي طالب عليه السلام، وقتل كل من يتهم بحبه عليه السلام، أو تهجيره، أو حبسه، أو تسليبه.
5ـ استخدام السلطة الأموية لعملية التثاقف بالقوة من خلال السَّفْيَنَة السكانية لمجتمع الكوفة(جعلهم سفيانيين)، باستخدام أنماط ثقافية متعددة، كصناعة الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ ورواية الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة عامة، وفي الشيخين تحديداً، وبوضع أحاديث مماثلة للأحاديث التي ذكرت فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن ثم قيامه بنقل عشائر من الجزيرة والشام معادية لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وإسكانها في بيوت الموالين لعلي بن أبي طالب عليه السلام، بعد تهجيرهم إلى خراسان ومصادرة أموالهم.
6ـ إدخال صفة الشرعية والحاكمية على ابناء البغاء مما ساعد على تهاون بعض الناس في الوقوع في محارم الفراش، وانجاب أطفال غير شرعيين، لا سيما وإن السلطة الحاكمة قد شرعت قانونا يكسب أبناء الزنى صفة شرعية من خلال الحاقهم بآبائهم!!!.
7ـ هذه الانماط من السلوكيات السلطوية جعلت الانسان في المجتمع الكوفي، يؤمن بهذه الثقافة وينقلها إلى ابنائه، فنشأت طبقة من الشباب خلال عشرين سنة على هذه البنيوية العقلية والمعطيات الثقافية، فهو يستهين بالحرمات، بل إن مفاهيم المحرمات والمقدسات قد اختفت كليا عنده.
ولذا؛ فهو يرى ضرورة الخروج لحرب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وقتاله، بل يسعى من خلال هذه الحرب أن يحظى لدى والي الكوفة من خلال التفنن في القتل والشر.
بل اصبح عنده عبيد الله بن زياد، الذي ولد من فراش مدنس بالرذيلة، وأبوه الذي ولد من نفس الأسلوب، وهو ما عبر عنه الامام الحسين عليه السلام بقوله: (ألا إن الدعي ابن الدعي)، أصبح الشاب الكوفي الذي نشأ على هذه الثقافة السفيانية يرى شرافة هذه النشأة التي نشأ عليها والي الكوفة، مما أدى الى تصدع هذا المجتمع.
8ـ إن هذه العوامل الأنثروبولوجية الاجتماعية الثقافية لو طبقت على أي مجتمع كان، سواء مجتمع المدينة أو مجتمع مكة أو مجتمع البصرة أو مجتمع اليمن، فإنها سوف تنتهي إلى نفس النتائج التي انتهى إليها مجتمع الكوفة.
فالأمر لا يرتبط بأهل الكوفة أو أهل الشام، وإنما بالعوامل الانثروبولوجية الاجتماعية الثقافية التي تحكم المجتمعات، وبمعنى آخر بالتربية السلطوية التي أسستها حكومات غير شرعية على مدى عقود.
فكم من حرمة وحرمة انتهكت بفعل الثقافات المنحرفة والبنيوية الفكرية الميتة، التي نشرت الدمار وأهلكت الإنسان ودمرت الحضارة.
وكأن خروج الامام الحسين عليه السلام إلى العراق، إنما هو لكشف أثر تلك الحركة الاجتماعية الثقافية التي نشأت ونمت في المجتمع الاسلامي برمته، خلال نصف قرن أي من سنة (11) للهجرة وهي السنة التي توفي فيها الرسول صلى الله عليه وآله، وإلى سنة (61) للهجرة وهي السنة التي شهدت فاجعة الطف.
وتحميل الثقافات الحاكمية غير الشرعية مسؤولية انجاب فعل هذه المجتمعات المتصدعة، فكانت ادانة للحاكم قبل أن تكون إدانة للمحكوم.
وما ترك الإمام الحسين عليه السلام مكة في يوم التروية، والمسلمون يزحفون اليها لتأدية الحج، فيتعاقب الفريقان في محطات الطريق، إلا اشعار منه بهدف هذا الخروج، وبيان لكل المسلمين، إن مكة التي جعلها الله أمانا لهم، أصبحت بفعل تلك العوامل الثقافية خلال نصف قرن موضعا للقتل، فلا البيت أصبحت له حرمة في الثقافة السفيانية، ولا الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام أصبحت لهم حرمة.
ولذلك ترى الامام عليه السلام يفصح عن المستوى الذي بلغته هذه الحركة الاجتماعية الثقافية في حاضنة النبوة ومهبط الوحي وهي مكة، فيقول لعبد الله بن الزبير:" إن أبي حدثني أن بمكة كبشا، به تستحل حرمتها، فما أحب أن أكون ذلك الكبش، ولأن أقتل خارجا منها بشبر، أحب إلي من أن أقتل فيها، وأيم الله، لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام، لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم، والله ليعتدن عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت".
إذن أصبح الناس من وجهة نظر مدرسة الإمام الحسين عليه السلام، ومدرسة علم الإناسة، وتحديدا الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية، في المجتمعات الاسلامية كافة، أصبحوا على ثقافة واحدة، ويتصرفون ضمن منظومة مفاهيم محدودة، أفرزت سلوكيات تدل على بنيوية عقلية واحدة، رسمتها تلك الثقافة الجديدة التي بدأت قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، حينما اتُهم بالهَجْر، لتثمر هذه الحركة الاجتماعية الثقافية المنحرفة في يوم عاشوراء، تلك المأساة العظيمة التي لم تحدث في أمة من الأمم السابقة أو اللاحقة(11).

أحوال ودواعي مَنْ كَتَبَ إلى الإمام الحسين (عليه السـلام)
لا يخفى أن البيعة من المسلمين، لا تدل على المشايعة بالمعنى الخاص لأهل البيت (عليهم السـلام) فأكثر المسلمين ممن بايعوا أمير المؤمنين (عليه السـلام) والإمام الحسن (عليه السـلام) بايعوهما على أنهما خليفتان كبقية الخلفاء، بل كانوا يعتقدون بأن من مضى من الخلفاء أفضل منهما!! وهؤلاء كلهم ليسوا بشيعة بالمعنى الخاص، بل الشيعة بالمعنى الخاص كما تقدم علينا، هم خصوص من اعتقدوا بإمامة أمير المؤمنين (عليه السـلام) وأبنائه (عليهم السـلام) بالنص من الله، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، مثل الشيعة الإثني عشرية (الإمامية)، وممن مضى من أسلافهم، كسلمان المحمدي والمقداد ورشيد الهجري ومالك الأشتر و... و... وغيرهم ممن تمسكوا بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله، في غدير خمّ وغيرها .
فمن بايع الإمام الحسين (عليه السـلام) في نهضته هم عامة الناس، حتى من أهل الحجاز، فأكثر من بايعه وكتب إليه من أهل الكوفة، هم أيضاً من عامة الناس، الذين يعتقدون فيه بأنه ابن النبي صلى الله عليه وآله، وأنه أهل العدل والصلاح، كما يعتقدون ذلك بأبيه أمير المؤمنين (عليه السـلام) وأخيه الإمام الحسن (عليه السـلام)، ولا يعتقدون بأنه الإمام بعد أخيه بالنص كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وآله، فكثير ممن بايع الإمام الحسين عليه السلام وكتب إليه، هم على هذه الشاكلة من سواد الناس، ومما يدل على ذلك بوضوح كتاب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وعمرو بن الحجاج وغيرهم من الخوارج، وقد ناقشنا في الفصل الثاني الهوية العقائدية لمن كاتب الإمام الحسين عليه السلام، وتركنا التفصيل إلى هذا الفصل، فقد كانت الفئات عدا الأولى قد غدرت به، وكانت دواعي مَنْ كَتَبَ إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) تختلف كما يلي:
1.    من الكاتبين له الشيعة، والداعي لهؤلاء إقرارهم بإمامته (عليه السـلام) بالنص من الله، والطاعة له باعتبارها كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله، واعتقادهم بعصمته، والفرد من هؤلاء لا يكون مؤمناً إلا بالإيمان به، وبوجوب نصرته، واعتبارها كنصرتة النبي صلى الله عليه وآله، لأن الله لا يقبل عمل عامل إلا بالتسليم والولاية له، والبراءة من عدوّه، والفرد من هؤلاء لا يتعدى أو يفتك بالإمام الحسين عليه السلام، بل إنه يطلب رضاه، وهذا ما صرح به المؤرخين من أن قلوب الكوفيين – الذين يقرُّون بفضله، ولكن لا يعتقدون بإمامته – مع الإمام الحسين (عليه السـلام) ولكن سيوفهم عليه، فهؤلاء الفئة من الكوفيين لا يختلفون عن السارق من الصالحين. وهؤلاء قليلون جداً .
2.    من الكاتبين له، من بايعه (عليه السـلام) للغدر به، والتنكيل به، والتقرب بقتله وإراقة دمه، إلى يزيد بن معاوية!!!، وهذا ما صرَّح به الإمام الحسين (عليه السـلام) في ليلة العاشر من المحرم فقد روى البلاذري قال : " وقال (عليه السـلام): إنما يطلبونني وقد وجدوني، وما كانت كُتُبُ من كَتَبَ إلي - فيما أظن - إلا مكيدة لي، وتقرباً إلى ابن معاوية بي " (12) .
3.    من الكاتبين له، من أدرك بأن يزيد بن معاوية ظالم فاجر لا يتورع عن المحارم، ولا يصلح لشيء من أمور المسلمين أصلاً، فكتب إليه (عليه السـلام) للعيش تحت ظل العدل – وإن لم يعتقد بإمامته بالنص – وذلك لما عرف عنه أنه من أهل بيت النبوة، وهم أهل التقوى والعدل والجود والكرم، فلهم مكان في قلوب من لهم شيء من العقل والتمييز، وهؤلاء يوجد منهم كثير في زماننا، وفي سائر الأزمنة السالفة، إذ إن الكثير يدّعي محبة أهل البيت (عليه السـلام) حتى يظهروا ذلك بإنشاء قصائد المدح وغيرها، ولكنهم لا يتبعونهم ! ولا يأخذون دينهم منهم، بل من غيرهم ! ولا يتبرأون من أعدائهم ! رغم أن الله أمرنا بأخذ ديننا من أهل البيت عليهم السلام، والتبري من أعدائهم، فحبُّ هذه الفئة من الناس قائم ما دام لا يعارض شيئاً من مصالحهم، ولا يمسّهم به سوء، أما إن أدى لمس مصالحهم، أو أضرهم، فإنهم سيتركوه، لأنه حبٌ مشروط بالفائدة وعدم الضرر وغير قائم على العقيدة، لذا فالاعتقاد بأن الإمام الحسين (عليه السـلام) من أهل العدل والتقوى، مع عدم الاعتقاد بإمامته، لا يقتضي عدم الفتك به (عليه السـلام) جلباً للمصالح، أو دفعاً للضرر، وغيرها من الأغراض الدنيوية، وهذا مثل الذي يسرق من الصلحاء مع اعتقاده بصلاحهم، يسرقهم لمصلحة نفسه، وإن كان يحبهم ويثني عليهم .
4.    من الكاتبين إليه (عليه السـلام)، أشخاصاً لا يتعقلون بيعة أحد من الناس ليزيد بن معاوية لِمَا فيه من الرذائل، ومن الطبيعي أن يبايعوا شخصاً فيه كل الكمالات كالإمام الحسين عليه السلام.
5.    ومنهم من كتَبَ إليه (عليه السـلام) تمشياً مع الرأي العام، غير معتقد بإمامته او بأحقيته في الخلافة.
6.    ومنهم من كتب إليه (عليه السـلام) لأجل المصالح والأغراض الدنيوية، فما إن علموا بانتفاء ما رغَّبهم في البيعة فوراً، تخلّوا عن الإمام الحسين (عليه السـلام)،  ولنا في ذلك شواهد بمن بايعه من أهل البلدان التي مرَّ (عليه السـلام) بها ومن التحق به من مكة، فإنهم ما إن سمعوا بعدم تمام بيعته (عليه السـلام) في الكوفة – حينما وصل خبر شهادة مسلم بن عقيل (عليه السـلام) – تخلُّوا عنه، ولم يبق إلا أهل بيته ونفر قليل من الحجاز والباقي من الكوفة والبصرة.



 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=50835
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16